الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17-
هارون عليه السلام:
هو الشقيق الأكبر لموسى عليه السلام ولد في السنة التي كان فرعون يدع القتل فيها، وهو أكبر من موسى بثلاث سنوات.
وهو اسم معرب من العبرية، وينطق فيها بالهمزة بدل الهاء، فيقولون: آرون بمعنى النشاط1، وهو اسم ينطبق على مسماه؛ لتميز هارون بالنشاط في الطاعة، والحرص على تحقيق مقصده بهدوء، ولين.
وقد عاش في مصر، ولم يخرج منها إلا مع الإسرائيليين، يوم أن خرجوا جميعا، ورحلوا إلى سيناء.
وحين كلف الله موسى عليه السلام بالرسالة، طلب من الله أن يعينه بإرسال هارون عليه السلام معه؛ لما تميز به من صفات، يقول الله تعالى حكاية على لسان موسى عليه السلام:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} 2، ويقول سبحانه:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} 3، ويقول
1 بصائر ذوي التمييز ج6 ص67.
2 سورة القصص آية: 34.
3 سورة طه الآيات: 29-32.
ومن مجمل الآيات نفهم أن هارون عليه السلام اتصف ببعض الصفات التي من أجلها طلب موسى عليه السلام من الله أن يشركه أخوه هارون في الرسالة والدعوة، وأهمها:
الأولى: تميز هارون عليه السلام بالهدوء واللين، فتمكن بذلك من مواجهة المواقف الشديدة، رابط الجأش، بلا ضيق أو انفعال.
الثانية: تميز هارون عليه السلام بالشدة، وقوة البأس، وهذا يساعد في تبليغ الدعوة، ويدخل الرعب في قلوب العدو، ويشد أزر موسى عليه السلام ويبعد عنه خوف الأعداء؛ لأنه كان يتوقع انتقامهم منه لقتله المصري يوم أن فر إلى مدين، يقول الثعلبي:"كان هارون أطول من موسى"2.
الثالثة: تميز هارون عليه السلام بالرشد، وسداد الرأي؛ ولذلك رغب موسى عليه السلام أن يشركه في الأمر، ويشاوره في مواجهة المعارضين، وقد ساعده على ذلك هدوء طبعه، وثباته وقت الشدائد. انظر له عليه السلام يوم أن عبد قومه العجل، وجاءه موسى عليه السلام وأخذ برأسه ولحيته، فإنه عليه السلام أقنع موسى عليه السلام بوجهة نظره، وأعاده بلينه إلى الهدوء، فدعا له موسى عليه السلام.
الرابعة: تميز هارون عليه السلام بالفصاحة، والبيان؛ ولذلك طلب موسى عليه السلام معاونته؛ ليشترك معه في الدعوة، ويدفع عن موسى ما سوف يقابله، ويقنع الناس بصدق موسى عليه السلام.
وقد استخلف موسى عليه السلام هارون يوم أن ذهب لملاقاة ربه؛ ليصلح حال الناس،
1 سورة الشعراء الآيات: 13، 14.
2 بصائر ذوي التمييز ج6 ص68.
ويدعوهم إلى الحق، ويبعدهم عن الضلال والهوى، يقول الله تعالى:{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} 1.
لكن الإسرائيليين انتهزوا فرصة غياب موسى عليه السلام واستجابوا للسامري حين دعاهم لإلقاء الذهب، الذي جاءوا به من مصر في النار؛ ليتخلصوا من وزره؛ لأنه لا حق لهم فيه، وصنع لهم عجلا من البقر، ودعاهم إلى عبادته فعبدوه، واستهانوا بهارون لطيب خلقه، ولين طبعه، فلما رجع موسى إليهم اعتذروا له، وعادوا إلى دين الله مرة أخرى.
وقد توفي هارون قبل موسى بسنتين أو بثلاث، يروى السدي عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة بن مسعود، وعن ناس من الصحابة قالوا: ثم إن الله أوحى إلى موسى أني متوف أخاك "هارون" فأت به إلى جبل كذا، وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو هذا الجبل، فإذا هم بشجرة لم تر شجرة قبلها، وإذا هم ببيت مبني، وإذا هم بسرير عليه فرش، فإذا فيه ريح طيبة، فلما نظر هارون إلى ذلك البيت، والجبل، وما فيه أعجبه، فقال: يا موسى، إني أحب أن أنام على هذا السرير، فلما نام قبض الله روحه
…
فلما قبض رفع ذلك البيت، وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير به إلى السماء.
لما رجع موسى عليه السلام إلى قومه، وليس معه هارون، قالوا: إن موسى قتل هارون
…
فلما سمع موسى عليه السلام ذلك، قام فصلى ركعتين، ثم دعا الله، فنزل السرير وعليه هارون، حتى نظروا إليه بين السماء والأرض، فعلموا أن هارون قبضه الله إليه، وبرئ موسى عليه السلام من اتهامهم2.
1 سورة الأعراف آية: 142.
2 قصص القرآن ص290.
وقصة هارون عليه السلام تفيد أهمية استعانة الدعاة بمن يساعدهم في القيام بواجبهم، ويستفيدون بأي شيء يسهل التبليغ، جريا على عادة البشر، كما استعان موسى عليه السلام بأخيه هارون، والقصة كذلك توضح لنا أهمية الدعاء، والطلب من الله سبحانه وتعالى، فهو القادر على كل شيء.