المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

الدعوة الدينية تعاليم إلهية منزلة، معقولة المعنى، تحتاج إلى شخص يتحرك بها ويوصلها للناس في إطار خطة سليمة، بوسائل قادرة على الوصول للمدعوِّين، وبأساليب تبين، وتحاول، وتؤثر، وتقنع، وبعد ذلك يكون الناس أحرارا، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.

وبتتبع الأحداث في تاريخ قوم نوح يظهر ذلك بجلاء، فنوح عليه السلام رسول صنعه الله تعالى للرسالة، وكلفه بها، واختاره لها، عن علم وحكمة، فهو عليه السلام جامع لكل صفات الكمال التي يحتاج إليها الرسول الداعية، يتضح ذلك من عميق توجيهاته، فهو يحدثهم عن الله حديث عارف به، يقول لهم:{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1.

ونوح عليه السلام مؤمن بما يدعو إليه، موقن بصدقه؛ ولذلك استمر يدعوهم هذه المدة الطويلة بلا كَلَل، ولا مَلَل، متصفا بكل كمال يحتاجه الدعاة، من عزيمة قوية، وصبر شديد، وسماحة وعفو، وأناة ورَوِيَّة، وتحمل للمشاق والمصاعب، ورغبة مستمرة في النصح ونصرة الحق، لا يرجو من ذلك إلا رضا الله وأداء الواجب عليه.

وسار نوح عليه السلام في الدعوة على خطة منهجية واضحة، اعتمدت النقاط التالية:

أ- بيان ما بينه وبين الناس من مودة وقربى؛ لما لهذا من تحقيق مشاركة وجدانية متبادلة مع الناس، تساعد على السمع والطاعة، فهو يبدأ حديثه معهم بهذا النداء:

1 سورة نوح الآيات: 3، 4.

ص: 69

{يَا قَوْمِ} مذكرا بعلاقة القربى، ووَحْدَة النسب ليسمعوه، ويفكروا فيما يدعوهم إليه؛ لأن حب الإنسان لأهله وقومه أشد من حبه لغيرهم، وهو لا يكذب عليهم أبدا؛ ولذلك كان يناديهم بهذا النداء دائما، حتى وهو يردّ على شتائمهم، ولم يكتفِ بهذا النداء بل أخذ يبيِّن لهم إخلاصه لهم، ونصحه إياهم، قائلا لهم:{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 1.

ب- عايش نوح عليه السلام واقع قومه وهو يدعوهم، ولعل ذلك أجلى في الشرح، وأدعى للفهم والإقناع.

إن قوم نوح أصحاب زراعة، ورعي، وتجارة، يحتاجون للمطر يسقيهم، وللأنهار تروي زرعهم، وللسماء تظلّهم، وللشمس تدفئهم، وللقمر ينير لهم، وهم يقطعون سبل الأرض، وفجاج الصحراء، ومعهم الأموال والأولاد.

تلك حياة القوم، وهذا هو واقعهم، فماذا قال لهم نوح عليه السلام وهو يدعوهم؟ لنقرأ الآيات؛ لندرك مدى معايشة نوح لواقع المدعوين، يقول الله تعالى:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا، مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا، أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا، لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} 2.

إن الآيات شاهد واضح على أن نوحا عليه السلام كان يعيش حياة قومه، ويقدم لهم الأدلة من الواقع الذي يتعاملون معه، وكلها آيات كونية وإنسانية، ناطقة بأن الله واحد، لا شريك له، ويجب أن يُعبَد وحده.

1 سورة الأعراف آية: 62.

2 سورة نوح الآيات: 10-20.

ص: 70

ج- الاستمرار في الدعوة، والإلحاح في طلب الإيمان، من ضرورات الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن غاية الدعوة إيجاد إنسان جديد، ينخلع تماما من حياته وضلاله ليتحول إلى عبد رباني، ينطوي باطنه على قَبَس من نور الله، وتمتلئ جوارحه بالتقوى، والطاعة، والاستقامة على منهج الله.

إن هذا الأمر لا يحتاج إلى مجرد العرض، ولا يكفيه الطلب لمرة واحدة، ألا ترى الطبيب يداوم العلاج حتى يشفى مريضه، والتربية الجادّة تحتاج إلى مداومة، ومتابعة واستمرار مع مراحل العمركله.

وليس هناك أسمى من الدعوة، وكل بذل لها هو في الطريق الصحيح.

وقد طبق نوح عليه السلام هذه النقطة المنهجية تطبيقا كاملا، ويكفي الوقوف على مدة دعوته التي دامت ألف سنة إلا خمسين عاما، متحمِّلا كل مشقة، صابرا على كل عدوان، لم يترك فرصة للدعوة إلا قام بها، ملتزما بأخلاقه الكريمة، وكان يواصل الدعوة بصورة مستمرة، يبين ذلك بقوله تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} .

د- الدعوة الإلهية تتصادم مع قُوى اجتماعية عديدة، فهي تتصادم مع الملأ ووجهاء القوم الذين يعيشون على استعباد الضعفاء، واستغلالهم.... كما تتصادم مع كل متأله من الناس، سواءكان تألهه بالتحليل والتحريم، وهو يشرع بعقله للناس، أو يحب أن يرفعه الناس إلى درجة الإله يخافونه، ويرجونه، ويعظمونه

كما تتصادم مع كل ضال يعبد غير الله، سواء كان معبودا حسيا أو معنويا.

هذه الصدامات تؤدي إلى مشاق ومصاعب في طريق الدعوة؛ ولذلك لا بد من ملازمة الداعية للتحمل، والصبر، ومقابلة السيئة بالحسنى كمنهج لا بد منه لنجاح الدعوة.

ويعتبر نوح عليه السلام نموذجا عاليا في تطبيق هذه النقطة، فلقد كانوا يسخرون منه، ويشتمونه، ويصفونه بالكذب والجنون والسفه، ويؤذونه ويضربونه حتى

ص: 71

يشرف على الموت، ومع ذلك كان يدعو الله تعالى لهم قائلا:"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".

هـ- تحتاج الدعوة إلى ضرورة التوجه إلى الناس بلا تفرقة بينهم، بسبب لون، أو جنس، أو مال، أو جاه، وهذا ما فعله نوح عليه السلام حينما طلب منه الملأ من قومه أن يبعد عنه الفقراء، قال هم:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} .

إن هذه النقاط المنهجية تمثل خطة ضرورية لنجاح الدعوة إلى الله تعالى

و وكان لنوح عليه السلام وسائله وهو يدعو قومه إلى الله، ويراد بالوسائل الطرق التي تحمل الفكرة، وأسلوبها، سواء كانت بشرية، أو بآلات غير بشرية، كالرسالة المكتوبة، أو الصورة الهادفة

وهكذا.

وقد استفاد نوح عليه السلام بما أمكنه من وسائل

فقد كان عليه السلام يواجههم مباشرة، ويكرر لهم الدعوة، وذلك مستفاد من فعلهم الذي قال الله عنه:{وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} ، فهم لضِيقهم برؤية نوح أمامهم كانوا يغطون وجوههم بأطراف ثيابهم، حتى لا تقع عيونهم على رؤيته حين اقترابه منهم.

ونراه يستعمل وسائل الاتصال التي يتحدث عنها الإعلاميون المعاصرون، فيتصل بهم اتصالا شخصيا، ويواجههم فرادى، وهو المقصود من وقوله تعالى:{وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} لأن السرية المرادة هنا، هي مخاطبة الأفراد واحدا واحدا، بصورة علنية؛ لأن المفهوم العام للسرية لا يتفق مع مفهوم الدعوة والتبليغ.

واتصل بهم عليه السلام اتصالا جماعيا، فهم قومه يعرفهم، وكان يأتيهم في تجمعاتهم، وفي أعيادهم، ومناسباتهم المختلفة، وهو المقصود من قوله تعالى:{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ} ودعاهم عليه السلام جماهيريا، وهو دعوة الجمع الغفير الذي

ص: 72

يمكنه التوجه إليهم، وهذا هو المقصود من قوله تعالى:{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} .

وكانت مكارم أخلاقه عليه السلام وسيلة عملية تعرفهم بدين الله تعالى، وحسن تأثيره في الخلق والسلوك.

ز- خاطبهم عليه السلام بأساليب متعددة

فاستعمل معهم أسلوب الحكمة ويراد به القول الموجز الدال على معناه بعبارة قصيرة، دقيقة، ومنه الطلب المباشر المحدد ومثاله في قوله لهم:{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} ، ومن الأساليب الحكيمة أسلوب عرض الآيات الكونية والإنسانية؛ لأنها تدل على مرادها بصورة دقيقة لا يمكن ردها، ومن علامات الحكمة في الآيات الكونية والإنسانية أنها وإن تضمنت المعاني الكثيرة، فإنها تأتي في كلمات قليلة، انظر قوله تعالى:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} ، فإنها تشتمل على كلمات قليلة، وكل كلمة تشتمل على المعاني الكثيرة، فوجه السؤال وجعله خاصا بهم لقوله:{مَا لَكُمْ} ويحدد التهمة وشناعتها بقوله: {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} ، وهي تهمة تتجلى في مفهومهم بصور عديدة. إنهم يصنعون الأصنام، ويعبدونها، ويتوجهون إليها، ويتركون الله تعالى ولا يوقرونه، مع أنه تعالى أكرمهم {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} أي: على مراحل عديدة، فمن نطفة، إلى علقة، إلى جنين، إلى مولود، إلى أن يموت، كل ذلك بقدر الله وعلمه، ومع ذلك لا يوقرونه.

إن هذه الكلمات، والآيات، لا يمكن للقوم أن يردوا عليها لوضوحها، ولكنهم استمروا على الكفر معارضين لدين الله بلا حجة، أو بيان.

ومن الأساليب التي توجه بها نوح عليه السلام إلى قومه الموعظة الحسنة، ويراد بها الأسلوب المشتمل على المعاني المثيرة، التي تخاطب العواطف، وتجذب النفس، وأساس هذا الأسلوب الترغيب والترهيب؛ لأن الترغيب يعمل على التزيين

ص: 73