المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

حينما ننظر في دعوات الرسل عليهم السلام جميعا، نرى قضية رئيسية بدءوا بها جميعا، وهي {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وتتضمن هذه الدعوة على أمرين واضحين:

أولاهما: الله واحد لا شريك له.

ثانيهما: ضرورة عبادة الله الواحد الأحد.

ويقوم الدين كله على هذين الجانبين، وكل ما بعدهما من أمور الدين فروع وثمار، تأتي تبعا لتحقيق هذين الجانبين في حياة الناس.

وبالنظر في هذين الأمرين تظهر الغاية من خلق الإنسان، فهو لم يخلق ليعمر الكون فقط، أو ليعيش فقط، وإنما خلق ليكون عبدا لله تعالى، يحقق العبودية في نفسه، وفي أعماله، وفي الكون من حوله، يقول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1.

فالإنسان مخلوق للعبادة، وقد اختصه الله بخلافته في الأرض، ليحقق هذه العبودية على نفسه، ومع الناس، وفي الكون كله.

وقد هيأ الله تعالى الإنسان، وأمده بالعقل، والقدرة، وأراد الله له أن يعبده راضيا، مختارا، وكلفه، ليكون قادرا على القيام بالعبادة عن وعي، ورضا، واختيار، ليسعد بهذه العبودية التي يؤدي بها ما وجب عليه، وأعطاه حرية في التطبيق والعمل، يريد، ويميل، والله يعينه، وبذلك يكون العابد كريما لا ذليلا، مريدا لا مقهورا، وتلك رحمة من الله تعالى، حيث كلف الناس بالعبادة، وتكفل لهم بالرزق، والمعاش

1 سورة الذاريات آية "56".

ص: 495

لكي يملئوا حياتهم بما كلفوا به، ولا يضيعوا أوقاتهم فيما تكفل به الخالق العظيم، يقول تعالى:{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 1.

والآيات تبين رحمة الله، وعظمته، فهو السيد المطاع، وشأنه سبحانه وتعالى مع عبيده، لا يقاس عليه شأن الخلق مع عبيدهم، فإن عبيد الخلق مطلوبون للخدمة، والتكسب للسادة، بواسطة أعمال يقومون بها ابتغاء عطاء، وأجر، والله تعالى لا يطلب من عباده رزقا، ولا إطعاما، وإنما يطلب منهم عبادته فقط، وزائد على أنه لا يطلب منهم رزقا فهو الذي يرزقهم، وعليهم أن يقوموا بما خلقوا له.

وبتحقيق العبودية يتحقق توحيد الله تعالى في الحقيقة لما بين التوحيد والعبادة من تلازم، وارتباط.

فالتوحيد تصديق يقيني بألوهية الله الواحد، هذه الألوهية المشتملة على تقدير الله الخالق، وعدم إشراك غيره معه فيما يستحق من صفات، وأفعال، فهو سبحانه متفرد في الألوهية، والربوبية، والقوامة، والسلطان، والحكم.

والواجب على الإنسان العابد أن يحقق هذا التوحيد، اعتقادا في الضمير، وعبادة في الشعائر، ونظاما وسلوكا في الحياة العملية.

إن التوحيد في حقيقته يعني أن تعود حياة الناس بجملتها إلى الله....

وليس من التوحيد التوجه بالتعظيم إلى مخلوق آخر غير الله.

وليس من التوحيد إعطاء ما لله لغير الله؛ لأن ذلك شرك، وجحود لا يجوز في دين الله تعالى.

وبهذا الفهم الدقيق والحقيقي للتوحيد، تكون العبادة الخالصة لله، عملا ضروريا ملازما للتوحيد.

1 سورة الذاريات الآيات "57، 58".

ص: 496

وليس من العقل أن يتخذ الله ربا واحدا، ويعبد سواه، ويقصد بالطلب، والدعاء والرجاء.

وليس من الدين أن تؤمن بالله وحده بالضمير، وتهمله في العبادة والسلوك والنظام.

إن الحياة بقانون يغاير شرع الله، ونظام يخالف نظام الله، يشير إلى نفاق في العقيدة، ويؤكد عدم الاقتناع بشريعة الله..... وإن لا فلم ترك نظام الله وإهمل شريعته؟

إن العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة، والظاهرة1، وهي بذلك بعظمة الإله الواحد.

ولذلك كانت دعوات الرسل جميعا قائمة على توحيد الله، وإخلاص العبادة له، يقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 2، ويقول سبحانه:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} 3، ويقول سبحانه:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 4.

فالدين كله داخل في العبادة، والإنسان بالعبادة يكون عبدا ربانيا.

يقول ابن تيمية: والعبادة والدين كلاهما يتضمن الذل والخضوع، يقال: دنته، فدان، أي ذللته، فذل، كما يقال طريق معبد أي مذلل وطأته الأقدام.

1 العبودية ص8.

2 سورة الأنبياء آية "25".

3 سورة النحل آية "36".

4 سورة مريم الآيات "93-95".

ص: 497

لكن العبادة المأمور بها، تتضمن معنى الذل، ومعنى الحب، فهي تشتمل على غاية الذل لله، وغاية الحب له.... وأول مراتب الحب العلاقة، لتعلق القلب بالمحبوب ثم الصبابة لانصباب القلب إليه، ثم الغرام وهو الحب الملازم للقلب، ثم العشق وآخرها التتيم، يقال: تيم الله، أي عبد الله، فالمتيم المعبد لمحبوبه1.....

والواجب أن يكون الله أحب للعبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء.

إن حب الله وتعظيمه يجعل العبد سعيدا بعبادة الله، فيطيع راضيا، ويتوكل مطمئنا.

إن الله سبحانه هو رب العالمين، وخالقهم، ورازقهم، ومحييهم، ومميتهم، ومقلب قلوبهم، ومصرف أمورهم، لا رب لهم غيره، ولا مالك لهم سواه ولا خالق لكل شيء، ومدبره، ومسخره، إلا هو، سواء اعترفوا بذلك، أو أنكروه، وسواء علموا ذلك، أو جهلوه، لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك، وآمنوا به، وشكروه بعبودية الإلهية، رغبا ورهبا، بخلاف من كان جاهلا بذلك أو جاحدا له، مستكبرا على ربه، لا يقر ولا يخضع له، مع علمه بأن الله ربه وخالقه، فالمعرفة بالحق إذا كانت مع الاستكبار عن قبوله والجحد له، كانت عذابا على صاحبها، كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 2، وقال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3، وقال تعالى:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} 4.

1 العبودية ص13.

2 سورة النمل آية "14".

3 سورة البقرة آية "146".

4 سورة الأنعام آية "33".

ص: 498

فإذا اعترف العبد أن الله ربه وخالقه، وأنه مفتقر إليه محتاج إليه، وعرف العبودية المتعلقة بربوبية الله، هذا العبد يسأل ربه، ويتضرع إليه، ويتوكل عليه.

وهناك من العبيد أقوام يعرفون الله، ويقرون بحقيقة ربوبيته، ولكنهم لا يعبدون، وإن عبدوا فبصورة لا تثمر عبودية صحيحة، إنهم يعيشون بنظام غريب، وسلوك يخالف دين الله وشرعه.

وهذه المعرفة عاشها إبليس، وأهل النار، يقول الله عن إبليس:{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون} 1، ويقول سبحانه:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2، ويقول سبحانه:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 3 فهو قد أقر بربوبية الله واعترف له بالعزة، ولكنه كفر بمعصيته، وعدم خضوعه لأمر الله تعالى فأبى، واستكبر، وكان من الكافرين.

وأهل النار كذلك يقرون بربوبية الله، ولكنهم لا يعبدون ولا يطيعون، ولا يحققون العبودية لله في حياتهم، وفي الكون المحيط بهم، فاستحقوا اللعن والعذاب، يقول تعالى:{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} 4، ويقول تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} 5.

فمن أقر بالله ربا ولم يخضع له، ولم يطعه، ولم يعش العبودية في كل جوانب حياته، كان مثل إبليس، وأهل النار.

1 سورة ص آية "79".

2 سورة ص آية "82".

3 سورة المؤمنون آية "106".

4 سورة الأنعام آية "30".

5 سورة الكهف آية "110".

ص: 499

إن العبادة متعلقة بالألوهية، فالإله هو الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم، والإجلال، والإكرام، والخوف، والرجاء، ونحو ذلك.

وعلى العابد أن يعلم أن عبادة الله تكون بما أمر به، وشرعه، يقول تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} 1.

إن العبودية الحقه تجعل صاحبها يؤمن بخيرية شرع الله؛ لأنه من الله، وذلك كاف في الإيمان، أما أن يجعل الخيرية خاضعة للمقارنة، والتنظير، فذلك أمر يضر الإيمان، ولا يفيد.

ليس من العبودية الصحيحة أن يعيش الإنسان التوحيد في عالم الثقافة النظرية، والفكر المجرد بعيدا عن التطبيق في عالم الواقع.

وليس من العبودية الصحيحة أن يحاول العابد إقناع نفسه بخيرية دينه بالمقارنة بالنظم الأخرى.... لأن مصدر الخيرية في الحقيقة هو الله تعالى، والمؤمن به لا يحتاج لمقارنة.

لقد أكرم الله رسله بهذه العبودية، فوصفهم بها، وكانوا أحق بها، وأهلها يقول تعالى:{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} 2، ويقول تعالى:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ، إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} 3، ويقول تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ

1 سورة الكهف آية "110".

2 سورة ص آية "17".

3 سورة ص الآيات "45-47".

ص: 500

نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} 1، ويقول تعالى:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} 2، ويقول تعالى:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} 3.

ولقد دعا رسل الله عليهم السلام أقوامهم إلى عبادة الله الواحد، الأحد، واستمروا عليها مع امتداد الزمن، وتباعد المكان.

وحينما ننظر إلى هذا الموكب المتتابع لرسل الله، واجتماعهم حول هذه القضية، ندرك على الفور أهمية هذه القضية، التي التقوا حولها، وعاشوا جميعا لها.

وندرك كذلك أن ذكر القرآن الكريم لهذه الدعوات أمر مقصود، أراد الله به أن يوقظ همم الأمة الإسلامية، ليؤمنوا بالله إلها واحدا، ويخصوه وحده بالعبادة، ويعبدوه بما أمر وشرع.... وكأن هذه التجارب أدلة مثبتة لصدق ما دعا إليه الرسل عليهم السلام....

على المسلمين أن يستفيدوا بها، ويأخذوا منها ما ينفعهم في حركة الدعوة إلى الله تعالى.

وقد يتصور البعض أن دعوة الرسل عليهم السلام لأقوامهم، كانت سهلة ميسرة لقلة الناس، ولصلتهم برسولهم.... قد يتصور البعض ذلك إلا أن الواقع يؤكد غير ذلك، فلقد واجه الرسل، الملأ والجبابرة، وأعداء الحق، وأخلصوا في دعوتهم وأدوا ما عليهم من واجب، وتركوا الأمر لله بعدما بذلوا كل ما أمكنهم من بيان، وتوضيح.

1 سورة ص آية "30".

2 سورة ص آية "41".

3 سورة الإسراء آية "3".

ص: 501