المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

ويبدو أن قبيلة ثمود تقدمت في مدنيتها عن عاد؛ لأنهم اتخذوا مجلسا مكونا من تسعة أشخاص، يقودهم سياسيا وينميهم، ويتقدم بهم للأمام، لكن هذا المجلس أفسد بدل أن يصلح، وأضل بدل أن يهدي، يقول الله تعالى عن ذلك:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} 1.

وقد اتخذ فساد قبيلة ثمود صورا شتى

فهم في الجانب الديني اتخذوا الأصنام آلهة، وعبدوها، وتعلقوا بها حبا، وإخلاصا، وقدموها على هداية الله، يقول تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 2.

ومن الناحية الأخلاقية أسرفوا في البذخ، والفساد، وبنوا بيوتا فارهين، وأطاعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون

وتخلق الملأ منهم بالكبر والغرور حتى دفعهم كبرهم إلى الكفر بالدعوة الإلهية، والسخرية من صالح وأتباعه الضعفاء؛ ولذلك استمروا على الكفر حتى أهلكهم الله بالطاغية.

1 سورة النمل آية: 48.

2 سورة فصلت آية: 17.

ص: 95

"‌

‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

"

اختار الله صالحا للرسالة، وبعثه إلى قومه خاصة، يدعوهم إلى الحق، وإلى صراط الله المستقيم.

فبدأ عليه السلام بدعوتهم إلى الركن الأساسي في الدعوات الإلهية جميعا، وهو الإيمان بالله، إلها معبودا، وربا رازقا معينا، وقال لهم ما حكاه الله سبحانه وتعالى

ص: 95

في القرآن الكريم: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 1، ومن هنا كانت بداية الدعوة، فهو أخوهم، وهم قومه، والرائد لا يكذب أهله، ودائما يكون بين الأهل صدق، ومناصحة، وقضيته التي يدعوهم إليها واضحة، وهي عبادة الله وحده ونبذ عبادة غيره، والتصديق بكل ما يتصل بهذا الأصل من أركان أخر؛ كالإيمان بالرسالة والملائكة والوحي المنزل واليوم الآخر بكل ما فيه من أحوال وأهوال، ومواقف..

دعاهم إلى ذلك، وقدم دليل الإيمان مركزا على النعم الإلهية التي يتمتعون بها، ويلمسونها، ويعايشونها، ومن أهمها ما قاله الله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} 2، وقال تعالى:{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} 3. إنها نِعَم عظيمة، متعتهم بالحياة، ويسرت معاشهم، وكان عليهم أن يشكروا خالقها، وموجدها، ومبدعها، ويعبدوه وحده. كان عليهم أن يدركوا ذلك بعقولهم التي وهبها الله لهم، لكنهم بدل أن يؤمنوا كفروا، قال تعالى:{وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} 4، والآية تبين دور الشيطان في صدّهم عن الحق، فعارضوا

1 سورة الأعراف آية: 73.

2 سورة الأعراف آية: 74.

3 سورة الشعراء الآيات: 146-150.

4 سورة العنكبوت آية: 38.

ص: 96

وأخذوا في رد دعوة صالح ومناقشته

أعلنوا تمسكهم بعبادة الأصنام؛ لأنها عبادة آبائهم، يصنعونها بأيديهم، ويأخذونها في سفرهم، ثم يعبدونها متى شاءوا، وكيف شاءوا!! ولم يتصوروا رسالة لبشر منهم؛ ولذلك أنكروا دعوة صالح وقالوا: إن الرسالة لا تكون لبشر، قال تعالى:{فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} 1، وقالوا له:{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 2.

ولم يقفوا عند رد الرسالة وعدم الإيمان بها، بل أخذوا في سبه وإيذائه..

اتهموه بالسحر، وقالوا له:{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} 3.

ورموه بالكذب، وقالوا:{أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} 4.

وذكروا له خيبة أملهم فيه، وقالوا:{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} 5؛ لأنهم كانوا يرجون الاستفادة برشده، ويتمنونه كاهنا لأصنامهم؛ ولذا أنكروا كل ما دعاهم إليه عليه السلام.

رد صالح عليه السلام آراءهم، وبيّن لهم أنه لا يسألهم أجرا، ولا يكلفهم شيئا، وأنه ناصح لهم أمين مخلص، وأعلن لهم ثقته برسالته، وأكد صدقه في دعوته، وسألهم سؤالا محددا، قال تعالى:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} 6؟ فلم يجبه أحد؟

1 سورة القمر آية: 24.

2 سورة الشعراء آية: 154.

3 سورة الشعراء آية: 153.

4 سورة القمر آية: 25.

5 سورة هود آية: 62.

6 سورة هود آية: 63.

ص: 97

وطلبوا منه آية تثبت لهم صدقه، فأخذ عليهم الميثاق أن يؤمنوا بدعوته حين ظهور المعجزة المؤيدة له، لكنهم لم يلتزموا جميعا بما اتفقوا معه عليه، جاء في الكامل لابن الأثير أن ثمود قالوا لصالح: اخرج معنا في يوم عيد لهم فأرنا آية، تدعو إلهك لها، وندعو آلهتنا أن لا يستجاب لك، فإن أستجيب لك اتبعناك، وإن لم يستجب لك اتبعتنا

فوافقهم على ذلك، ودعوا أصنامهم، وقالوا لصالح: ادع ربك يخرج لنا من هذه الصخرة "وعينوها" ناقة جوفاء عشراء، فإن خرجت صدقناك، فلما خرجت صدقه سيد قومه، وطائفة معه، ولم يؤمن الآخرون1.

وقال لهم صالح: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} 2. إنها ليست مملوكة لأحد، فاتركوها في أي أرض لا مالك لها منكم تأكل منها، ولا تمسوها بأدنى سوء، والماء بينكم وبينها قسمة، قال تعالى: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} 3، وعرفهم أنهم إن مسوها بسوء، فسيحل عليهم عذاب قريب، يهلكهم بعد ثلاثة أيام من الإساءة إليها.

وبظهور الناقة المعجزة انقسمت ثمود إلى فريقين؛ فريق آمن برسالة صالح، وصدق بالله، وأخذ يدافع عن إيمانه بالحجة والبرهان، وفريق استمر على ضلاله وكفره، وعناده، وأبى الكافرون أن تستمر الخصومة فكرا وجدلا، وإنما دفعهم الكبر إلى شتم صالح والمؤمنين معه، قال تعالى:{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} 4.

1 الكامل لابن الأثير ج1، ص89، 90.

2 سورة هود آية: 64.

3 سورة الشعراء آية: 155.

4 سورة النمل آية: 47.

ص: 98

وأخيرا أعلنوا إصرارهم على ما هم فيه: {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} 1.

فرد عليهم وعرفهم بأن الله تعالى مطلع على كل أعمالهم وأحوالهم، وهو سبحانه يفعل بهم ما يشاء، ويعاقبهم كما يريد، ومتى يريد، ثم سألهم سؤالا عساهم يفكرون في المصير الذي سيحل بهم، قال لهم:{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 2.

وهذا كلام يقصد به عليه السلام أن يثير في نفوسهم النظر، والتدبر؛ ليتفكروا في الدعوة ومصيرهم.

لكن الضلال صدهم عن الحق، وأبعدهم عن الصواب، وأخذوا يدبرون لقتل صالح ومن معه، على أن يتم القتل سرا، لا يكشفه أحد.

ووضع خطة القتل أولو الرأي منهم، وكانوا تسعة، وهم الرهط المذكورون في قوله تعالى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} 2، والتسعة هم تسعة رجال، وقيل: بل هم تسع جماعات.

أقسم هؤلاء التسعة على تنفيذ اتباعهم الخطة ليلا؛ لمباغتة صالح وقتله، ومباغتة المؤمنين معه وقتلهم كذلك، على ألا يخبروا بذلك أحدا، فإن سُئلوا عن القاتل يجيبون:{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} 3، وبذلك يضيع دم القتلى هدرا، ويدعون الصدق لأنهم دبروا، ولم يشاهدوا، مع أن المدبر للجرم إثمه مضاعف؛ لأنه مدبر للجريمة، وراضٍ بها، ونفى علمهم بالقتل كذب في حد ذاته؛ لأن الشهادة تنبني على

1 سورة النمل آية: 46.

2 سورة النمل آية: 48.

3 سورة النمل آية: 49.

ص: 99

العلم اليقيني، والمدبرون يتابعون كيدهم، ويعلمون بنتيجته على وجه اليقين، فقولهم:{مَا شَهِدْنَا} كذب واضح؛ لأنهم دبروا، وخططوا، وأخذوا يتابعون التنفيذ، ويوجهون من كلفوهم بالقتل.

ولكن القدر الإلهي كان أسبق منهم، فلقد جاء أشقاهم وعقر الناقة، وقتلها فنزل وعيد الله فيهم بعد ثلاثة أيام، إذا جاءتهم صيحة عالية، ارتجت لها الأرض، فماتوا جميعا، وهم جاثمون على ركبهم، ونجى الله صالحا والمؤمنين معه، وأبقى بيوتهم خالية لتشهد عليهم، ولتكون عبرة للأجيال من بعدهم، يقول الله تعالى:{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} 1، وبعد أن نجى الله صالحا عليه السلام والمؤمنين معه، شدوا رحالهم إلى بيت الله الحرام حاجين، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال: "يا أبا بكر، أي وادٍ هذا؟ " قال: وادي عسفان، قال:"لقد مر به هود، وصالح عليهما السلام على بكرات، خطمها الليف، وأزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون ويحجون البيت العتيق"2.

يقول ابن كثير: يقال: إن صالحا انتقل إلى حرم الله، فأقام به حتى مات، ودفن به، وقيل: بل عاش فترة في رملة فلسطين بالشام، حتى مات ودفن بها، والله أعلم

1 سورة النمل الآيات: 51-53.

2 البداية والنهاية ج1، ص138، والبكرات: الفَتِيَّة من الإبل، والنمار: كساء مخطط.

ص: 100