المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

وقد رأى بعض العلماء أنهما قبيلة واحدة، وأن الأيكة شجرة عبدها مدين، واتخذوها إلها من دون الله تعالى، وأن الله تعالى لم يذكر مع أصحاب الأيكة الأخوة؛ لأنه لا يناسب ذكر الأخوة مع ذكر إلههم "الأيكة".

والذي أراه -والله أعلم- أنهما قبيلتان عربيتان سكنتا شمال الجزيرة العربية، جاءهم شعيب عليه السلام بدعوة الله؛ لأن التطور البشري بدأ يظهر في تجمع الناس على فكر واحد، وبخاصة من تجاور منهم، وقد سبق شعيب عليه السلام بإرسال إسماعيل عليه السلام إلى الجراهمة، والعماليق، وأهل اليمن، وهم قبائل متعددة.

دعا شعيب قومه مدين، وأصحاب الأيكة، ووضح لهم الطريق وحاورهم، وبين لهم، لكنهم استمروا على ضلالهم، فأهلكهم الله تعالى، ونجّى الله تعالى شعيبا والمؤمنين معه.

ص: 162

"‌

‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

"

اختار الله شعيبا عليه السلام للرسالة، وكلفه بدعوة قومه، فأخذ في تنفيذ أمر الله له، ونادى في قومه بما كلف به.

وبالنظر في حركة شعيب عليه السلام وهو يدعو قومه، نراه يسلك منهجا حكيما في توجهه للناس.

فهو -أولا- يعرض قضيته الأساسية، ويدعو قومه إلى التوحيد وعبادة الله تعالى وحده، قائلا لهم ما حكاه الله عنه:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} 1.

1 سورة العنكبوت آية: 36.

ص: 162

وقال لأصحاب الأيكة ما قاله لمدين، قال تعالى:{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} 1.

نراه عليه السلام يقرن بدعوة التوحيد الدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر، من باب ترغيب الناس فيما ينتظرهم، ويذكرهم بالحساب ليستقيم سلوكهم.

ثم أخذ -ثانيا- يقدم الأدلة المؤيدة للدعوة، الشاهدة على أحقية الله بالعبادة وحده، قال لهم ما حكاه الله تعالى:

{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} 2.

{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 3.

يبين لهم عليه السلام أن الله سبحانه وتعالى خلقهم، وخلق الأجيال السابقة جميعا، وقد بارك لهم في كل ما خلق، وزاده كثرة وبركة، وها هي آيات الله تبين لهم صدق دعوته لهم عليه السلام، وعليهم أن يتدبروا في عاقبة الأمم التي سبقتهم ليعتبروا، وحتى لا يحل بهم ما حل بالأمم السابقة.

ثم ينتقل عليه السلام -ثالثا- إلى توجيههم نحو إصلاح معاملاتهم وأخلاقهم بعد فسادها وضلالها؛ ذلك لأن دين الله تعالى لا يفرق بين طهارة القلب، وطهارة السلوك، فلا بد لعباد الله المخلصين أن يطهروا قلوبهم بعقيدة التوحيد، وينظفوا جوارحهم وأخلاقهم بمنهج الله الواحد، وبذلك يستند الوجود كله إلى أصل ثابت هو الإيمان بالله تعالى، والصدق في عبادته، والتوجه إليه.

1 سورة الشعراء آيات: 177-179.

2 سورة الشعراء آية: 184.

3 سورة الأعراف آية: 86.

ص: 163

دعاهم عليه السلام إلى إصلاح المعاملة والأخلاق، فقال لهم ما حكاه الله عنه:

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} 1.

وقد بين لهم عليه السلام ما في سلوكهم من عدوان؛ لخلوّ معاملاتهم من العدل، ولإنقاصهم حقوق الناس، ولنشرهم الفساد في الأرض، وصدهم الناس عن الإيمان، وقطع الطريق على المارَّة، وأمرهم أن يغيروا هذا المسلك السيئ، ويوفوا الناس حقوقهم، كيلا، ووزنا، وعدا، ولا يعتدوا على حقوق الآخرين، ويتركوا الفساد في الأرض، وليس من حقهم ولا يليق بهم أن يجلسوا في الطرقات؛ ليقطعوا سبيل المارة ويبعدوهم عن الحق، واتباع شعيب عليه السلام وقال لهم:{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 2.

وقد نبههم عليه السلام أنهم في غنى عن فعل هذه المظالم، وأنهم لا يحتاجون مالا يأخذونه ظلما من الناس بلا حق، فقال لهم:{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} 3، فهم أغنياء، وما أعطاهم الله يكفيهم وزيادة، وليس لهم حاجة

1 سورة هود الآيات: 84-86.

2 سورة الأعراف آية: 86.

3 سورة هود آية: 84.

ص: 164

في أموال الناس؛ لأنهم لو آمنوا لسلكوا هذا المسلك الطيب من تلقاء أنفسهم، فما يعطيه الله كافٍ، وهو الخير كله.

لكن القوم لم يسمعوا ولم يؤمنوا، واستمروا في جهالتهم وضلالهم، وقاموا بالرد على شعيب ومواجهته بعدة صور:

فمرة يستميلونه بالمدح، قائلين له:{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} 1، ظنا منهم أنه باحث عن مجد شخصي، وراغب في السلطان والتعظيم، لكنه عليه السلام ليس من هذا الطراز، فهو رسول الله؛ ولذلك لم يتأثر بمديحهم.

وأخرى يتهمونه بالكذب في دعوى أنه رسول، وفي قوله: إن الله إله واحد، قائلين، ما حكاه الله تعالى:{وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} 2، فكذبوه في رسالته؛ لتصورهم أن الرسالة لا تكون لبشر؛ ولذلك عدوه واحدا من الكاذبين الذين يدعون الرسالة بين الحين والحين، فوضعوا أنفسهم في موطن الحكم على رسالة الرسول بلا بينة أو برهان، وذلك من ضلالهم، وعدوانهم.

ومرة يتهمونه بأنه مسحور، قائلين له:{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} 3، ولم يبينوا له من سحره؟ ولم يذكروا دلالة السحر في دعوته لهم، وهل المسحور يعرض قضية تتصل بالعقيدة والشريعة والأخلاق بهذه الصورة التي عرضها لهم؟

إن كل الدلائل تشير إلى كذب القوم، وضلالهم في هذه الدعوة.

ومرة يتصورونه جاهلا يمنعهم من حرية التصرف، فيقولون متهكمين كما قال تعالى:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} 4، فهم بقولهم هذا يهزءون

1 سورة هود آية: 87.

ص: 165

بالصلاة وكأنها هي التي أضلت شعيبا، فجعلته ينادي بمخالفة الآباء، ويمنع حرية التصرف الاقتصادي، ويهزءون بشعيب؛ لأنه يأخذ دينه وصلاته من خياله لا من ربه، ويزعمون أن دعوته ليست نابعة عن اقتناع منه لتميزه بالرشد والحلم، والحليم الرشيد لا يقول مثل قوله

وهذا من ضلال القوم وجهلهم؛ لأن من مقتضيات العقيدة الصحيحة اتباع المنهج الإلهي الصحيح في الشريعة، والأخلاق، أما الزعم بانفصال العقيدة عن أمور الحياة، ونظام الوجود، وألوان الأخلاق فهو باطل في دين الله تعالى.

وبعد كل هذه الاتهامات الضالة، انتقل القوم إلى التهديد، فلقد حكى الله عنهم ما قالوه له، قال الله تعالى:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} 1، وقال تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} 2.

فهو عليه السلام في نظرهم ضعيف، أتباعه قليلون، ولولا عصبته وقرابته لرجموه، وها هم يعلنون له عزمهم على طرده من البلاد، وإبعاده عن إفساد العباد، هو ومن معه، إن لم ينته ويترك دعوته ويعد إلى ملتهم مكرها، لكنه عليه السلام وضح لهم أنه لن يعود أبدا إلى ملتهم وضلالهم، بعد أن أنقذه الله تعالى، وآتاه رحمة من عنده، ورزقه رزقا طيبا، كما وضح لهم أنه يدعوهم إلى الحق الذي يؤمن به، ويثق فيه، ولا يصح لأصحاب الحق أن يخالفوا ما يدعون إليه؛ لأن مخالفة الحق كذب وافتراء على الله، لا يرتكبه الرسل والدعاة أبدا؛ ولذلك قال لهم عليه السلام

1 سورة هود آية: 91.

2 سورة الأعراف آية: 188.

ص: 166

ما حكاه الله تعالى: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} 1.

يئس القوم من شعيب بعد تهديده؛ ولذلك لجئوا إلى قومه لإبعادهم عن شعيب، يقول الله تعالى:{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} 2.

قابلهم شعيب بأخلاق النبوة والدعوة، وبين لهم عدة أمور:

1-

فهو عليه السلام رسول الله إليهم، يدعوهم إلى الحق، وينصحهم بكل ما يحقق لهم الخير، بلا أجر يأخذه منهم، فليس له حاجة ليكذب عليهم، وعلى الله، قال لهم:{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3، وقال تعالى:{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} 4.

2-

وبين لهم أن الله عليم بأحوالهم وأقوالهم، وسيحاسبهم على انحرافهم هذا، قال لهم:{إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 6.

3-

ونصحهم حتى لا تكون عداوتهم له سببا في عدم الإيمان، وترك التفكير، وإهمال النظر، وعليهم أن يفكروا في الدعوة من كل نواحيها؛ في حقيقتها، وفائدتها، ومصير من يخالفها، معتبرين في ذلك بالأمم التي سبقتهم، قال تعالى

1 سورة الأعراف آية: 89.

2 سورة الأعراف آية: 90.

3 سورة الشعراء آية: 180.

4 سورة الشعراء آية: 178.

5 سورة هود آية: 92.

6 سورة الأعراف آية: 86.

ص: 167

{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} 1، لكنهم لم يتأثروا بهذا التخويف، ولم يعتبروا بمصارع السابقين المعروفين لهم.

4-

عاتبهم في استخفافهم بحق خالقهم، وخوَّفهم من عبادة غير الله تعالى، قال لهم ما حكاه الله تعالى:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} 2.

5-

أكد لهم عليه السلام تمسكه بالعبودية الخالصة لله، والإقرار المطلق بحقه سبحانه وتعالى؛ ولذلك فهو مستمر في دعوته، غير آبه بمعارضتهم، واثق بنصر الله وعونه، يسير بأمر الله ما دام في الحياة، قال لهم ما حكاه الله تعالى:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} 3.

وأخيرا كانت المفاصلة الواضحة، حيث ظهر المؤمنون بإيمانهم، وتمسك المعارضون بكفرهم، وانقسم القوم إلى فريقين؛ قال فريق: الكفر لشعيب، ما حكاه الله تعالى:{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 4.

ورد عليهم شعيب عليه السلام بقوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي

1 سورة هود آية: 89.

3 سورة هود آية: 92.

3 سورة هود آية: 88.

4 سورة الشعراء آية: 187.

ص: 168

عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} 1، قال تعالى:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} 2.

لقد أعلن لهم أنه نصحهم بصدق وأمانة، لكنهم قابلوا الدعوة بالجحود، والكفر.. وعليهم أن يترقبوا مصيرهم حين ينزل بهم العذاب، ولن يتألم أو يتأسف على هلاكهم؛ لأن ما سينزل بهم هو قضاء الله العادل في الكافرين.

وكانت النهاية مفجعة

نجى الله شعيبا والذين آمنوا معه، يقول تعالى:{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} 3.

أما الضالون المكذبون، فقد نزل بهم العذاب في صور عديدة فأهلكهم جميعا، يقول تعالى:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} 4.

وقال تعالى: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} 5.

وقال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} 6.

1 سورة هود آية: 93.

2 سورة الأعراف آية: 93.

3 سورة هود آية: 94.

4 سورة الأعراف آية: 91.

5 سورة هود آية: 94.

6 سورة الشعراء آية: 189.

ص: 169