الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام
تسخير الريح
…
النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام
سأل سليمان عليه السلام ربه أن يهب له ملكا، لا يناله أحد بعده، وبالضرورة لم يشاهده أحد قبله، فاستجاب الله له، وأقام له ملكا عريضا، وحضارة راقية، تعتمد على خوارق العادات التي وهبها الله لسليمان عليه السلام.
وكان على الإسرائيليين أن يتذكروا فضل الله عليهم، وأن يعلموا أن هذه المعجزات لم تظهر لأمة سابقة، ولن تظهر لأمة لاحقة، وأنهم بها تمكنوا من الحياة في إطار أرقى حضارة عرفتها البشرية.
لقد كانت المعجزات الحسية في مجملها تأتي مؤقتة، تبهر العقول، وتؤدي وظيفة معينة وتنتهي، كطوفان نوح عليه السلام ونار إبراهيم عليه السلام وعصا موسى عليه السلام وغيرها.... أما معجزات سليمان عليه السلام فكانت تصنع حضارة، وتستمر مع سليمان لا تنقطع عنه ما دام حيا، وفي نفس الوقت ينتفع بها كل إسرائيلي يعيش في مملكة سليمان عليه السلام.
إن هذا البروز الواضح لمعجزات سليمان عليه السلام ذات النفع المادي الشامل، يتناسب مع العقلية الإسرائيلية في ماديتها، ونفعيتها، واتكالها، وحاجتها الدائمة إلى قوة ليست منهم، تساعدهم، وتعينهم، وترفع شأنهم في أعين الآخرين.
1-
تسخير الريح:
يقول الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} 1، ويقول تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ
1 سورة الأنبياء آية: 81.
الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} 1، ويقول تعالى:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} 2.
ومن الآيات، وأقوال المفسرين نعلم أن الله سبحانه سخّر الريح لسليمان عليه السلام خاصة، وأنها كانت ريحا عاصفة، شديدة، قوية، لكنها شدة تفيد ولا تضر؛ ولذا وصفها الله بأنها رخاء، ولينة، وقد بلغ من سرعة الريح أن المسافة التي يسيرها الناس في شهرين مسرعين، تقطعها الريح في يوم واحد مهما كانت حمولتها، التي بلغت أحيانا مئات الألوف بأحمالهم، وعتادهم، في بعض الأوقات.
وكانت الريح تتحرك بأمر سليمان، وتتجه حيث يريد، واستمرت في طاعتها، وخضوعها لسليمان طيلة حياته كلها عليه السلام.
وكانت الريح تجري في كل الأرض التي باركها الله، وهي مملكة سليمان عليه السلام الممتدة من خليج العقبة إلى شط الفرات، وكانت الريح تسوق الماء إلى الجهة التي يشاؤها سليمان، كما كانت تحرك السحاب إلى ما يأمر به سليمان لتمطر فيه، وأيضا كان لهبوب الريح دور في توجيه السفن إلى الموانئ التي يريدها سليمان؛ ولذلك كان اتجاه الريح خاضعا لتوجيهاته عليه السلام.
ولكن
…
ما هي الفائدة التي قدمتها الريح المسخرة في مملكة سليمان عليه السلام؟ وهل استفاد بها الإسرائيليون؟ وما دورها في الحضارة؟
1 سورة سبأ آية: 12.
2 سورة ص الآيات: 35، 36.
يقول القرطبي: كان سليمان عليه السلام لا يقعد عن الغزو، فإذا علم قوما يعادون الله في الأرض أرسل إليهم، واستعد لهم، وسار إليهم غازيا، تحمله الريح إلى حيث يريد، وكان إذا أراد وجهة ما، أحضر فراشا، وجعل عليه الناس، والدواب، وآلة الحرب، ثم يأمر الريح فتحمل الجميع إلى حيث يريد1.
يروي سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان سليمان إذا جلس نصبت حواليه أربعمائة ألف كرسي، فيجمع الإنس والجن جميعا عليها، وتقلهم الريح حيث يشاء2.
فهل وصلت الإنسانية إلى شيء من هذا؟!
وسيلة نقل جبارة، تنقل المجتمع كله في لحظة واحدة، في يسر، وأمان
…
لقد استفاد الإسرائيليون بهذه المعجزة، وصارت الأرض كلها تحت أيديهم يذهبون، ويرجعون حيث يريدون.
يروي المؤرخون أن سليمان عليه السلام كان يركب الريح، ويمر على البلاد والقرى، وينزل حيث يريد، بلا مطار يعد، أو استقبالات تجهز، أو نفقات تبذل
…
وبذلك استراح الناس، ونهض المجتمع.
إن الحضارة الحديثة تفتخر بعملياتها الاتصالية، وباختراعاتها المتنوعة من طيران وسفن، وأقمار صناعية، وأشكال الاتصالات السلكية، واللاسلكية
…
ومع ذلك لا يمكن لأي عقل أن يتصور حضارة اقتربت من حضارة سليمان عليه السلام
…
إن جيش سليمان المكون من مئات الألوف كان ينقل بعتاده إلى ميدان المعركة في ساعات قليلة، بدون أدنى جهد، أو حدوث أي خطأ، لم تسقط له طائرة، أو تصطدم بغيرها
…
وكانت الريح تحمل له أحاديث الناس وكلامهم.
1 تفسير القرطبي ج11 ص322.
2 تفسير القرطبي ج14 ص269.