الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنها تشبه السيرة الذاتية المعاصرة، وهي تطبيق لمنهج القرآن في إيراد قصص أنبياء بني إسرائيل حيث يختص كل نبي بلون معين، وجانب خاص؛ لأنهم جميعا كانوا يدعون لدين الله الواحد، يكمل بعضهم بعضا، ويتممه.
والحديث عن يوسف، يحتاج إلى عدة نقاط:
النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام
…
"النقطة الأولى": "التعريف بالمجتمع الذي عاش فيه يوسف عليه السلام"
لما تزوج يعقوب عليه السلام ببنتي خاله وجاريتيهما، رزقه الله عددا من الأبناء، ومنهم كان يوسف من زوجته "راحيل" التي وافتها المنية بعد ولادة يوسف بمدة وجيزة
…
وتطورت الأحداث مع يوسف، فألقاه إخوته في الجب، إلى أن أخرجته إحدى القوافل التجارية من الجب، وباعته لعزيز مصر، وقضى حياته في مصر إلى أن لقي ربه.
وكانت مصر في هذا الوقت تحت حكم "الرعاة"1، الذين عاصروا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وعلموا شيئا عن دينهم.
والرعاة هم الهكسوس، وكانت مدة حكمهم في مصر أكثر من قرن ونصف، ومن حديث القرآن عنهم خلال ذكره لقصة يوسف عليه السلام نلمح بعض خصائص المجتمع المصري.
- فهو مجتمع غير موحِّد، لا يعرف الله على وجه الحقيقة؛ ولذلك لم يكن يوسف عليه السلام على دينهم، وذلك مفهوم من قول يوسف عليه السلام لأصحابه في السجن:{إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} 2.
1 كان الرعاة يسمون حاكمهم بـ "الملك" أو "العزيز"، وكان المصريون يسمونه بـ "فرعون".
2 سورة يوسف آية: 37، 38.
- وهو مجتمع يعرف شيئا عن دين الله الذي نقل إليهم من جيرانهم، وبخاصة أن الحكام لم يكونوا من الفراعنة، مدعي الألوهية؛ ولذلك تركوا الديانة المصرية القديمة، وبحثوا عن دين آخر، فأخذوا من جيرانهم بعض ما عندهم، وهو قدر لا يكفي في دين الله تعالى.
ندرك هذه اللمحات الدينية من قوله تعالى حكاية عن النسوة: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} 1
…
فهن يعرفن الله، ويعرفن الملائكة.
ومن حكاية قول العزيز لامرأته: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} 2، فهو يعرف الاستغفار والتوبة.
ومن حكاية قول امرأة العزيز: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} 3، فهي تعرف أن الهادي هو الله، وأن كيد الخائن إلى بوار، بأمر الله تعالى.
وقد ساعدت هذه اللمحات يوسف عليه السلام في نشر دعوة الله، حينما ولي الأمر في مصر بعد ذلك، ومكن لقومه بني إسرائيل.
- تميز المجتمع المصري بنظام سياسي متقدم، ففي الوقت الذي عاش جيرانهم في بداوة نجدهم يعرفون نظام الملك، وولاية العهد، والوزارات، والدواوين العديدة، وقد تولى يوسف عليه السلام بعد خروجه من السجن ولاية الأموال والأقوات يوزِّعها على المصريين، وعلى أهل البقاع المجاورة، وقد رأينا إخوة يوسف يأتون إلى مصر من أرض كنعان للحصول على القوت.
1 سورة يوسف آية: 31.
2 سورة يوسف آية: 29.
3 سورة يوسف آية: 52.
- تميز المجتمع المصري بالسبق العلمي، وبخاصة في مجال العلم بتعبير الرؤى، ولأمر أراده الله تعالى نجد في سورة يوسف عددا من الرؤى وتعبيراتها؛ نجد رؤيا يوسف، ورؤيا أصحابه في السجن، ورؤيا الملك، وقد تحققت دلالاتها، واستفيد عمليا بما دلت عليه.
ومن دلالة السبق العلمي ما يُستفاد من الآيات الآتية التي اشتملت عليها سورة يوسف: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} 1، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} 2. {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي} 3، {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} 4، {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} 5، {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} 6.
- تميز المجتمع المصري بمدنية راقية، حيث كان للنسوة اجتماعاتهن، وآراؤهن
…
وكان لهن سلوك مدني متقدم في الطعام والشراب، كما هو مفهوم من لقاء النسوة بامرأة العزيز، وإعداد المائدة العامرة، وتقديم السكاكين ليأكلن بها، وعاش يوسف في هذا العصر، واستفاد بإيجابياته، ونجاه الله تعالى من سلبياته
…
فتربى في بيت الملك، وتعلم، وعرف، فلما بدأت سلبيات الترف تظهر أمامه، قضى الله عليه بدخول السجن، فبقي فيه يدعو الناس لعبادة الله وحده، ولم يخرج من السجن إلا بعد إعلان براءته.
1 سورة يوسف آية: 21.
2 سورة يوسف آية: 22.
3 سورة يوسف آية: 37.
4 سورة يوسف آية: 55.
5 سورة يوسف آية: 68.
6 سورة يوسف آية: 101.