الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يونس عليه السلام
النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس
…
15-
يونس عليه السلام:
من رسل الله تعالى يونس عليه السلام وهو من أبناء يعقوب عليه السلام بعثه الله تعالى إلى غير الإسرائيليين، والحديث عنه يحتاج إلى عدة نقاط.
"النقطة الأولى": التعريف بقوم "يونس"
بعث الله يونس عليه السلام إلى الآشوريين، الذين أسسوا لهم حضارة عرفت بهم، ونسبت إليهم، ويقع موطنهم حول نهر "دجلة" وروافده.
وأشهر مدنهم: آشور، وأريلا، والكلخ، ونينوى، وتقع هذه المدن في الجهة المقابلة لمدينة "الموصل" الحالية.
وقد نشأ الآشوريون في البادية، إلا أنهم تغلبوا على أهل المدينة، وأسسوا دولتهم، وحضارتهم.
وكان للآشوريين عاصمتان: آشور، وهي عاصمة فصل الشتاء، ونينوى، وهي عاصمة فصل الصيف.
وقامت حضارة الآشوريين على القسوة والحرب؛ ولذلك كانوا يأخذون الجزية من جيرانهم، ويبسطون نفوذهم على كثير من الشعوب.
وكانوا يعبدون أصناما لهم سموها بأسماء مدنهم، وجعلوا إلههم الأكبر هو آشور، وبه يسمى ملكهم، وكانوا يتوجهون بالعبادة لآشور "الملك"، ويتقربون إليه بالعطايا، ويسيرون على أوامره ونواهيه1.
1 قصة الحضارة ج2 ص264-277 بتصرف.
وكانت دعوة يونس عليه السلام للآشوريين، انطلاقا من عاصمتهم "نينوى" يدل على ذلك ما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن ذهب إلى "الطائف" حين التقى بـ "عداس" غلام بني ربيعة النصراني، حيث قدم عداس للنبي صلى الله عليه وسلم قطف عنب، فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده إليه، وقال:"باسم الله" قبل أن يأكل، فقال عداس: إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"من أي البلاد أنت؟ " فقال: أنا من نينوى
…
فقال له النبي: "أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ " قال له عداس: وما يدريك ما يونس؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ذلك أخي كان نبيا، وأنا نبي"1.
دعا يونس عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده، ونبذ ما هم عليه من خلق سيئ، وظلم، وعدوان على الناس.
ومن البدهي أن الله أمده بالمعجزة، ونزل عليه الوحي؛ لتحديد جوانب الدعوة التي أخذ يبلغها للناس.
لكن القوم أصروا على ضلالهم وفسادهم، وتمسكوا بعبادة الملوك والأوثان
…
فلما طال الزمن وهم على ضلالهم، غضب يونس عليه السلام من عنادهم، وأنذرهم بعذاب الله الذي سينزل عليهم لإصرارهم على الكفر والضلال، فلما ظهر العذاب فوق الرءوس فر من بلدهم، واتجه إلى الشرق حيث البحر والسفن؛ ليتمكن من السفر بعيدا عنهم.
لكن القوم بعدما تركهم يونس عليه السلام خافوا من نزول ما خوفهم منه، وقذف الله في قلوبهم التوبة، والرجوع إلى الله تعالى، فلبسوا مسوح الرهبان، وفرّقوا بين كل بهيمة وولدها، وأخذوا يستغيثون بالله، ويتضرعون إليه ليكشف عنهم غضبه، وينزل عليهم رحمته، فاستجاب الله لهم، ورفع العذاب بعدما اقترب منهم، وأظلهم.
1 السيرة النبوية ج2 ص266 ط. دار التراث.
يصور الله تعالى موقف يونس عليه السلام من قومه، وإيمان قومه من بعده، فيقول سبحانه:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} 1، {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} 2، {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} 3.
والآيات تشير إلى غضب يونس عليه السلام من قومه، وفراره منهم، وأن القوم آمنوا بعد فراره فنفعهم إيمانهم، ورفع الله عنهم عذاب الخزي الذي كاد أن يحل بهم، ومتعهم في الحياة الدنيا، وسوف يمتعون في الآخرة بإذنه تعالى لإيمانهم، وتقواهم.
يقول ابن كثير: "وقد اختلف المفسرون في انتفاعهم بهذا الإيمان، في الدار الآخرة
…
على قولين
…
والأظهر من السياق انتفاعهم به؛ لإطلاق مسمى الإيمان عليهم، والإيمان ينقذ من عذاب الآخرة"4، والله أعلم.
وأخذ يونس عليه السلام دورته التي قدرها الله له، وعاد داعيا، وأرسله الله مرة أخرى، يقول تعالى:{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} .
لكن هل هؤلاء المؤمنون هم قومه الذين فر منهم قبل ذلك، أم إنهم قوم آخرون؟؟!
يفترق العلماء في هذه المسألة إلى فريقين، وأميل إلى رأي من قال: إنهم ليسوا قومه السابقين لأسباب:
1-
أن قومه السابقين آمنوا بعدما تركهم وفر منهم، أما هؤلاء فقد آمنوا
1 سورة الصافات الآيات: 139، 140.
2 سورة الأنبياء آية: 87.
3 سورة يونس آية: 98.
4 تفسير ابن كثير ج2 ص433.