الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة
…
الركيزة الأولى: تكامل شخصية مبلغ الدعوة
مبلغ الدعوة، والقائم بشأنها، لا يحقق مراده من النجاح إلا إذا أخلص في سعيه، وكمل في ذاته.
وأول ما يحتاجه الداعية، أن يمتن صلته بالله، ويرضى بقضائه وقدره، في السراء والضراء.
وليعلم الدعاة أن: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"1.
وإن الصبر ليعد الدليل الأوضح على قوة إيمان صاحبه، وصدقه في العبودية لخالقه، فالبلايا للمؤمن امتحان واختبار، يقول تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2.
وقد رأينا في قصص الأنبياء السابقين كثيرا من ابتلاء الله لهم، وصبرهم على ما قدره الله عليهم؛ ولذلك كان الصبر نصف الإيمان.
جاء في الحديث القدسي: "إذا وجهت إلى عبد من عبادي مصيبة في بدنه، أو ماله، أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا، أو أنشر له ديوانا"3.
1 سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر ج4 ص602، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
2 سورة الملك آية: 2.
3 مدرسة الأنبياء ص176.
وقد رأينا أيوب عليه السلام ابتلي في نفسه، وماله، وأهله، وولده، فلم يجزع أبدا، وظل على حسن التقوى، وجميل الصبر مدة طويلة، راضيا بقضاء الله فيه.
وحاجة الدعاة إلى الصبر ضرورة؛ لأنهم دائما يجابهون أعداء الله في الأرض، وكثيرا ما يتمكن الأعداء منهم، وحينئذ يكون الصبر ملاذهم ومأواهم، وهو الأسلوب الأمثل لإثبات قوة الحق، وإظهار صلابة الإيمان وعزته.
ولحكمة أرادها الله تعالى ابتلى الأنبياء جميعا بصور شتى من البلاء؛ ليكونوا الأسوة لدعاة الله من بعدهم....
ومن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية، أن يكون رفيقا بمن حوله ومعاشريه، وأولهم أهله وبنوه، فهم المجال الأقرب لدعوته، وإيمانهم دليل على صدق الدعوة.... ولذلك أمر الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم قائلا:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} 1.
وهذا أيوب عليه السلام لما أقسم على أن يضرب زوجته مائة سوط، علمه الله أن يبر بقسمه، ولا يؤذي زوجته، ليتعلم كيف يكون رفيقا، رقيقا معها، ولم يأمر الله تعالى أيوب عليه السلام بترك الضرب بالكلية، ليعلم أن من حق الزوج أن يؤدب زوجته في حدود الرفق والمودة، والرحمة، ويرى الشافعي أن هذا المخرج جائز في الإسلام في غير الحدود، ويوافقه أبو ثور وأصحاب الرأي2.
ومما يساعد الدعاة على القيام بواجب الدعوة أن يكون بيته مثواه الآمن، وراحته، وسكنه؛ ليستعين بذلك على المشاق، والصعاب، التي يواجهها مع الناس.
لقد أرشد إبراهيم ولده إسماعيل عليه السلام بطلاق زوجته الأولى لما رأى في أسلوبها ولقائها، ضجرا وتألما وشكاية من قدر الله تعالى.
إن القائم بأمر الدعوة إذا أدى حق الله، وحق الناس، وحافظ على ذلك تتكامل شخصيته، ويحقق لدعوته الخير والفلاح.
1 سورة طه آية: 132.
2 تفسير القرطبي ج15 ص213، 214 بتصرف.