الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام
"
قضت إرادة الله أن يجعل في الأرض خليفة، يعمرها، ويسوسها، فأخبر ملائكته الذين خلقوا قبل آدم، قائلا لهم:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 1.
والخلافة في الأرض مقام كريم، يجعل الخليفة موصولا بمن استخلفه، وتتطلب خليفة كفؤا، يتحمل المسئولية، ويحافظ على الأمانة؛ ولذلك استشرفت الملائكة هذا المقام، ورجته لنفسها، وخافت أن يتولى الأمر من يفسد ويقتل؛ ولذلك قالوا لله تعالى:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} 2.
ومصدر الخوف عند الملائكة ما رأوا من فساد الجن قبل ذلك، أو لأنهم علموا أن عنصر الطين في الإنسان ليتغلب فإنه يظلم ويدمر، أو علموا بإلهام الله لهم بعدما جرت مشيئته بذلك3.
وقالت الملائكة ما قالوه في عبودية خاشعة، لا اعتراض فيه البتة؛ ولذلك طمأنهم الله، وقال لهم:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 4.
وهكذا أعلمهم الله بسبب اختياره آدم وذريته للخلافة، وكشف لهم حكمته في ذلك. يوضح ابن كثير هذا وهو يبين معنى الآية قال: "أي: أعلم المصلحة في خلق هذا الصنف ما لا تعلمون، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، وأوجد فيهم الصديقين، والشهداء، والصالحين، والعباد، والزهاد، والأولياء، والدعاة
1 سورة البقرة: 30.
2 سورة البقرة آية: 30.
3 انظر تفسير ابن كثير ج1، ص70، 71.
4 سورة البقرة آية: 30.
Results
النقطة الأولى: خلق آدم عليه السلام
"النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام"
قضت إرادة الله أن يجعل في الأرض خليفة، يعمرها، ويسوسها، فأخبر ملائكته الذين خلقوا قبل آدم، قائلا لهم:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 1.
والخلافة في الأرض مقام كريم، يجعل الخليفة موصولا بمن استخلفه، وتتطلب خليفة كفؤا، يتحمل المسئولية، ويحافظ على الأمانة؛ ولذلك استشرفت الملائكة هذا المقام، ورجته لنفسها، وخافت أن يتولى الأمر من يفسد ويقتل؛ ولذلك قالوا لله تعالى:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} 2.
ومصدر الخوف عند الملائكة ما رأوا من فساد الجن قبل ذلك، أو لأنهم علموا أن عنصر الطين في الإنسان ليتغلب فإنه يظلم ويدمر، أو علموا بإلهام الله لهم بعدما جرت مشيئته بذلك3.
وقالت الملائكة ما قالوه في عبودية خاشعة، لا اعتراض فيه البتة؛ ولذلك طمأنهم الله، وقال لهم:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 4.
وهكذا أعلمهم الله بسبب اختياره آدم وذريته للخلافة، وكشف لهم حكمته في ذلك. يوضح ابن كثير هذا وهو يبين معنى الآية قال: "أي: أعلم المصلحة في خلق هذا الصنف ما لا تعلمون، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، وأوجد فيهم الصديقين، والشهداء، والصالحين، والعباد، والزهاد، والأولياء، والدعاة
_________
1 سورة البقرة: 30.
2 سورة البقرة آية: 30.
3 انظر تفسير ابن كثير ج1، ص70، 71.
4 سورة البقرة آية: 30.
والأبرار، والمقربين، والعلماء العاملين، والمحبين لله ورسله، المتبعين لوحي الله تعالى"1.
عرف الله تعالى ملائكته بهذا الخليفة، وهو يكونه أمامهم مرحلة، مرحلة.
ففي المرحلة الأولى صنعه بشرا من طين وقال لهم: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} 2، فرأوا العنصر المادي، وشاهدوا الصورة البشرية لآدم، ثم عرفهم الله تعالى بالمرحلة الثانية، وأمرهم بتعظيمه، والترحيب به حينما يرون نفخة من روح الله تعالى تدب في هذا الجسد المادي، وقال لهم:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} 3.
وهكذا تكاملت الإنسانية في آدم عليه السلام وبدأت البشرية مسيرتها في الأرض.
وقد اتحد العنصران في آدم عليه السلام فلم تبق النفخة العلوية هائمة في عالمها السامي، ولم يستمر الطين جسدا جامدا لا يتحرك، وإنما كونا معا إنسانا ماديا ينمو، ويدرك، ويفكر، ويستفيد بكل ما سخر الله له.
وقد أبقى الله تعالى هذا التمازج بين الجسد والروح، سرا من أسرار حكمته، بحيث لا يستطيع إنسان ما إدراك كيفية هذا التمازج، أو اكتشاف صور التفاعل فيه.
ومن عجيب حكمة الله تعالى أن هذا التمازج يستمر ما دام لصاحبه في الدنيا حياة، فإذا جاء الأجل في لحظة لا يعلمها إلا الله يأمر سبحانه وتعالى بانفصال العنصرين؛ لترتفع الروح إلى بارئها، ويعود الجسد ترابا مرة أخرى.
وبعد تمام خلق آدم أخرج الله له من ضلعه الأيسر زوجته حواء؛ ليكونا أول أسرة بشرية، يجمعها الترابط، وتتمتع بالمودة والرحمة، ويشعر كل طرف بدور
1 تفسير ابن كثير ج1، ص69.
2 سورة ص آية: 71.
3 سورة الحجر آية: 29.
الآخر معه، فآدم عليه السلام يدرك دور حواء في مؤانسته، وهو عليه السلام الموحى إليه، ومهمته مواجهة الصعاب والمشاق؛ لتعمير الأرض بخلافة الله التي اختصه بها، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} 1.
وعلى الإنسان أن يتذكر دائما أنه يرجع في وجوده وتكوينه، إلى أبويه "آدم وحواء"، يقول صلى الله عليه وسلم:"كلم لآدم، وآدم من تراب" 2، وقد خلقت حواء من ضلع آدم؛ ولذلك فطرت على التعلق بالرجل وخلق الرجل من الأرض، فجعل ميله إلى الأرض3، ولا غرابة في هذا، فالفطرة ترتبط بأصلها، وتسعد بالسكون إليه، ودائما تنمو الحياة بما يناسبها، ويغذيها.
والإنسان على امتداد الزمان، والمكان، سلالة متولدة من آدم وحواء، وإن تغيرت صورة الإيجاد، يقول صلى الله عليه وسلم:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض؛ فجاء منهم الأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن، والطيب والخبيث"4.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن كمعادن الأرض"5.
وقد أكدت الاكتشافات العلمية الحديثة أن الإنسان في تكونه يشبه عناصر الأرض والطين، ويقول الدكتور علي مطاوع:"عدد عناصر الطبيعة اثنان وتسعون عنصرا، وهي موجودة في جسم الإنسان كذلك"6.
1 سورة النساء آية: 1.
2 فيض القدير ج5 ص37.
3 تفسير الطبري ج7، ص515 ط دار المعارف.
4 رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ج5 ص204.
5 أشار إليه السخاوي في المقاصد الحسنة وذكر وروده عن البيهقي، وروى البخاري نحوه في صحيحه بشرح فتح الباري ج8 ص147.
6 آدم ص20.