المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

تعتبر الأخلاق جانبا حيويا وهاما في كل رسالة سماوية، ولم تكتف واحدة منها بتصحيح العقائد، والشرائع بل وصل اهتمامها بالأخلاق إلى أن المناداة بها ظهر مقترنا بظهور الدعوة؛ لأن الأخلاق جزء من التوحيد وعبادة الله تعالى.

ومن المعروف أن صدق التوحيد، وإخلاص العبادة، يستتبعان بالضرورة أخلاقا نقية عالية، والرسل صلوات الله عليهم خير الناس، اصطفاهم الله تعالى لنشر المكارم الأخلاقية، وركز في طباعهم السمو النفسي، والأخلاقي، الذي جعلهم مستعدين للقيام برسالتهم، يحدد الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم منزلة الخلق في الرسالات فيقول صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" 1 فهو متمم لمن سبقه من الرسل، وكأن الهدف من كل رسالة هو نشر جانب أخلاقي ما، إلا أن الرسالة الخاتمة جاءت متممة لهدف هذه الرسالات بتكميل مكارم الأخلاق كلها.

ولقد كان منهج الرسالات المقدس في تعليم الأخلاق واضحا في اتجاهات معينة نجملها في اتجاهات ثلاثة هي:

الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

بدأ الرسل في دعوتهم إلى الأخلاق مع بداية الدعوة إلى التوحيد، حتي يصنعوا بالأخلاق حاجزا بين النفس وشهوتها والقلب وهواه، ويرسموا للإنسانية طريقا مليئا بالفضائل والصلاح.

وإنما بدءوا هكذا لأن الإيمان بالله قرين الأخلاق، كلاهما يستلزم خضوعا وخشوعا، وطاعة مطلقة لله تعالى، وتجنب المظالم، وترك النفس، كل ما يشينها ويرديها، وكلاهما يستوجب على صاحبه أن يتحلى بالآخر، ولا يكمل الآخر

1 موطأ مالك بشرح الزرقاني ج4 ص92 ما جاء في حسن الخلق.

ص: 516

إلا مع الأول، ولذلك لم يبعث رسول إلا إلى قوم فسدت أخلاقهم، وضلت عقائدهم، وعاثوا في الأرض فسادا واستكبارا، في هذا الوقت تعمل الرسالة على إصلاح هذا الحال مع الدعوة إلى الإيمان.

هذا هو سيدنا نوح عليه السلام بعث في قوم ذلت عقائدهم، وفسدت أخلاقهم وأخذوا في تلقين ناشئتهم هذه المبادئ الضالة، في العقيدة والأخلاق، يقول أبو السعود إنهم أصروا على المعاصي، والكفر، واستكبروا استكبارا شديدا، عن الاتباع والطاعة1، ولوضعهم هذا طلب الرسول منهم أن يعبدوا الله، ويتركوا المعاصي، وقال لهم:{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} 2.

وهود عليه السلام دعا قومه إلى توحيد الله، وعبادته، فقال لهم:{يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} 3، وفي نفس الوقت أمرهم بأن يتوبوا عن المعاصي، ويستغفروا الله عن الذنوب، ولا يصروا على الإجرام والظلم، فقال لهم:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} 4، ولقد دعا هود قومه إلى التوبة، والاستغفار، مع دعوتهم إلى التوحيد؛ لأنهم عتوا عتوا كبيرا واستكبروا في الأرض بغير الحق، وقالوا غرورا وتعاليا من أشد منا قوة؟ .....

وصالح عليه السلام بعثه الله لقومه، فطلب منهم أن يعبدوا الله الواحد، وينبذوا فاسد الأخلاق، ويتوبوا عنها فقال لقومه: {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ

1 تفسير أبي السعود ج5 ص197.

2 سورة نوح الآيات " 3، 4".

3 سورة هود آية "50".

4 سورة هود آية "52".

ص: 517

هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} 1، فطلب إليهم أن يوحدوا الله، ويعبدوه، ويرجعوا عما كانوا يباشرونه من القبائح الأخلاقية، وقد جاء النظم في الآية مهتما بالتوبة، حيث ذكر العلة الباعثة عليها، وهي {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} وجعل عقبها مباشرة الغاية المرجوة وهي {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيب} 2.

وواضح أن هذه الغاية، وتلك العلة، داعيتان إلى توحيد الله، وعبادته، والبعد عن الضلال، وترك السفة بصورة تلقائية، فقد وضعتهما الآية حول الأمر بالتوبة للإشارة إلى أهمية هذا الأمر، وضرورته للتوحيد، ولبيان مدى ما يترتب عليها من فائدة.

وهكذا دعا صالح عليه السلام قومه إلى التوحيد وفي نفس الوقت دعاهم إلى ترك الفساد والاستكبار.

وشعيب عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد، واستقامة الأخلاق، حيث قال لقومه:{يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3 فنراه عليه السلام قد بدأ بإصلاح العقيدة وقفى عليها بالأمر بإيفاء الكيل، والميزان، إذا باعوا، والنهي عن بخس الناس أشياءهم إذا اشتروا، وأن يبتعدوا عن كل إفساداتهم، وضلالهم، بعد ذلك، وقد نهاهم شعيب عن كل هذا وختم قوله لهم بقوله: {ذَلِكُمْ خَيْر

1 سورة هود آية "61".

2 تفسير أبي السعود ج3 ص31.

3 سورة الأعراف آية "85".

ص: 518

لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وكأن مقتضى الإيمان يستلزم التمسك بالطيب الحلال والبعد عن الخبيث المحرم.

وهكذا جمع شعيب عليه السلام في أول دعوته بين المناداة بالتوحيد والمناداة بالأخلاق كسائر الرسل عليهم السلام.

ولوط عليه السلا" يبدأ دعوته بأن يستنكر على قومه مفاسدهم، فطالبهم بتنقية أخلاقهم، مع مطالبتهم بالتوحيد، ذلك لأنهم كما ذكر صاحب قصص الأنبياء كانوا قد ابتدعوا من المنكرات ما لم يسبقهم إليه أحد من خلق الله، حيث كانوا يأتون الذكران من العالمين، شهوة من دون النساء، ولا يرون في ذلك سوءا، أو قبحا، فيعلنونه، ولا يستترون1، فهم في هذا الباب فريدون لا سابق لهم، وقد بين الله لهم هذه الحقيقة بقوله تعالى:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} 2، فهم يعلنون الفاحشة الظاهر قبحها من دون سائر الناس ولا يرتدون أبدا، ولقد وصفهم لوط بسبب هذا بصفات عدة، إنكارا منه لعملهم، وتوجيها لهم إلى الخير.

فسألهم -أولا- على وجه الإنكار وقال لهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} 3.

ووجههم -ثانيا- إلى وجوب التسامي بغريزتهم، وببذلها في حلال وطهر. ذلك أن الشهوة إن بذلت في موضعها المشروع فهي صفة حسن، وإن بذلت في غير المشروع فهي فحشاء وصفة قبيحة، وقد أراد عليه السلام أن يعودهم التسامي بالشهوة، وينتقلوا بها من الفحشاء، إلى الحسن، فقال لهم عند حضور أضيافه وقد أرادوا الاعتداء عليهم، قال لهم:{بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُم} 4، يقصد عليه السلام أن يتزوجوهن

1 قصص الأنبياء ص113.

2 سورة العنكبوت آية "28".

3 سورة الشعراء آية "165".

4 سورة هود آية "78".

ص: 519

بالطريق المشروع، ومما يؤكد هذا المقصد "لفظ الطهر" لأن لقاء البنات والنسوة لا يكون طاهرا إلا بالمشروع.

وهكذا اتجه لوط إلى تعليم قومه الأخلاق مع دعوتهم إلى التوحيد، ولا عجب فإن الرسل جميعا اهتموا بالأخلاق.

ومن بعد سيدنا لوط رأينا موسى عليه السلام يدعو إلى الأخلاق، ويقول لفرعون:{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} 1 فقد بين له أن الهدف هو أن يتطهر من دنس الكفر، والطغيان، عن طريق خشية الله وقد خاطبه بأسلوب الاستفهام، ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه تنفيذا لقوله تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} 2.

وعيسى عليه السلام لما سأله أحد الفريسيين قائلا: "يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس؟ فقال له يسوع: تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، هذه هي الوصية الأولى العظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك، فبهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء"3.

وهكذا دعاهم إلى الله ومكارم الأخلاق وقد وضح ذلك في القرآن الكريم وهو يحكي إجابة عيسى لله تعالى فيقول: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 4.

1 النازعات الآيات "18، 19".

2 سورة طه آية "44".

3 انجيل متى - الإصحاح الثاني والعشرين - فقرات 37: 41".

4 سورة المائدة آية "117".

ص: 520