الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون، وهو ابن عم فرعون، لما علم بما قرره الملأ بحث عن موسى، جاءه من مكان بعيد مسرعا، وأخبره بأن الملأ يبحثون عنه لقتله جزاء على قتله القبطي، ونصحه بترك المدينة، والخروج من مصر بالكلية، حتى لا يقع في أيدي الناس.
واستمع موسى لنصح الرجل، وخرج من المدينة إلى جهة المشرق، قاصدا بلاد مدين؛ لما يسمعه عن أهلها من الخير والفضل.
1 سورة القصص الآيات: 20، 21.
رابعا: موسى عند مدين
خرج موسى عليه السلام من المدينة خائفا يترقب، ولم يكن يعرف الوجهة التي يقصدها، ولذلك دعا ربه لينجيه من فرعون وملئه، ويهديه إلى الصراط المستقيم، ويوفقه لما فيه الخير والفلاح
…
يقول الله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} 1، ومدين: اسم مدينة على بحر القلزم "الأحمر" تقع تجاه تبوك بين وادي القرى والشام، وسميت القبيلة باسم المدينة2، وقيل: بل هو اسم قبيلة سكنت هذا المكان، ومنه قوله تعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} وليس هو شعيبا الذي وجد في زمن موسى عليه السلام.
1 سورة القصص آية: 22.
2 معجم البلدان ج5 ص77.
وأرى رجحان هذا الرأي؛ لأن شعيبا الرسول عليه السلام جاء بعد لوط عليه السلام لقوله تعالى: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} ، ولوط عليه السلام كان معاصرا لإبراهيم عليه السلام أما موسى عليه السلام فقد جاء بعد أبناء أبناء يوسف، فبينه وبين إبراهيم خمسة آباء على الأقل هم:"يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" عليهم السلام، وعلى ذلك فشعيب صاحب موسى ليس هو شعيبا الرسول1، والله أعلم
…
توجه موسى ناحية مدين، وجدّ في السير حتى وصل إلى منطقة فيها بئر ماء، فتوقف عندها ليستريح من هذا السفر الشاق، الطويل، وجلس تحت شجرة، ينظر للناس ويشاهد أحوالهم، فإذا هم عدد من رعاة الغنم والماشية، جاءوا بقطعانهم لتشرب الماء الذي تريد، ورأى فتاتين تقفان بعيدا عن البئر، وتمنعان غنمهما من الاقتراب نحو الماء، أو نحو أغنام الآخرين
…
ولاحظ موسى أن الرجال يسقون غنمهم الماء صافيا، وما بقي من ماء البئر فهو لغنم الفتاتين
…
ولاحظ أيضا أن البنات تتأخر في العودة؛ لأنهما تذودان غنمهما عن الماء؛ انتظارا لانتهاء الشباب من السقي.
لاحظ موسى ذلك فسأل البنتين: ما خطبكما؟ وما هي الأسباب التي تدفعكما إلى التأخير؟؟
قالتا: لا نستقي أولا حتى لا نزاحم الرجال لضعفنا، وأبونا شيخ كبير، لا يمكنه أن يحضر معنا، وليس لنا أخ يأتي معنا، فأشفق موسى عليهما، وزاحم الرعاة، وغلبهم على الماء، وسقى للمرأتين غنمهما، فعادا مبكرتين إلى أبيهما، وأخذتا تحدثانه عن شهامة موسى ورجولته وقوته، وأنه شخص غريب عن مدين وربما يحتاج لعمل وإقامة.
1 تفسير أبي السعود ج5 ص9.
تحدث شعيب مع ابنتيه، وموسى جالس تحت ظل شجرة عند البئر، يدعو الله تعالى أن يرزقه من الخير ليعيش عابدا، يتمكن من أداء ما وجب عليه، عن ذلك يقول الله تعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} 1.
واستجاب الله لموسى دعاءه، وفكر شعيب في إحضار موسى ليعلم شأنه، ويكافئه على مساعدته لبناته، ويشكره على مروءته، ويتفق معه ليعمل عنده وفق شروط يرتضونها، فأرسل إحداهما لإحضاره، يقول الله تعالى:{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} 2.
أرسل شعيب إحدى بناته إلى موسى، فجاءته ساترة وجهها بكُمّ درعها، وأبلغته دعوة أبيها ليذهب معها؛ ليعطيه أجر ما سقى لهما، فذهب معها، وقال لها: كوني ورائي، ودليني على الطريق يمينا أو يسارا، فإني لا أنظر أدبار النساء، فتيقنت من أمانته، كما رأت من قبل شهامته وقوته. وصل موسى إلى شعيب، وجلس معه، وحدثه في كل شئونه، وروى له كافة الأحداث التي تركها في مصر من قتل الأبرياء، وتسخير الضعفاء، واضطهاد المساكين، فقال له شعيب: أنت الآن
1 سورة القصص الآيات: 23، 24، والأمة: هي الجماعة، من دونهما أي: بعيدا عنهما، {تَذُودَانِ} بمعنى: تمنعان، {يُصْدِرَ} بمعنى: ينتهي.
2 سورة القصص الآيات: 25، 26.