الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح
الركيزة الأولى: طبيعة التمدين
…
"النقطة الثالثة": "ركائز الدعوة في قصة صالح"
تتشابه ركائز الدعوة في قصة صالح عليه السلام مع ما استفيد من قصة هود مع قومه، ولعل ذلك راجع إلى تماثل القبيلتين أرومة، وموطنا، ورقيا، فكلتاهما من العرب العاربة، وسكنوا جزيرة العرب، وهناك تشابه بين حضارتيهما، في الزراعة، والصناعة، والعمران، والسعة.
ولقد ركز صالح على العقيدة كسائر الرسل عليهم السلام وبدأ بها، وكان له منهج في الدعوة يشبه منهج هود إلى حد بعيد؛ ولهذا أكتفي بهذه الإشارة، وأورد بعض الركائز التي لم أتكلم عنها من قبل
…
الركيزة الأولى: طبيعة التمدين
المتحضرون من البشر أصحاب رقي عقلي، وبسبب هذا الرقي يتمكنون من تسخير بعض الآيات الكونية لما يريدون، وبسبب رغد العيش الذي يعيشون فيه يصابون بالترف، ويتفننون في ألوان المتع، ويبدعون في إشباع شهواتهم.
والمتصور أن يفكر أصحاب الحضارة بعقولهم في ألوان حياتهم، وفي النعم التي يتمتعون بها، وينظروا إلى ذلك نظر تأمل وتدبر، ويبحثوا عن حقيقتها، وموجدها، وعن حق هذا الموجد القدير، لكن الواقع يبين أن أهل الحضارات غالبا تبطرهم النعم وتشغلهم ببريقها عن البحث والنظر، ويلعب الشيطان بعقولهم، ويصور لهم أن ما هم فيه بسبب علمهم، وعملهم، وقوتهم، فيسارعون إلى تصديقه، ويمتلئون كبرا وغرورا، ويعيثون في الأرض فسادا، وهذا ما حدث من قبيلة "ثمود".
فكل حضارتهم من عطاء الله، فالماء ينزل عليهم مدرارا، والأرض تنبت الزرع جيدا، والأنعام تتوالد وتكثر، والخيرات حولهم متنوعة، ولم يسألوا أنفسهم: من الذي يقدر على هذا؟ وهل أصنامهم تقدر على شيء من ذلك؟
وهل يمكنهم خلق شيء من هذا؟ ولو أعملوا عقولهم، وسألوا أنفسهم: من أنشأنا؟ من مكننا من الأرض؟ من وجهنا لفعل ما عملنا؟ إنه رب العالمين.
الأسئلة كثيرة تتصل بالنفس، وبالكون، وبسائر المخلوقات.... لو سألوها لأنفسهم، وتدبروا في الإجابة عنها لاقتربوا من الخير والإيمان، ولكن العقل حين يلعب به الهوى، وتسيطر عليه الشهوة، ويوجهه إبليس يصاب بالعمى، ويهنأ بالضلال، وهو نفس ما حدث مع ثمود، يقول الله تعالى:{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} 1، كانوا مستبصرين يمكنهم النظر السليم، والتدبر الواعي، لكن الشيطان زين لهم وأغواهم، فكرههم في الحق، وأبعدهم عن الهداية، وتلك طبيعة أهل الرقي والمدنية، وأصحاب الحضارات، يتصورون أنفسهم الجديرين بقيادة العالم، وينظرون نظرة دونية إلى غيرهم.
وها هي ثمود واحدة منهم:
- تعودت الإسراف بلا عقل.
- أحبوا الرفاهية، واللهو، والعبث بلا خجل.
- تخلقوا بالكبر والغرور والإفساد.
- تخيلوا أنفسهم فوق الناس.
- وثقوا في فكرهم، وعقلهم.
ولما جاءهم صالح لم يستفيدوا منه، وظلوا على ضلالهم وطغيانهم، ولم يستجيبوا للنصح والإرشاد.
وهذه الطبيعة المتأصلة في أهل الحضارة يجب أن تكون معلومة للدعاة.
1 سورة العنكبوت آية: 38.