المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

دعا إبراهيم عليه السلام قومه إلى الله؛ ليضع الدين في موضعه، وحاول أن يقود الناس إلى الله بمنهج الله؛ ليستقيم أمر الحياة، ويتحقق التوازن الطبيعي للأمور، في إخضاع المخلوق للخالق، وصرف النعمة في طلب المنعم، وليستمر العبد الضعيف في إمرة سيده العظيم، صاحب الفضل العميم.

وكان ما كان مع إبراهيم عليه السلام وهو ما سنؤرخ له في النقاط التالية.

ص: 107

"‌

‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

"

إبراهيم عليه السلام رسول الله، أحد أولي العزم، وُلد "بكوثى"1 التابعة لـ "بابل"، ووالده هو "آزر" كان يعمل نجارا، يصنع الأصنام، وينحت التماثيل، يعبدها، ويتاجر فيها، وكان لقومه الكلدانيين حضارة ومدنية. عرفوا نظام الملك، وحكمهم ملك اشتهر بالظلم والجبروت، ادعى الألوهية، وقال للناس: أنا إلهكم أحيي وأميت، فأطاعه الناس، وألّهوه مع أصنامهم وأوثانهم، هذا الملك هو "النمرود بن كنعان".

وقد رزق الله إبراهيم الرشد، والعقل السليم منذ بلوغه؛ ولذلك لم يشارك أباه وقومه في ضلالهم وإفكهم، وكان يناقشهم في أصنامهم، ويبين لهم أنها لا تضر، ولا تنفع، ولا تسمع، ولا تبصر ويتساءل معهم متعجبا: كيف تكون هذه آلهة تعبد؟

فلما بلغ أربعين سنة، وصار قادرا على المواجهة، متمكنا من الدعوة والإرشاد، كلفه الله بتبليغ الرسالة، ودعوة قومه إلى التوحيد، ونبذ الآلهة التي يعبدونها من دون الله.

1 بالضم ثم بالسكون، ومثلثة، وألف مقصورة: موضع بسواد العراق من أرض بابل "معجم البلدان ج4، ص487".

ص: 107

دعا إبراهيم عليه السلام الأقرب إليه، والأهم للدعوة؛ ولذلك نراه يدعو أباه، و"النمرود بن كنعان" كما دعا عامة الناس، وكان لكل من هؤلاء معه أحداث وأحاديث.

أخذ إبراهيم عليه السلام في تغيير وسائله في دعوة قومه، حتى وصل إلى تكسير أصنامهم قطعا صغيرة، وترك الصنم الكبير بعدما وضع المعول في رأسه، وسأله قومه، وحاكموه، وأصدروا حكما بتحريقه في النار، وأعدوا له عدة، ولكن الله أخزاهم بأن جعل النار عليه بردا وسلاما، ونجاه الله من التحريق.

بعدما تيقن إبراهيم عليه السلام عدم إيمان قومه هاجر إلى حيث أمره الله تعالى، واصطحب معه زوجته سارة، وابن أخيه لوطا، وأباه تارح، وسار بركبه حتى نزل ببلاد الشام، وأقام بـ "حران" التابعة للكنعانيين، ونزل قحط ببلاد الشلام، فخرج إبراهيم منها ومعه سارة، وذهبوا إلى مصر، وحاول ملك مصر الاعتداء على سارة لحسنها وجمالها، إلا أن الله حفظها منه وجعله يهبها هاجر، ويروي البخاري بسنده عن أبي هريرة "أن إبراهيم عليه السلام لما نزل بمصر، وكان فيها جبار من الجبابرة، فقيل له: ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إلى إبراهيم وسأله عنها وقال: من هي؟ قال إبراهيم: هي أختي، وأتى إبراهيم سارة، وقال لها: ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبريه أنك أختي، فأرسل إليهما، فلما دخلت عليه، ذهب يتناولها بيده فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، وتكرر منه ذلك، وفي الثالثة دعا بعض حجابه وقال له: إنك لم تأتني بإنسان وإنما أتيتني بشيطان، وأخدمها هاجر، فأتت إبراهيم وهو قائم يصلي

فأومأ بيده: مهيم؟ قالت: رد الله كيد الكافر في نحره، قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء"1.

1 صحيح البخاري بشرح فتح الباري ج6، ص388، كتاب الأنبياء، ومهيم معناها: ما الخبر؟

ص: 108

عاد إبراهيم بزوجته وجاريتها هاجر إلى الشام، ونزل قريبا من مكان بيت المقدس، وكانت سارة عقيما؛ ولذا وهبت جاريتها هاجر لإبراهيم لتلد له، فلما حملت وولدت إسماعيل تألمت سارة وغارت منها، وطلبت من إبراهيم أن يسكنها وولدها بعيدا عنها، فأخذ إبراهيم هاجر وولدها إسماعيل، وتركهما في مكان صحراوي لا شيء فيه، حدده الله له، وهو المكان الذي نشأت فيه مكة بعد ذلك.

وإبراهيم عليه السلام يعرف بـ "أبي الأنبياء"؛ لأن الله تعالى جعل في ذريته النبوة والكتاب، إذ انحصر النور في ذريته، وانقسم إلى قسمين: قسم ذهب إلى هاجر فولدت ابنه إسماعيل عليه السلام ومنه تناسل العرب، ومن ولد إسماعيل جاء خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان صلى الله عليه وسلم أشبه الخلق بجده إبراهيم عليه السلام يقول صلى الله عليه وسلم:"رأيت ليلة أُسري بي أبي إبراهيم، وأنا أشبه ولده به"1.

والقسم الثاني ذهب إلى سارة، فولدت إسحاق عليه السلام ومن إسحاق ولد يعقوب عليه السلام وهو "إسرائيل" وذريته هم بنو إسرائيل، ومنهم كان أنبياء بني إسرائيل جميعا.

وهكذا انحصرت النبوة في ذرية إبراهيم، عليه السلام

ونظرا لفضل إبراهيم عليه السلام ادعى كل قوم جاءوا بعده، أنهم على ملته، وأنهم أولى الناس به، يروي ابن عباس أنه:"اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران وعدد من أحبار اليهود، فتنازعوا في إبراهيم، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، ونحن أولى الناس به، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، ونحن أولى الناس به، فأنزل الله قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} 2".

1 صحيح البخاري بشرح فتح الباري ج6 ص428، باب:{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} .

2 سورة آل عمران آية: 65.

ص: 109

وبذلك ينكر الله على اليهود والنصارى قولهم: إن إبراهيم منهم ولهم، وعرفهم أن رسولهم جاء بعده، وكتابهم نزل بعده، فمن أين لهم أن يجعلوه منهم؟!

وبين لهم الحقيقة بوضوح، فقال سبحانه:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1.

إن إبرهيم عليه السلام كان حنيفا مسلما، بريئا من الشرك والشركاء، وأولى الناس به الذين اتبعوه في دينه وإسلامه، وأولهم محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه، قال تعالى:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} 2.

والإسرائيليون الآن يدَّعون ملكية فلسطين، وبيت المقدس بدعوى أنهم ورثوها عن إبراهيم عليه السلام وهذه مزاعم مردودة، فإبراهيم عليه السلام جد للعرب، كما هو جد للإسرائيليين، وقد نزل في الشام ضيفا على العرب أصحاب هذه البلاد، فهم أولى بها.

وقد اختبر الله إبراهيم عليه السلام ببعض التكاليف فقام بها، وأتمها، وظهرت جدارته بما اختصه الله به، وقد شهد له الحق سبحانه وتعالى وزكاه، وأثنى عليه في آيات كثيرة، قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} 3، وقال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} 4، وقال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} 5، وقال تعالى:{سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} 6.

1 سورة آل عمران آية: 67.

2 سورة آل عمران آية: 68.

3 سورة الأنبياء آية: 51.

4 سورة مريم آية: 41.

5 سورة هود آية: 75.

6 سورة الصافات آية: 109.

ص: 110

وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} 1، وقال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 2.

وإبراهيم عليه السلام أسوة حسنة في كل مجال، وبخاصة في الطاعة والانقياد؛ لأنه عليه السلام لما رُزق بإسماعيل من هاجر تعلق قلبه به فغارت سارة، وطلبت أن يسكن هاجر وولدها بعيدا عنها، فاستجاب لطلبها، وكلفه الله تعالى أن يضعهما في مكان صحراوي، حدده له، هو مكان البيت الحرام بمكة، فذهب بهما إليه راضيا بأمر الله وترك لهما بعض الماء والسقاء، وقفل راجعا من حيث أتى، فتعلقت هاجر بثيابه وقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال لها: نعم

فقالت: إذًا لا يضيعنا.

ترك إبراهيم ولده البكر في مكان قفر، ورجع إلى الشام مطيعا لأمر الله، راضيا بقضائه فيه، يروي البخاري بسنده أن إبراهيم بعدما انطلق وقف عند الثنية حيث لا يرونه، واستقبل بوجهه البيت، ورفع يده وقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} 3.

واستجاب الله دعاءه، إذ بعدما نفد الماء والطعام الذي تركه إبراهيم، جعل الغلام يتلوى، فانطلقت أمه تبحث عن الماء، أو عن منقذ لهما، وحتى لا ترى وليدها يتألم، صعدت على الصفا أقرب جبل إليها، ونظرت في الوادي خلفه فلم تجد شيئا، فجرت إلى المروة فلم تجد شيئا، فرجعت إلى الصفا ثم إلى المروة هكذا سبع مرات، ثم نظرت إلى وليدها، فإذا بالملك عنده يبحث بجناحه حتى ظهر ماء زمزم، فعادت إليه، وشربت، وسقت وليدها

4.

1 سورة النجم آية: 37.

2 سورة النحل آية: 120.

3 سورة إبراهيم آية: 37.

4 البداية والنهاية ج1، ص155.

ص: 111

وأخذ الطير يتجمع فوق المكان، فعلم قوم من قبيلة جرهم العربية أن به ماء، فاستأذنوا من هاجر في الإقامة، فأذنت لهم، وأنست بهم، وبدأت الحياة تدب في المكان، وتزوج إسماعيل عليه السلام امرأة من الجراهمة، وتعلم العربية، ومنه تناسل العرب بعد ذلك، فهم العرب المستعربة1.

وارتبطت قلوب الناس بمكة، ورغب الكثير في الإقامة بها، ورزق الله أهلها من كل الثمرات والخيرات.

وطاعة إبراهيم عليه السلام لله واضحة؛ لأنه لما أمره الله بترك ولده الوحيد في صحراء جرداء لم يتردد، وأسرع بالطاعة والتسليم، واكتفى بالدعاء له، واثقا بالله تعالى.

ومن صور الطاعة والانقياد عند إبراهيم عليه السلام أن ولده إسماعيل هذا لما شب {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} وصار قادرا على العمل في المعاش، وطلب الرزق، كلف الله إبراهيم بأمر جديد هو ذبح ولده إسماعيل، وهو وحيده الذي ليس له غيره، أجاب، وامتثل، وأطاع ربه، وعرض الأمر على إسماعيل تطييبا لقلبه، وتهوينا عليه، فوافقه إسماعيل محتسبا، صابرا

يصور القرآن الكريم حوار إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ويبين استسلامهما معا لأمر الله، قال تعالى:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} 2.

قمة عالية من الإيمان، وطاعة مطلقة لله، ونكران للذات في مقام العبودية لله، أب يذبح ولده بيده، وولد يستسلم لأبيه؛ تنفيذا لأمر الله، إنها الطاعة والانقياد.

ونجح إبراهيم عليه السلام في امتحان الله، وفدى الله تعالى إسماعيل بكبش عظيم

1 الكامل ج1، ص103، 104.

2 سورة الصافات آية: 102.

ص: 112

يقول تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} 1.

أي: عندما استسلم إسماعيل للذبح وتشهد، وكبر إبراهيم عند مرور السكين على رقبته، جاء أمر الله بنجاة إسماعيل. يقول السدي وغيره: أمر الله السكين أن لا تقطع شيئا، فصارت كالإسفنج يمر على البدن.

ونادى الله إبراهيم أن قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك بصورة بينة ظاهرة، ورأى إبراهيم أمامه كبشا أبيض، أعين، أقرن، أرسله الله تعالى إليه مع ملائكته ليذبحه، ويفدي به ولده المطيع إسماعيل.

ذبح إبراهيم عليه السلام الكبش، وضحى به تنفيذا لأمر الله تعالى، وافتدى بذلك ولده الوحيد، البكر "إسماعيل" الذي عُرف بـ "الذبيح"2.

1 سورة الصافات الآيات: 103-107.

2 البداية والنهاية ج1، ص156، يذهب بنو إسرائيل إلى أن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل، وهو رأي مردود؛ لأن الذبيح هو إسماعيل لما يلي:

أ- بعد أن ذكر القرآن قصة الذبح، قال الله تعالى:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} ، فالتبشير بإسحاق كان بعد قصة ذبح إسماعيل.

ب- في البشارة بإسحاق قال الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ، فالتبشير بيعقوب ينفي أن يكون الذبيح إسحاق؛ لأنه سيكون أبا ليعقوب، وإلا فلا معنى للبشرى.

ج- جاء في التوراة: أن الله أمر إبراهيم بذبح وحيده وبكره إسحاق، والوحيد والبكر هو إسماعيل، ووضع كلمة إسحاق من تحريف المحرفين، وهي متناقضة مع بداية الجملة.

ص: 113

وشاء الله تعالى أن يبنى مسجد في الأرض، على أساس المسجد الحرام الذي بنته الملائكة أول مرة، فعرف إبراهيم بمكانه، وأمره أن يشيده فيه، بمساعدة ولده إسماعيل، فذهب إبراهيم إلى مكان البيت الذي أظهره الله له فوق أكمة مرتفعة، بجوار زمزم وأخذ في البناء، يقول الله تعالى:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} 1، وقال تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} 2، وقال تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 3.

فكان إبراهيم عليه السلام يبني البيت، وإسماعيل يأتيه بالحجارة، ولما ارتفع البناء، وضع إسماعيل حجرا ليقف عليه إبراهيم عليه السلام فغاصت قدمه فيه، وكان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة إلى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخره رضي الله عنه عن البيت قليلا؛ لئلا يشغل الطائفون المصلين عنده، ووضعه حيث مكانه الآن.

إن المسلمين الصادقين، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بإبراهيم؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم دعا إلى ما دعا إليه إبراهيم، عليه السلام.

وقد جعل الله تعالى الحج فريضة إسلامية؛ ليعيش المسلمون ذكريات إبراهيم، وإسماعيل، وهاجر، وهم يعبدون الله ليقتادوا بهم في الطاعة والانقياد.

كما أن المسلمين في كل مكان يتجهون إلى البيت الحرام في صلواتهم كل يوم إيمانا بالله، وارتباطا بهذه الذكريات.

1 سورة الحج آية: 26.

2 سورة البقرة آية: 125.

3 سورة البقرة آية: 127.

ص: 114

ولحكمة أرادها الله تعالى، أقام إبراهيم البيت على أسسه الأولى؛ ليكون للمسلمين بعد ذلك حرما آمنا، وبيتا يطيعون الله فيه، وكان من الممكن أن يكلف إبراهيم عليه السلام ببناء بيت المقدس أو ببناء غيره

لكنها حكمة الله وإرادته.

وقد عاش إبراهيم عليه السلام مع سارة في "حبرون"، وهي مدينة الخليل الحالية، يذكر ياقوت الحموي أن إبراهيم عليه السلام لما ماتت زوجته "سارة" اشترى موضعا لقبرها، ودفنها فيه، فلما مات عليه السلام دفن في نفس القبر1.

رحم الله أبا الأنبياء إبراهيم، ووفق المسلمين لحسن التأسي والاتباع.

1 معجم البلدان ج2، ص212.

ص: 115