المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌أولا: يوسف وإخوته

1-

يوسف وإخوته.

2-

يوسف في بيت العزيز.

3-

يوسف في السجن.

4-

يوسف والحكم.

5-

يوسف وبنو إسرائيل.

وسأتناولها فيما يلي

ص: 194

‌أولًا: يوسف وإخوته

رأى إخوة يوسف اهتمام يعقوب عليه السلام به أكثر منهم، وتمكن الشيطان من نفوسهم، فملأها بالحسد والحقد، وأنساهم حق الأبوة، وحق الأخوة، وقدر الله عليهم أن يكونوا كذلك، فكبر في نفوسهم أن يميل قلب أبيهم ليوسف الصغير أكثر من ميله لهم، وهم كبار ورجال، يمثلون عصبة قوية.

كبرت هذه الأحاسيس في نفوسهم، وسيطرت على حياتهم، فقال بعضهم لبعض:{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 1.

قالوا ذلك وأنساهم الشيطان أن الحب القلبي عطاء إلهي لا يملكه الإنسان، وأما العدل العقلي والمادي الذي يملكه الإنسان فلا تقصير فيه من أبيهم2، ومع ذلك رأوا أن أباهم على خطأ واضح، وفكروا في تصحيح هذا الخطأ

قال قائل منهم: {اقْتُلُوا يُوسُفَ}

1 سورة يوسف آية: 8.

2 جاء في تفسير الألوسي أنه لا لوم على الوالد في تفضيل بعض أولاده في المحبة القلبية؛ لأن المحبة القلبية لا تدخل تحت وسع البشر. "التفسير ج12 ص171".

ص: 194

لكن اقتراح القتل لم يكن مسلما لديهم؛ لأنه جريمة قتل يباشرونها بأنفسهم، وإخفاؤها والخلاص منها أمر صعب، وفعلها لا يليق بهم.

ولذلك كان الاقتراح التالي وهو {اطْرَحُوهُ أَرْضًا} ومعناه: أن يرموه في صحراء قاحلة؛ ليموت بعيدا عنهم إما بالجوع، أو بالعطش، أو بافتراس الوحوش الضارية

والاقتراح الثاني لا يقل وحشية عن الاقتراح الأول، فكلاهما إزهاق للروح، وسفك للدم.

ومن ألاعيب الشيطان بهم، أن زين لهم تآمرهم، فعللوه برغبتهم في إبعاد أبيهم عن ضلاله، وبأنهم سوف يتوبون، ويكونون من عباد الله الصالحين، وسهل لهم الشيطان الجرم بتقديم العزم على التوبة قبل ارتكاب الإثم؛ لئلا يتراجعوا.

يصور الله تعالى هذا التآمر بقوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} 1.

لكن واحدا منهم توسط في الرأي، واقترح رأيا به يبعد يوسف عن أبيهم، وفي نفس الوقت يعيش في أرض بعيدة مجهولة، قال تعالى:{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} 2، رضوا هذا الرأي واتفقوا عليه، وبدءوا في التنفيذ

ذهبوا لأبيهم وطلبوا منه أن يرسل يوسف معهم للرعي والعمل، فلم يوافق على طلبهم لصغر سنه، فذكروا له أنه لن يعمل، وأنهم سيتركونه يلعب، ويجري، ويتنزه، ويستأنس بأمثاله من الصغار.

فبين لهم أنه لا يصبر على فراق ولده الصغير، وبعده عنه يحزنه، وأيضا فهو يخاف عليه من الذئب لصغره، والبرية ملأى بالذئاب.

1 سورة يوسف آية: 9.

2 سورة يوسف آية: 10.

ص: 195

تعهد الأبناء لأبيهم بالمحافظة عليه، وأكدوا أمامه أنهم يحبون له ما يحبونه لأنفسهم، وهم جماعة لا يقدر الذئب عليهم، ولا خير فيهم إن غلبهم الذئب وأكله.

فوافق يعقوب عليه السلام على إرساله معهم، يصور القرآن الكريم الحوار بين يعقوب وبنيه، فيقول سبحانه:{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ، أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ، قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} 1.

وأخذوا يوسف معهم، وذهبوا به إلى بئر يرتاده السيارة من التجار للتزود بالماء، وعزم جمعهم على تنفيذ ما اتفقوا عليه، فألقوه في الجب، ونزل جبريل فحمله، ووضعه في جانب من البئر بحيث لا يصل إليه الماء، وبشره بالفرج، وعلو الشأن، وأنه سينجو، وأن الله سيجمعه بأبيه وإخوته بعدما يمكن له في الأرض، يقول تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} 2.

وجاءوا لأبيه بقميصه الذي خلعوه منه، وعليه بعض الدم، وقالوا له: إنا شغلنا بالرمي والسبق عن يوسف، فأكله الذئب، وحاولوا إخفاء جرمهم بأن جاءوا متأخرين ليلا على غير عادتهم، وبالبكاء الحار لفراقه، وبقميصه الملوث بالدم، يقول تعالى:{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ، وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} 3.

1 سورة يوسف الآيات: 11-14.

2 سورة يوسف آية: 15.

3 سورة يوسف الآيات: 16-18.

ص: 196

لكن يعقوب عليه السلام لم يصدقهم في مقالتهم له؛ لأنه رأى من القرائن والأحوال ما يؤكد كذبهم، ومنها:

- رؤيا يوسف عليه السلام تؤكد أنه لن يموت هكذا.

- أخذوا يوسف ليلعب، وإذا بهم يعتذرون بلعبهم دونه.

- زعموا أن الذئب أكله، والذئب لا يأكل ضحيته كلها، بل يكتفي بقطعة منها.

- لو تصورنا أن الذئب أكله، فهل يأكله كله في مرة واحدة؟

- جاءوا بالقميص سليما وعليه دم، وهذا لا يتصور؛ لأن الذئب يمزق القميص وهو يقتل ضحيته.

- في حديثهم إشارة إلى الكذب، قالوا:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} 1.

- رأى عليه السلام في تأخرهم، وبكائهم الخداع، والتحايل، وعدم الصدق.

أسلم يعقوب عليه السلام أمره لله صابرا، وقال لهم:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} 2.

وجاءت قوافل التجار، وأناخت بإبلها بجانب البئر، وأرسلوا ساقيهم لينزع لهم الماء، فلما أدلى الوارد دلوه تعلق يوسف بالحبل، وشده الوارد، فلما رآه استبشر، وقال: هذا غلام، وعرف التجار بالأمر، فكتموا خبر العثور عليه، وجعلوه بعضا من بضاعتهم التي أحضروها من بلاد الشام إلى مصر، وباعوه بثمن رخيص؛ لأنهم لم يتكلفوا فيه ثمنا، ولم يهتموا بشأنه مخافة ظهور قومه، واسترجاعه منهم.

واشتراه عزيز مصر ورباه

وكان ما كان حتى تولى عليه السلام أمر الخزائن لتميزه بالحفظ، والعقل، وسعة النظر.

1 سورة يوسف آية: 17.

2 سورة يوسف آية: 18.

ص: 197

وتمر الأيام، ويعم القحط أرض كنعان، ويأتي إخوة يوسف ليمتاروا لقومهم من خزائن يوسف:{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} 1.

عرفهم لأنه فارقهم رجالا، وأنكروه لأنهم فارقوه صبيا، وهو الآن عليه أبهة الملك، ورونق الرئاسة، وعنده الخدم والحشم، وأما هم فحالهم لن يتغير.

أعطاهم ما طلبوا، وأمدهم بالطعام والعدة التي يحتاجون إليها في سفرهم، فلما حدثوه بالعبرية، قال لهم: من أنتم؟ وما شأنكم؟ قالوا له: نحن أبناء يعقوب نبي الله، وقد رزقه الله اثني عشر رجلا، هلك واحد منا في البرية وبقي أحد عشر

قال لهم: أنتم عشرة، فأين الحادي عشر؟ قالوا: هو شقيق من هلك لأبيه وأمه، وهو أخ لنا من أبينا، وتركناه مع أبيه ليتسلى به لأنه أحبنا إليه

هنا قال لهم يوسف عليه السلام: ائتوني بأخيكم هذا لأعطيكم ما تطلبون بعد ذلك، فإن لم تأتوني به، فلن أعطيكم شيئا، ولن أسمح لكم بدخول البلاد، فوعده بأنهم سيطلبون ذلك من أبيهم، ويؤكدون له الحاجة الماسة لإحضار أخيهم معهم2.

وأمر يوسف فتيانه بأن يضعوا أثمان الحبوب التي دفعها إخوته في رحالهم، وكانت هذه الأثمان منتجات صناعية كالنعال والثياب وغيرها.

ولما عادوا لأبيهم، وفتحوا متاعهم، وجدوا مع الطعام بضاعتهم التي اشتروا بها، وقد ردت إليهم، دليلا على كرم عزيز مصر، واهتمامه بهم، فعرضوا الأمر على أبيهم، وطلبوا منه أن يرسل أخاهم معهم ليمتاروا، وبخاصة أنهم يتعاملون مع ملك كريم، يعطيهم مجانا، يطعمون قومهم، ويدخرون بضاعتهم، ويزدادون كيل بعير لأخيهم، ويحافظون عليه، وذلك في مدة قصيرة يسيرة3، قال لهم أبوهم

1 سورة يوسف آية: 58.

2 اقرأ الآيات: 59-63 من سورة يوسف.

3 تفسير ابن كثير ج2، ص484.

ص: 198

{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} 1.

أعطوا العهد لأبيهم، فقال لهم حين هموا بالسفر إلى مصر بأخيهم:{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} 2.

وقد أمرهم بذلك حتى لا تصيبهم العين، فنفذوا طلب أبيهم، ودخلوا من عدد من الأبواب، ووصلوا إلى الملك فقرب أخاهم إليه، وعرفه بأنه أخوه يوسف، وعليه أن يصبر ولا يحزن.

وجهزهم بجهازهم، ووضع الصواع في رحل أخيهم سرا، ولما هموا بالرحيل نادى منادي الملك، قال تعالى:{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} 3.

أنكر إخوة يوسف اتهامهم بالسرقة، وردوها عنهم، وقالوا:{مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} 4.

فرد جنود الملك: ما جزاء السارق إذا ثبتت عليه سرقة الصواع؟

1 سورة يوسف آية: 66.

2 سورة يوسف آية: 67.

3 سورة يوسف الآيات: 70-72، والصواع: آلة الكيل من ذهب أو من فضة.

4 سورة يوسف آية: 73.

ص: 199

فرد إخوة يوسف عليه السلام جزاؤه في شريعتنا أن يسترق سنة، وهلموا بالبحث، فمن وجد في رحله الصواع فالرق جزاؤه.

واستمر يوسف في تحقيق غرضه بحيلته تلك، قال تعالى:{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 1.

ومكن الله ليوسف بهذه الحيلة، حيث أجرى عقوبة شريعة يعقوب بإبقاء أخيه سنة كاملة؛ لأن شريعة ملك مصر كانت تقضي بالضرب والغرامة فقط

وهنا قال إخوة يوسف له: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} 2، وأرادوا بأخيه يوسف3، فأسرها يوسف في نفسه ولم يظهر لهم تألمه من مقالتهم.

وحاول إخوة يوسف أن يخففوا عن أبيهم، فاقترحوا على الملك أن يطلق سراح أخيهم، ويأخذ أحدهم مكانه مراعاة لظروف أبيهم الشيخ الكبير، فرفض يوسف لأن ذلك يخالف الشرع والعدل.

وأصر يوسف على الرفض، فأمرهم كبيرهم بأن يرجعوا لأبيهم، ويقصّوا عليه ما حدث، على أن يبقى هو في أرض مصر، حتى يأذن له أبوه بالعودة، أو يقضي الله له4.

1 سورة يوسف آية: 76.

2 سورة يوسف آية: 77

3 قالوا: المراد بسرقة يوسف أن عمته كانت تربيه بعد مولده، وكانت تحبه، فلما جاء أبوه يأخذه وضعت منطق إسحاق في وسطه، وزعمت سرقته، فلما ظهر عند يوسف أبقته عندها سنة كشرع ذلك الزمان، وقيل: إن يوسف سرق صنم عمته، وكسره، ورماه، فبقي عندها سنة.

4 تفسير القرطبي ج9، ص242.

ص: 200

وجاءوا إلى أبيهم يؤكدون له حادثة السرقة، وهم شهود عليها، ومعهم في الشهادة رجال القوافل، وأهل القرية، والكل يؤكد صدق ما قلناه لك.

ومع صدق أبناء يعقوب عليه السلام في حديثهم مع أبيهم هذه المرة، فإنه عليه السلام يرد عليهم قائلا لهم:{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 1.

إنه ما زال يأمل في عودة الغائبين إليه جميعا، وهم: يوسف وأخوه وكبيرهم الذي بقي في مصر.

وأعرض عنهم أبوهم، وتولى بعيدا، أسفا على يوسف، وانقلب سواد عينه بياضا من شدة البكاء، وتنوع الغيظ الذي يكتمه.

فتعجب أبناؤه من ذكره يوسف بعدما طالت الأيام به، وكبر سنه، وأشرف على الموت والهلاك، وواجهوه بهذه المشاعر، قائلين له:{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِين} 2.

رد عليهم يعقوب بأنه يشكو أمره لله، وأمله ورجاؤه كله فيه، وعليهم أن يرجعوا ويبحثوا عن يوسف وأخيه بلا يأس أو قنوط، فرحمة الله واسعة، لا ييئس منها إلا الكافرون، قال تعالى:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} 3.

1 سورة يوسف آية: 83.

2 سورة يوسف آية: 85.

3 سورة يوسف آية: 87.

ص: 201

فلما جاءوا يوسف، دخلوا عليه، وقالوا له:{يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِين} 1.

فرد عليهم يوسف، عليه السلام:{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} 2.

هنا ظهرت لهم الحقيقة، وانكشف المخبوء، وتعجبوا قائلين له:{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} 3.

وهنا عادوا إلى أنفسهم، وتذكروا هذا الماضي البعيد، واعترفوا له بخطئهم، وطلبوا منه العفو والصفح، وقالوا له ما حكاه الله تعالى:{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} 4.

فعفا عنهم، وأحسن إليهم، قال تعالى:{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} 5.

وهكذا

تعارف الإخوة على يوسف وأخيه، وعادوا لأبيهم يحملون له البشرى، ويعرفونه بكل ما حصل معهم.

1 سورة يوسف آية: 88.

2 سورة يوسف آية: 89.

3 سورة يوسف آية: 90.

4 سورة يوسف آية: 91.

5 سورة يوسف آية: 92.

ص: 202