الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس صحيحا ما ذهب إليه "دارون" من أن الإنسان لم يخلق إنسانا أول مرة، وإنما تطو ر إلى الصورة التي هو فيها الآن، وأسباب عدم صحته عديدة، وأهمها:
1-
الثابت دينيا في كل الدعوات الإلهية أن أول البشر آدم عليه السلام، وأنه بعث بالرسالة، وكلف بدعوة بنيه، ومن بعده جاء الرسل جميعا إلى هذا الإنسان.
2-
لم يشاهد أحد من الناس، الانتقال من جنس إلى جنس، ولم يرو أحد ولو من أصحاب نظرية التطور، أنه شاهد حشرة، أو ذبابة، أو حمارا، أو كلبا، أو قردا، صار إنسانا، وانعدام المشاهدة الواقعية يجعل فكرة التطور الدروينية فكرة خيالية بحته لا صلة لها بعالم الحقيقة.
3-
يستدل الدروينيون بالتطور في الجنس الواحد على التطور بين الأجناس، وزعموا أن الوجود كل نشأ على أساس مذهب التطور.... ومع كل ما قالوه اعترفوا بعجزهم عن معرفة خالق الحياة في الخلية الأولى التي هي سبب الحياة، وهذا الاعتراف ينفي مذهبهم كله، ويؤكد أن الإنسان خلق متفردا في تكوينه وخصائصه، وملكاته، يقول تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} 1.
1 سورة الإسراء آية "70".
2-
الإنسان مخلوق له دين:
من الحقائق الثابتة أن الإنسان بدأ متدينا منذ اللحظة الأولى، فلقد نزل الوحي على آدم عليه السلام قبل أن يوجد بنوه، وحين أهبط الله آدم إلى الأرض قال له:{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1.
1 سورة البقرة الآيات "38، 39".
والآيات واضحة في دلالتها على تدين الإنسان لله رب العالمين، فلقد أهبط الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام من الجنة إلى الأرض، وأسكن معهما إبليس وذريته، وأنزل على آدم الهدي الإلهي، الذي يصلح به الناس، فمن اتبعه فاز ونجا، ومن خالفه خسر الدنيا والآخرة، وعرف الإنسان منذ بداية البشرية كيف ينتصر إذا أراد الانتصار وكيف ينهزم إذا اختار لنفسه الهزيمة.
وانطوت الفطرة البشرية على ضرورة الخضوع لله رب العالمين، وعند غياب الدين الصحيح، رأينا الإنسان يتخذ لنفسه دينا، يعبد فيه إلها مصنوعا من الحجر، أو الشجر، على صورة إنسان، أو حيوان، ورأيناه كذلك يتقرب لهذه الآلهة المزعومة بالعطايا، والقربات ويطلب منها، ويلجأ إليها، ويستغيث بها عند الحاجة.
إن الإنسان هو المخلوق الوحيد، المسئول عن دين الله في الأرض، ولذا جعله الله خليفته، وبعث إليه رسله عليهم السلام، لتبليغ الدين الحق كلما اختفت تعاليمه، أو حرفها المحرفون من أعداء الله.
وقد استمرت البشرية بعد آدم عليه السلام على الدين الحق، مدة عشرة قرون، وبعدها ظهرت الأصنام، وصار لها كهنة يدعون لها، ويروجون لعبادتها، ورأى جبابرة الأرض أن وضع دين للناس يهيئ لهم السيطرة، والتحكم، هو الطريق الأكثر فائدة لما يريدون، ولذلك اتخذوها آلهة من دون الله، وألهوا أنفسهم، واستعبدوا الناس، واستكبروا في الأرض، وعملوا على القضاء على أي دعوة إلهية ينادي بها رسول من قبل الله في الناس.
ولأن الإنسان مخلوق لله، والدين منزل من عند الله، وجدنا التوافق التام بين الإنسان السوي، والدين الحق، فكلاهما خلق الله، وكل منهما يلتقي مع الآخر، في توافق، وتناغم، وانسجام.
إن الله خلق الإنسان مكونا من جسد وعقل، ووجدان، وأنزل الدين مشتملا على عقيدة، وشريعة، وأخلاق، ليشبع الإنسان كافة جوانبه، ويتمكن من القيام بواجبه الذي خلق له، في توافق وتوازن، وانسجام فلا يطغى جانب على غيره، ولا يشبع عنصرا دون سواه.
فليس من الدين مادية مفرطة تشبع الجسد، وتهمل الروح، وتعلي شأن اللذة الدنيوية، وتتفنن في الاستجابة للشهوات والغرائز، مع نسيان العقل والوجدان.
وليس من الدين رهبانية جانحة، تعزل الإنسان عن الحياة، وتضعف الجسد، وتهمل العقل، وتغرق الإنسان في همهمات، وشطحات، مهما تعدد مسماها.
وليس من الدين اعتماد مطلق على العقل، يرضى بالفلسفة، ويغتر بالتقدم الفكري، وينسى ما عداه.
إنما الدين وحي من الله تعالى، جاء به الرسل للناس بمنهج كامل، يتعامل مع الجسد، والعقل، والوجدان، بصورة متوازنة.
إن الدين الحق ينظم للإنسان كاف جوانب حياته، وجميع ألوان نشاطه، وبذلك يعيش الإنسان لله إنسانا سويا، لا تتمزق شخصيته، ولا تتبعثر أنشطته ولا يدركه القلق، أو الاضطراب أو التضارب.
والإنسان حين يعيش بالدين الحق يجد نفسه أمام نظام رباني، ينسق له ألوان نشاطه، ويشرع له في كل أمور الدنيا، ويهيئه ليسعد في الآخرة.
إن وحدة المنهج يحقق وحدة الشخصية، دون أن يجور جانب على جانب، أو يضيق مجال الحركة، أو يمزق الإنسان بين عدد من المناهج البشرية بما فيها من عجز، وتضارب، وقصور.
إن رسالات الله، ودعوات رسله إلى الناس، حاولت أن توضح الحقيقة الدينية أمام الإنسان، حماية لفطرته، وإزالة للغبش الذي وضعه أهل البغي، والضلال في الأرض.
وقد بدأت المعركة الدينية منذ آدم عليه السلام وتحددت كافة القوى، فهناك قوى الخير التي تبلغ هدى الله للناس، وتعمل على انتشاره في العالمين، ورسل الله عليهم السلام هم طلائع قوى الخير، وقد رأيناهم دعاة، عاملين، مجاهدين، يبلغون دين الله تعالى كما جاءهم من عند خالقهم، متحملين في سبيل ذلك، العنت والأذى، والتهم، والعدوان.... وأدوا ما كلفهم الله به بصورة تامة كاملة، ومع الأنبياء نجد المؤمنين الصالحين، الذين اكتشفوا حقيقة أنفسهم، فعبدوها لله، وأخذوا في الطاعة، والالتزام، ونشر الهداية في الآخرين.
وهناك قوى الشر، وعلى رأسها إبليس الذي طرده الله من الجنة، وأنظره إلى يوم الدين، وكثرت ذرية إبليس، وتمكنوا من ضم قوى عديدة للعمل معهم.
ومن هذه القوى النفس الأمارة بالسوء، والشهوات والنزعات، والهوى بما لها من تأثير في الإنسان طاهرا، وباطنا....
ومن هذه القوى جبابرة الناس، وفساقهم، الذين يرون في الحق والعدل تعارضا مع توجهاتهم، وآمالهم.
ومن هذه القوى كل من يحب لنفسه أن يتصف بشيء من صفات العظمة والتأليه.
ومن رحمة الله بالناس أن وضح لهم مختلف القوى، ليختار الإنسان لنفسه ما يريد، وليعلم نهاية الطريق الذي اختاره لنفسه، يقول تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} 1.
1 سورة طه الآيات "123، 124".