الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18-
إلياس عليه السلام:
إلياس عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل، والعرب تنطق اسمه بألفاظ متعددة، فيقولون: هو "الياسين، أو ياسين، وآل ياسين" أسماء متعددة له عليه السلام.
لقد كان إرسال إلياس عليه السلام بعد موسى بوقت قصير، ونظرا لغلو الإسرائيليين في المادية، وإفراطهم في التجسيد، جاءتهم المعجزات الحسية العديدة؛ لتحقيق شيء من التوازن النفسي بين متطلبات الطبع اليهودي المادي، وبين متطلبات الإيمان والرسالة، يقول النووي:"كان إلياس على صورة موسى عليه السلام وقوته، وقد نشأ في بيئة حسنة، وكان الإسرائيليون يحبونه، ويقولون: إنه بشرى اليعازر لهم، وسيهلك الله به الملوك، والجبابرة"1.
حفظ إلياس ما عندهم من التوراة، وأظهر لهم المعجزات. صاح فيهم مرة صيحة أرعبتهم، وكادت تقتلهم
…
فقالوا: هو ساحر، ونسوا كل ما قالوه فيه، وهمّوا بقتله فهرب منهم، وساروا وراءه، فانفلق الجبل ودخله إلياس، وانصرف الناس، وعاش إلياس في الجبل حتى بلغ أربعين سنة، فبعثه الله نبيا، وكلفه بالرسالة إلى قومه، وأمره أن يتوجه إلى الملوك، والجبابرة لدعوتهم إلى عبادة الله تعالى.
وقد امتد نطاق دعوة إلياس إلى سبعين مدينة، تتوسطها مدينة "بعلبك" التي تقع في شمال لبنان حاليا، وفي كل مدينة جبار يسوسها، وكانوا يعبدون الأصنام، ويصنعونها على صورة بشرية ويسمونها "بعلا".
1 تفسير الجمل ج3 ص550.
وقد أجرى الله على يد "إلياس" عليه السلام عديدا من المعجزات، مثل:
- خمود النار بأمره1.
- عدم إحراق النار لامرأة الملك2.
- حبس الماء عن القوم3.
- إحياء الموتى4.
- نزول الغيث5.
وحديث المؤرخين عن معجزات إلياس الحسية طويل6، ونحن لا نقطع بها؛ لورودها عن طريق أدلة ظنية، ولا نردها لأن المطلع على تاريخ أنبياء بني إسرائيل يرى كثرة المعجزات الحسية، التي أظهرها الأنبياء جميعا، بدءا بيوسف عليه السلام وانتهاء بعيسى عليه السلام.
ويجب أن يكون واضحا أن أنبياء بني إسرائيل جميعا بعثوا بتجديد رسالة موسى عليه السلام لكثرة ما صنعوا، وحرفوا.
أرسل الله إلياس عليه السلام إلى قومه من بني إسرائيل، وقومه هم أحد أسباطهم الذين رحلوا إلى مدينة "بعلبك" في أقصى الشمال، فنسوا عهد الله، وعبدوا الأوثان دونه، فبعث الله إليهم إلياس عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد، ويذكرهم بعهد الله، ويبين لهم أن الانحراف عن دين الله ضلال مبين؛ لأن الله هو خالقهم، ورازقهم، وربهم، ورب آبائهم، ورب العالمين.
1 قالوا: إن الملك طلب منه معجزة وهي إطفاء النار، فنادى: أيتها النار اخمدى
…
فخمدت.
2 قالوا: إن امرأة الملك آمنت مع إلياس، فألقاها زوجها في النار، فدعا إلياس ربه، فلم تعمل النار فيها شيئا.
3 أنذر إلياس عليه السلام قومه بحبس الماء إن لم يؤمنوا، فأصروا على الكفر، فحبس المطر، وجفت الأنهار، وغارت العيون، ومات الشجر.
4 قالوا: إن إلياس أحيا عددا من الموتى بإذن الله، منهم اليسع.
5 لما أمن البعض به، دعا الله بالماء، فنزل الغيث، وجرت الأنهار، وتفجرت العيون.
6 انظر الفتوحات الإلهية الشهير بالجمل "ج3 ص550 بتصرف".
لكن القوم استمروا على ضلالهم، واتخذوا صنما من الحجر، وعبدوه من دون الله، وتصوروه ربا، يعينهم، ويحفظهم، ويمدهم بالخير.
وكان عليه السلام ناصحا أمينا لقومه، لطيفا في دعوته لهم، حيث أخذ يناقشهم ويطلب منهم الحجة والبرهان، ويدلل على ضلالهم، ويدعوهم إلى الله رب العالمين، يقول الله تعالى:{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} 1.
ومن هذه الآيات، ندرك الحقائق التالية:
أولا: إلياس هو رسول الله عليه السلام اختاره الله للرسالة، وأنزل عليه وحيه، وكلفه بدعوة قومه إلى العقيدة الصحيحة.
ثانيا: أن قوم إلياس اتخذوا إلها، وسموه "بعلا"، ذهب المفسرون إلى أنه صنم، أو ملك، اتخذوه إلها أو ربا، ويمكن جمع هذه الآراء في أنهم صنعوا صنما على صورة ملكهم، وعبدوه إلها، وقصدوه ربا، وبهذا تلتقي الآراء في مفهوم واحد، لا تعارض فيه.
ثالثا: أن دعوة إلياس عليه السلام كانت لقومه، وهم أحد أسباط بني إسرائيل، الذين رحلوا من بيت المقدس، وسكنوا شمال الشام، في مدينة "بعلبك".
رابعا: دعا إلياس عليه السلام قومه بحكمة، ولين، وحسن في الدعوة والإرشاد.
- فلقد ناداهم بما بينهم من قربى، ونسب، وقال لهم: يا قوم؛ ليعلموا أنه حريص عليهم، ساعٍ لمصلحتهم.
1 سورة الصافات الآيات: 123-126.
- وعرض عليهم دعوته بصورة المستفهم؛ ليعودوا إلى أنفسهم، ويكرروا السؤال على عقولهم، عساهم يفيئون، ويعودون إلى صوابهم.
- قارن إلياس عليه السلام لقومه بين صنمهم، وبين الله، وبين أن الصنم حجر لا يسمع، ولا يبصر، ولا يضر، ولا ينفع، ولا يغني عن أحد شيئا، بينما الله تعالى خلقهم، ورزقهم، ونظم لهم حياتهم، فهو ربهم، ورب الناس أجمعين.
يسمع القوم دعوة إلياس عليه السلام فيؤمن بدعوته المخلصون الأصفياء، وتظل الأكثرية على ضلالها وكفرها، وينزل الله عذابه بهم، وينجو إلياس والمؤمنون معه، بسبب إيمانهم وإخلاصهم، وفي الآخرة سيحل عليهم عذاب جهنم وويلاتها، وسيفوز المؤمنون برضوان الله في جنات النعيم، وأما إلياس عليه السلام فقد أبقى الله له الثناء الجميل، والذكر الحسن في الأمم بعده، فما من أمة مؤمنة إلا وتذكره بالخير، وتسلم عليه كسائر أنبياء الله، وها هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم تذكره بالنبوة، وتقرأ عنه في القرآن الكريم، كتاب الله رب العالمين، وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وله عليه السلام السلامة من كل سوء، والبعد عن كل شر وأذى؛ لأنه عبد لله ورسوله إلى قومه، وقد وفى بما كلف به عليه السلام، يقول الله تعالى:{فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} 1.
ويوجد حاليا على جبل "الكرمل" المقام على سفحه مدينة "حيفا" قبر، يقال: إنه قبر "إلياس"2 عليه السلام.
1 سورة الصافات الآيات: 127-132.
2 بنو إسرائيل في القرآن الكريم ص240.