الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض
أكرم الله عيسى عليه السلام فجعل لأسرته سورة باسمها، هي سورة "آل عمران"، وجعل لأمه سورة باسمها، هي سورة "مريم"، وجعل لإحدى معجزاته سورة باسمها هي سورة "المائدة".
وقد ولد المسيح ببيت لحم، وهاجر مع أمه، وجماعته إلى مصر، ثم عاد إلى بيت المقدس لما بلغ ثلاث عشرة سنة، ونزل عليه الإنجيل وهو ابن ثلاثين عاما.
أخذ عيسى يدعو قومه إلى دين الله تعالى، ليستقيموا على الحق، وأظهر لهم المعجزات لم يتأثروا بها، وآمن به عدد منهم، فانقسموا إلى فريقين، فريق آمن به، وفريق آخر كفر به، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} 1.
إلا أن الذين كفروا به حاولوا قتله، وصلبه، فأنقذه الله منهم بأن قتلوا رجلا آخر يشبهه، وصلبوه، أما عيسى عليه السلام فقد رفعه الله إليه، يقول تعالى:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ}
1 سورة الصف آية "14".
{إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا، وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} 1، ويقال إن الذي قتل هو يهوذا الإسخريوطي الذي خان المسيح، وجاء بجنود الرومان لقتل المسيح، فرفع الله عيسى إليه، وألقى شبهه على يهوذا
…
فكان أن قتله الرومان ظنا منهم أنه المسيح، مع أنه هو الذي جاء بهم.
واختلف العلماء في رفع المسيح حيا أو ميتا، فقال بعضهم رُفع حيًّا أثناء النوم وقال آخرون رفع بعد قبض روحه، وتوقف آخرون، وأولاها الرأي الأول.
وسوف ينزل عيسى عليه السلام إلى الأرض مرة أخرى، ونزوله عليه السلام علامة من علامات الساعة الكبرى، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَة} 2 قال: نزول عيسى بن مريم من قبل يوم القيامة3 وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} 4 قال ابن كثير: "أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام"، وقد جاء التفصيل في السنة النبوية، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه عندما تشتد فتنة الرجال، ويضيق الأمر بالمؤمنين في ذلك الزمان، ينزل الله عبده ورسوله عيسى عليه السلام وينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، قال صلى الله عليه وسلم:"ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق"5.
1 سورة النساء الآيات "156-159".
2 سورة الزخرف آية "61".
3 إسناد حسن: رواه ابن حبان في صحيحه "الإحسان" ج8 ص222.
4 سورة النساء آية "159".
5 رواه الطبراني وصححه الشيخ الألباني: "صحيح الجامع""8025".
وقد وصف لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حاله عند نزوله فقال: "ليس بيني وبين عيسى نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فأعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة، والبياض، ينزل بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل" 1، ويكون نزوله في وقت اصطف فيه المقاتلون المسلمون لصلاة الفجر، وتقدم إمامهم للصلاة، فيرجع ذلك الإمام طالبا من عيسى أن يتقدم ليؤمهم، فيأبى، ففي الحديث:"وإمامهم -أي إمام الجيش الإسلامي - رجل صالح فبينما إمامهم يتقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص، يمشي القهقهرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصل بهم إمامهم"2.
وروى مسلم في "صحيحه" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعالى صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة"3.
ومهمته بعد نزوله هي حكم الناس بالعدل، والحق، يروي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا -أي ليس نبيا ولا رسولا- فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الحرب، ويفيض المال، حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها"4.
1 رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح، صحيح الجامع "5265".
2 رواه ابن ماجه وانظر "صحيح الجامع" ج6 ص277.
3 صحيح مسلم.
4 صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب الأنبياء ج6 ص491.
روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون"1.
وبهذا تنتهى رسالات الله لبني إسرائيل، ويبقى عليهم أن يؤمنوا بما جاءهم من عند الله تعالى إن كانوا صادقين.
ولو صدقوا الله حقا لأمنوا بما بشرهم به المسيح عليه السلام.
ومع هذه الكثرة من الأنبياء، فقد لعبت السياسة بالناس، وشوهت الأديان لصالحها، ولم يعد الله في دنيا البشر إلا بعض الطقوس تؤدى في أماكن العبادة، وغيرها.
ونحن نتساءل: ألمثل هذا جاء الرسل؟ ونزلت الكتب؟ وظهرت التضحيات؟ وكانت الدعوة؟ وكان الجهاد.
نحن لا نسلم بهذه النهاية، ونرى أن الرسل جاءوا لصناعة عالم محكوم بشرع الله، يعيش العبودية الشاملة، لله المعبود، الواحد، الأحد.
هذا....
وقد حاولت إبراز بعض ركائز عقب إيراد تاريخ كثير من الرسل بصورة موجزة، وسأعقب على هذه الدراسة، بنظرة تحليلية، استنبط بها الركائز الرئيسية في دعوات الرسل تكون منطلقا عمليا للدعاة، الذي اعتبره الهدف الرئيسي لهذه الدراسة، وسيكون جزءا متمما للكتاب بإذن الله تعالى.
1 صحيح الجامع "5265".