الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قطعتها الملائكة مشيا حتى أتوا لوطا عليه السلام.
فلوط وإبراهيم عليهما السلام بعثا في وقت واحد، وكان إبراهيم يتتبع أخبار لوط ويتمنى له النجاح والفوز؛ ولذا حينما أخبرته الملائكة بإهلاك أهل "سدوم" خاف على لوط، ونبه الملائكة إلى وجود لوط في القرية، فطمأنوه، وقالوا له ما حكاه الله تعالى في قوله سبحانه:{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} 1.
هذا التواصل والتناصر يجب أن يكون أساس التعامل بين دعاة اليوم؛ ليستفيد كل بما عند أخيه من تجربة، وعلم، وخبرة؛ لأن نجاح الواحد نجاح للآخر.
ولا يصح مطلقا أن يكون التنافس، والتضارب موجودا بين الدعاة
…
إن جميع الدعاة يخدمون دينهم، ولن ينجحوا في أداء مهمتهم إلا بالحب والتعاون والموالاة.
1 سورة العنكبوت آية: 32.
الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:
من دعوة لوط عليه السلام نرى أعداء الحق، وجرأتهم على الباطل، والتبجح به، وفقدانهم كل ألوان الحياء في الأقوال والأفعال، حيث نراهم يوجهون الاتهامات المخترعة للوط، ويصورون المزايا سوءا، ويقلبون العفة والطهر إلى خطأ وعدوان.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَاّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} 1، فجعلوا الطهارة جريمة، ونظروا إلى العفة كأنها عامل من عوامل التخلف، والإضرار بالمجتمع؛ ولذلك حذروا لوطا من دعوته للطهارة والعفة، وإلا طردوه من "سدوم" وأخرجوه منها، قال تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ
1 سورة الأعراف آية: 82.
يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} 1، واتهموا لوطا عليه السلام بأنه يفسد الناس، وينشر بينهم السوء بدعوته، وتساءلوا منكرين:{قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} 2، أنكروا عليه اتصاله بالناس بعدما نهوه عن ذلك، مع أنه يتصل بهم داعيا إلى الخير، هاديا إلى الصراط المستقيم
…
وبلغ من وقاحتهم وجرأتهم، أنهم كانوا يأتون المنكر علانية، بلا حياء، ولما علموا بقدوم ضيوف لوط، أتوه مسرعين؛ لينالوا بغيتهم، قائلين للوط بعدما عرض الزواج ببناته، قال تعالى:{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} 3، وكأن الشذوذ صار حقا معروفا لهم، وعليه أن يسلم به، ولا يعارضهم.
إن أعداء الدعوة اتهموا لوطا عليه السلام سَفَها منهم، بما يلي:
1-
ملازمته للطهر والعفة، ودعوته إلى التمسك بهما، جريمة منكرة.
2-
دعوة لوط الناس إلى التوحيد وعبادة الله، دعوة إلى الفساد، والفرقة.
3-
اتصال لوط بالناس، وتحريضهم على نبذ الأصنام، وترك المنكرات، يعد إساءة للنظام.
هذا هو منطق أعداء الدعوة، يلبسون الباطل ثوب الحق، ويعتمدون على سلطانهم وبطشهم، وما دروا أن الله منفذ وعده وهو على كل شيء قدير.
وعلى الدعاة أن يتمسكوا بقضيتهم، ويدعوا إليها، بخلق، ولين، ويتحملوا كل هذه السفاهات بصبر، وعزيمة، وقد واجه لوط عليه السلام تهديد قومه له وللمؤمنين، وبين لهم أن الباطل لن يكون حقا أبدا، والجريمة هي الجريمة، والشذوذ مرفوض بالشرع والعقل، ولذلك هو يرفضه، ويدعو قومه إلى البعد عنه، كما قال تعالى:{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ، رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} 4.
1 سورة الشعراء آية: 176.
2 سورة الحجر آية: 70.
3 سورة هود آية: 79.
4 سورة الشعراء الآيات: 168، 169.