الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل
بعث الله رسله إلى الناس، وجاء كل رسول إلى قومه، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وقصر العبادة له، والتخلق بالأخلاق الفاضلة.... وقد سلك كل رسول في دعوته منهجا دقيقا، واستفاد بكل ما مكنه الله من وسيلة، وأسلوب.
واستقبل الأقوام رسلهم استقبالا سيئا، فلم يسمعوا لهم، ولم يصدقوا دعوتهم، وأخذوا في الجدل، والمعارضة.
ومع أن الرسل عليهم السلام كانوا موضوعيين في التبليغ، يركزون الدعوة على قضايا الدين بتوضيح حقائقه، والتدليل على ما يطلبون، بالحكمة، والموعظة الحسنة بكل صدق في النصح، وبكل خلق في الدعوة والطلب..... مع ذلك أخذ الناس في مواجهة الرسل بطرق غوغائية قائمة على السب، والشتم، واتهام الرسول في شخصه وعمله.
وكان أكبر ما وجهوه للرسل، الاعتراض على رسالتهم، ورأوا أن ذلك هو أيسر الطرق لإلغاء الدعوة بالكلية؛ لأنهم لو تمكنوا من إلغاء الرسالة لا يبقى شيء بعدها.
وحاولوا أن يضعوا الإلغاء في صورة علمية منظمة، مؤيدة بالدليل
…
قالوا -أولا- لا يصح أن يكون الرسول بشرا، لما يتصف به البشر من عجز، وطبع، فهو مكون من مادة، وروح، ولذلك تتملكه غريزتا الشهوة، والغضب، ويأتي منه الفساد والاختلاف، ويشغله إشباع نفسه فهو يأكل الطعام، ويمشي في الأسوق، وتشغله الحياة بمشاكلها، وحاجاتها.
وقد بين الله تعالى مقالة الأقوام هذه، فقال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} 1، ويقول تعالى:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 2، ويقول تعالى:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} 3، ويقول تعالى:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} 4، ويقول تعالى:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} 5، ويقول تعالى:{فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ، أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} 6.
ومن جملة هذه الآيات ندرك إنكار الناس لنبوة البشر، لتصورهم أن البشر لا يقدر على الاتصال بالله، ولا يمكنه حمل الوحي إليهم.
والرد عليهم: يتضح بإظهار خطئهم في فهم حقيقة الإنسان، فهو فعلا مركب من جسد وروح، لكنهم يتصورون غلبة الجسد المادي للروح فقالوا ما قالوا عن الإنسان.
1 سورة الأنعام آية "91".
2 سورة الأعراف آية "69".
3 سورة هود آية "27".
4 سورة الإسراء آية "94".
5 سورة المؤمنون آية "25".
6 سورة القمر الآيات "24، 25".
لكن الحق أن الجسد مخلوق لخدمة الروح، وطاعتها فيما توجه إليه.
إن الإنسان بتكونه المادي، والروحي، يسمو على سائر الخلائق، ويفضل الملائكة إذا سادت روحه، وقادت الجسد، يقول الشهر ستاني:"إن للبشر نفسين، نفس حيوانية لها قوتان: قوة الغضب، وقوة الشهوة، ونفس إنسانية لها قوتان: قوة علمية، وقوة عملية، وبقواها الحيوانية لها أن تجمع وتمنع، وبقواها الإنسانية لها أن تقسم الأمور، وتفصل الأحوال، ثم تعرض الأقسام والأحوال على العقل، فيختار العقل الذي هو كالبصر النافذ من العقائد، الحق دون الباطل، ومن الأقوال: الصدق دون الكذب، ومن الأفعال: الخير دون الشر، ويختار بقوته العملية من لوازم القوة الغضبية الشدة، والشجاعة والحمية، دون الذلة، والجبن، والنذالة، ويختار بها أيضا من لوازم "القوة الشه، ية" التآلف، والتودد، والرفعة، دون الشرة، والمهانة، والخساسة.... فيكون من أشد الناس حمية على خصمه وعدوه، ومن أرحم الناس تذللا وتواضعا لوليه وصديقه، وإذا بلغ هذا الكمال، فقد استخدام القوتين واستعملهما في جانب الخير، ثم يترقى منه إلى إرشاد الخلائق في تزكية النفوس عن العلائق، وإطلاقها عن قيد الشهوة والغضب، وإبلاغها إلى حد الكمال.
ومن المعلوم أن كل نفس شريفة عالية زكية هذه حالها، لا تكون كنفس لا تنازعها قوة أخرى على خلاف طباعها، وحكم "العنين" العاجز في امتناعه عن تنفيذ الشهوة، لا يكون كحكم المتصون، الزاهد، المتورع، في إمساكه عن قضاء الوطر مع القدرة عليه، فإن الأول مضطر عاجز، والثاني مختار، قادر، حسن الاختيار، جميل التصرف، وليس الكمال والشرف في فقدان القوتين، وإنما الكمال كله في استخدام القوتين"1.
وقالوا -ثانيا- إن الملائكة أولى بالرسالة من البشر؛ لأن الملائكة، أبدعت إبداعا، لا من شيء، وهي نورانية محضة، ديدنهم الطاعة، وطبيعتهم العبودية لله
1 الملل والنحل ج2 ص13.
ولا مادة في تكونها يكدر صفاءها، فناسب ذلك أن تتلقى من الله، وتتصل بالملأ الأعلى
…
في الرد عليهم: نقول إن تفضيل الملائكة على البشر أتى من خطأين:
أولاهما: قولهم إن المبدع من لا شيء أشرف من المخترع من شيء، قول باطل؛ لأن الإنسان من حيث الروح مبدع بأمر الله تعالى، ويستوي في ذلك مع الملائكة، ومن حيث الجسد مخترع بخلق الله وقدرته، فزاد بذلك عن الملائكة وبخاصة إذا أدى الجسد إلى كمال الروح، وطهارتها، وكان خادما لها، مطيعا لتوجيهاتها.
ثانيهما: عقد المقارنة بين الروحاني، والمادي فيها قصور، وإنما المقارنة الصحيحة تكون بين الروحاني المجرد، والجسماني الروحاني المجتمع، وحينئذ يفضل الإنسان الملائكة لأن الجسد حينئذ تجميل وتحسين للروح.
والشخص الجميل يحسنه الثوب الحسن، والمعنى الراقي يزينه اللفظ البليغ.
وقالوا -ثالثا- إن الملائكة كمال مطلق، فهي مخلوقات علوية، لها قوة في تصريف الأجسام، وتقلب الأفلاك.
والرد عليهم: بأن الله قادر على كل شيء، يعطي لبعض خلقه ما يريد من تأثير، فهو سبحانه يعطي الملائكة، ويعطى الإنسان كما يريد.
وليس الكمال في المخلوقات العلويات فقط، بل هو في السفلية أيضا، والكمال في النهاية يتوقف على التوكل، والتسليم، والطاعة.
إن الإنسان ببدنه وعقله، يحس ويتخيل ويتوهم ويفكر، ويحفظ، ويتذكر، وهذا كاف ليقوم الإنسان بما كلف به، وكاف أيضا ليكون رسولا، مختارا من الله تعالى.
إن وجود الجانب المادي في الإنسان يعطي لطاعته قدرا وقيمة، فإن الملائكة كمال مطلق في الطاعة، لكن الناس محتاجون إلى كمال يكملهم، ويأخذ بيدهم، ويدعوهم
ولا يقدر على ذلك إلا إنسان، كملت روحه، وتحولت جوارحه إلى طاعة مطلقة لهذه الروح لتترقى.
وإذا وصل الإنسان إلى هذه الدرجة أمده الله بالوحي، وسهل له الاتصال بالملأ الأعلى عن طريق روحه السامية.
وفي نفس الوقت يتصل بالناس، عن طريق جانبه المادي، البشري
…
وليس للملائكة شيء من هذا.
إن الإنسان يتعامل مع أخيه الإنسان، ويلتقي معه بحواسه وعقله، عملا، وفكرا ومودة.... وفي نفس الوقت يخاف من المخلوقات الغائبة، والمتخيلة، والهائمة وبذلك كان الخير للإنسان أن يتلقى من أخيه الإنسان
…
وقد أجرى الله مشيئته في إرسال الرسل على طبيعة الشر، حيث اختارهم من أرقى الناس عنصرا، وأفضلهم خلقا، وأحسنهم طاعة، وتوكلا، وأمدهم بالوحي مشتملا على منهج الله لإصلاح الناس، فيحفظون، ويبلغون، ويناقشون، ويتابعون.
يقول الشهرستاني: "ثبت أن الباري سبحانه وتعالى: خالق الخلائق، ورازق العباد، وأنه المالك الذي له الملك، والمالك يكون له على عباده أمر، وتصريف.... وذلك أن حركات العباد قد انقسمت إلى اختيارية، وغير اختيارية، فما كان منها باختيار من جهتهم، فيجب أن يكون للمالك فيها: حكم، وأمر، وما كان منها بلا اختيار، فيجب أن يكون له فيها: تصريف، وتقدير ومن المعلوم: أن ليس كل أحد يعرف حكم الباري تعالى، وأمره، فلا بد إذن من واحد يستأثره بتعريف حكمه وأمره في عباده، وذلك الواحد يجب أن يكون من جنس البشر، حتى يعرفهم أحكامه وأوامره ويجب أن يكون مخصوصا من عند الله عز وجل بآيات خلقية هي حركات "تصريفية" و"تقديرية" يجريها الله على يده عند التحدي بما يدعيه، تدل تلك الآيات على صدقه، نازلة منزلة التصديق بالقول المؤكد، وإذا ثبت صدقه، وجب اتباعه في جميع
ما يقول ويفعل، وليس يجب الوقوف على كل ما يأمر به وينهى عنه؛ إذ ليس كل علم تبلغ إليه "قوة البشر".
ثم "الوحي" من عند الله العزيز يمد حركاته الفكرية، والقولية، والعملية، بالحق في الأفكار، والصدق في الأقوال، والخير في الأفعال، فبطرف يماثل البشر، وهو طرف الصورة، وبطرف يوحي إليه، وهو طرف المعنى والحقيقة:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} فبطرف يشابه نوع الإنسان، وبطرف يماثل نوع الملائكة، وبمجموعهما يفضل النوعين، حتى تكون بشريته فوق بشرية النوع: مزاجا واستعدادا، وملكيته فوق ملكية النوع الآخر: قبولا، وأداء، فلا يضل ولا يغوي بطرف البشرية، ولا يزيغ ولا يطغى بطرف الروحانية، فيقرر أن "أمر الباري" تعالى واحد لا كثرة فيه، ولا انقسام له: قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} غير أنه يلبس تارة عبارة العربية، وتارة عبارة العبرية، والمصدر يكون واحدا والمظهر متعددا و"الوحي": إلقاء الشيء إلى الشيء بسرعة فيلقي "الروح""الأمر" إليه دفعة واحدة، بلا زمان " قال تعالى:{كَلَمْحٍ بِالْبَصَر} فيتصور في نفسه الصافية صورة الملقي، كما يتمثل في المرآة المجلوة صورة المقابل، فيعبر عنه إما بعبارة قد اقترنت بنفس التصور، وذلك هو قال تعالى:{آيَاتُ الْكِتَاب} ، أو بعبارة نفسه وذلك هو "أخبار النبوة" وهذا كله "بطرفه الروحاني".
وقد يتمثل "الملك الروحاني" له بمثل صورة البشر تمثل المعنى الواحد بالعبارات المختلفة، أو تمثل الصورة الواحدة في المرايا المتعددة، أو الظلال المتكثرة للشخص الواحد، فيكالمه مكالمة حسية، ويشاهده مشاهدة عينية.... ويكون ذلك بطرفه الجسماني، وإن انقطع "الوحي" عنه لم ينقطع عنه التأييد والعصمة: حتى يقومه في أفكاره، ويسدده في أقواله، ويوفقه في أفعاله1.
1 الملل والنحل ج2 ص38.
وتثبت النبوة للبشر، انطلاقا من حاجة الناس إلى اجتماع، في إطار منهج ونظام، فلو أخذ الإنسان نظامه من إنسان آخر فقد ضيع نفسه، وإن أخذه من الله فكيف السبيل إليه؟! إذا لم تكن عن طريق نبوة البشر!!
ومن هنا وجب أن يكون في الناس شارع يبين شرع الله، وأحكامه في العقائد والمعاملات.... وهذا الاحتياج ضروري للناس، ويجب أن يكون القائم بتبليغ منهج الله من الناس ومعهم، بحيث تكون نسبته للناس كنسبة المعطي للسائل، والطبيب للمريض، وذلك القائم بالتبليغ هم الأنبياء، بما اتصفوا به من كمالات، تمكنهم من الإحاطة بعلوم، لا يقدر عليها الملائكة، وتجعلهم قادرين على تعليم الناس تعليما لا يقدر عليه الملائكة أيضا.
وقالوا -رابعا- وإذا كانت الرسالة لبشر، فلم لا يكون غنيا، وله عصبة من الناس، ومعينون من الملائكة.
والرد عليهم: إن النبوة اختيار إلهي محض، وهو سبحانه، خالق الخلق، ومقسم الأرزاق، وله في اختيار النبي من البشر حكمة، وهو معه بالمعونة، والتأييد، والنصر، فليس للنبي حاجة في مال، أو عصبة بشرية، أو قوى ملائكية، ويكفي أن الله معه.
ومن حكمه الله أن اختار رسله من عامة الناس، حتى لا يتهمهم أحد، بأنهم يسعون للمحافظة على مواريث أبائهم، وأجدادهم، وحتى لا يقول أحد إنهم يعتمدون على قوة غير قدرة الله تعالى.
هذا.... وقد سلك الأنبياء في إثبات رسالتهم لأقوامهم عدة طرق، من أهمها:
الطريق الأول: بينوا للناس صلاحيتهم للرسالة، بطريقة عملية فها هم يبلغونهم بوحي الله تعالى الذي جاءهم، ويناقشونهم، ويوضحون لهم جوانب الدين
المختلفة ويعرفونهم بأن الملك لا يناسبهم، يقول تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} 1.
ويوضحون عدم المناسبة بين الإنسان والملائكة لأن الملك لا يتصل بالإنسان بروحانيته، ولا بد له من التشكل بصورة البشر ليتعامل مع البشر
…
وحينئذ يكون للناس حق الاعتراض مرة أخرى على اعتبار أنه بشر لا ملك، يقول تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} 2.
الطريق الثاني: إظهار المعجزة تصدقهم؛ لأن لسان حال المعجزة يقول: صدق عندي فيما يبلغ عني وقد سبق أن علمنا الكثير من معجزات الرسل، مثل معجزة إعادة الطير حيا بعد تمزيقه، وتوزيعه على الأجبل، مع إبراهيم عليه السلام وناقة صالح عليه السلام، ومعجزات موسى، وداود، وسليمان، وعيسى، وزكريا، ويحيى عليهم السلام، وكل هذه المعجزات طرق لإثبات صدق الرسول في دعوته للناس.
الطريق الثالث: بيان بشرية الرسل السابقين؛ لأن الأمر إذا تقرر وقوعه مرة جاز له أن يقع مرة أخرى، وما دام رسل الأقوام السابقين كانوا منهم، فذلك أمر يؤيد بعثة البشر من بعدهم، وكان الرسول يذكر ذلك لقومه، ليصدقوا به، فعن هود عليه السلام يقول تعالى:{ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} 3، وعن صالح يقول تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} 4.
1 سورة الإسراء آية "95".
2 سورة الأنعام آية "9".
3 سورة الأعراف آية "96".
4 سورة الأعراف آية "74".
وهذا الطريق قوي في دلالته؛ لأن الإنسان إن سلم لغيره بقضية، فمن السهل أن يقتنع بها لنفسه.
الطريق الرابع: بيان أن النبوة عطاء إلهي
…
أثبت الرسل لأقواهم أن اختيار الله لهم، فضل ورحمة، ونعمة يعتزون بها وليس لغيرهم الاعتراض عليها، ومن هذا ما قاله نوح لقومه:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} 1، وما قاله صالح لقومه:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} 2، وما قاله شعيب لقومه:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} 3، والمراد بالرزق الحسن، والرحمة المؤتاه هي النبوة التي بعثوا بها وعارضهم الناس فيها.
وهكذا أثبت الرسل رسالتهم بطريقة واقعية؛ لأنهم أعادوا القوم إلى التاريخ المنظور، والمعروف ليتدبروا فيه، ويعتبروا به، ويصدقوا بالرسالة بعد ذلك فإن كذبوا بعد ذلك فهو تكذيب بكل الرسالات، وإن صدقوا فهو إيمان بجميعها.
وهكذا:
أثبت رسالتهم لأقوامهم، وردوا شبههم، واعتراضاتهم، لكي يؤمنوا بالرسالة التي تعد ركنا رئيسيا في الإيمان.
1 سورة هود آية "28".
2 سورة هود آية "63".
3 سورة هود آية "88".
ونحب أن نشير هنا إلى مسألة هامة، وهي أن الرسل عليه السلام وهم يثبتون الألوهية، والرسالة، أثبتوا مع ذلك ركنين آخرين هما:
- إثبات الوحي والكتاب المنزلة؛ لأن الله سبحانه وتعالى ينزل دينه على رسوله وحيا، يحفظه الرسول ليكون كتابا مقدسا أنزله الله عليه مثل الزبور، والتوراة والإنجيل.
- إثبات الملائكة؛ لأن الوحي يتم في أغلبه بواسطة ملك يحمل وحي الله إلى الرسول المختار عليه السلام.
وبثبوت التوحيد، والرسالة، والوحي، والملائكة، يتبين الطريق الإيماني المنزل من عند الله تعالى، وليس بعد ذلك لمكلف من الناس أن يدعي المنهج العلماني، أو اتباع الفطرة، أو غير ذلك من دعاوي المعصية، والضلال....
فلقد أرسل الله الرسل لإرشاد الناس إلى المنهج الإلهي الصحيح، في العقيدة، والعبادة، والخلق وأوجب على الناس طاعتهم، والخضوع لله رب العالمين.... يقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} 1.
1 سورة النساء آية "64".