الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
بدأ الخطاب "بسم الله الرحمن الرحيم" ليبين لهم من الوهلة الأولى أن إله سليمان هو الله الواحد الأحد، الرحمن الرحيم.
3-
وفي ذكر الله وأسمائه دعوة صريحة للإيمان به، وترك ما عداه من آلهة أخرى كالشمس وغيرها.
4-
ترك الاستعلاء في الأرض، وضرورة التواضع الله تعالى، وأهمية السمع والطاعة لما يدعونهم إليه.
5-
طلب سليمان منهم أن يعلنوا إسلامهم، ويأتوا إليه بعد إسلامهم، ليأخذوا منه تعاليم الله تعالى.
وقد تصرفت الملكة "بلقيس" بعقل وروية، وفي النهاية أعلنت إسلامها لله رب العالمين.
الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر
نظرا لقيام مملكة سليمان عليه السلام على أعمال قام بها الجن، أود أن أقدم تعريفا موجزا بالجن، وما يتصل بهم على ضوء الحقائق الإسلامية.
الجن أرواح عاقلة، مكلفة، مجردة عن المادة، مستورة عن الحواس، ولهم قدرة على التشكل، يأكلون، ويشربون ويتناكحون، وله ذرية1، وقد خلقهم الله من النار، يقول تعالى:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} 2.
ويتشكل الجن في صورة الشجر، والحجر، والطير، والحيوان، والإنسان، ويسكن في الأماكن العالية والمنخفضة، وفي البيوت، وأماكن النجاسات، ويكثر وجودهم في الأسواق.
1 الفصل لابن حزم ج5 ص12.
2 سورة الرحمن آية "15".
والجن يتصف بأوصاف عديدة، ويسمى بأسماء مختلفة تبعا لأوصافه، فمنهم العفريت، والشيطان، والمارد، والغول، والخبل1، ولهم قبائل، وينقسمون إلى جماعات، وطوائف تبعا لدينهم، وقرابتهم، وأعمالهم.
والطريق إلى تجنب شرورهم هو الإيمان الصادق، وطاعة الله تعالى، يقول تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 2.
وأعمارهم طويلة، ولذلك يخبرون بأمور، يظنها الناس غيبا، ولا غيب فيها وإنما هي خبرتهم التي عاصروها من مدة طويلة، وقد علمنا أن سليمان عليه السلام مات وبقيت الجن لا تعلم موته، فدل ذلك على أنها لا تعلم الغيب.
ولو تمكن الجن من الإنسان فإنه يستطيع إلحاق ضرر به بأحد الصور الآتية:
1-
صرع الإنسان:
يمكن للشيطان أن يصرع الإنسان، يقول تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} 3، يقول الإمام الطبري، "يتخيله الشيطان في الدنيا، فيصرعه من المس، يعني من الجنون4 وفي الحديث أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها صبي به لمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخرج عدو الله، أنا رسول الله" فبرأ الصبي5، واللمم طرف من الجنون يلم بالإنسان6.
1 العفريت: القوى الداهية، والشيطان: الهائج الضار، والمارد: الخارج من مسكنه متمردا على الطاعة، والغول: الذي يتشكل بأشكال مخيفة، والخبل: الذي يضر الناس ويشوش على عقولهم.
2 سورة النحل آية "99".
3 سورة البقرة آية "275".
4 تفسير الطبري ج3 ص101.
5 مجمع الزوائد ج9 ص6 وقال عنه رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
6 النهاية في غريب الحديث ج4 ص272.
وصرع الجن للإنسان، يكون عن شهوة وعشق، أو لرد عدوان وجزاء، أو لمجرد العبث والهوى1.
2 -
ألحاق الضرر بالبدن.
يمكن للجن أن ينخس المولود في بدنه، يروي البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه:"ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه" 2 ويلحق بالإنسان المرض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الطاعون وخز من أعدائكم من الجن وهو شهادة المسلم"3.
وقد مرض أيوب من مس الشيطان، يقول تعالى:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} 4.
3-
قتل الإنسان:
قد يتمكن الشيطان من قتل الإنسان، يروي مسلم في حديث طويل حديث الفتى الذي خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، وكان يستأذن رسول الله ليعود إلى أهله بأنصاف النهار، فاستأذنه يوما، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"خد سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة"، فأخذ سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأصابته الغيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا حية عظيمة على الفرش، فأهوى إليها بالرمح فطعنها به، ثم خرج فركزه في
1 إيضاح الدلالة في عموم الرسالة لابن تيمية ص27.
2 صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الأنبياء ج6 ص469.
3 مسند الإمام أحمد ج4 ص413، طا الميمنية.
4 سورة ص الآيات "41، 42".
الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيها كان أسرع موتا؟ الفتى أم الحية1؟! في الحديث دلالة على أن الجن يمكن أن يقتل الإنسان بإرادة الله تعالى.
وعلى الجملة فالجن خلق من خلق الله تعالى، عرف الله الإنسان الطريقة الحسنة للنجاة منه، وهي منحصرة في الإيمان، والذكر والتزام شرع الله تعالى، وتطبيق آداب الدين في الحياة والمعاش.
والآيات تبين أن فريقا من اليهود نبذوا التوراة، واتبعوا السحرة الذين أضلهم الله تعالى، يقول السدي، عارضت اليهود محمد صلى الله عليه وسلم بالتوراة، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة، وأخذوا بكتاب آصف، وبسحر هارون، وماروت، يقول محمد بن إسحاق، لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان من المرسلين، قال:
1 صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب قتل الحيات ج14 ص234، 235.
2 سورة البقرة الآيات "101، 102".
بعض أخبارهم عنه: والله ما كان إلا ساحرا، والسحر هو الكفر هنا، فنفى الله عن سليمان السحر، وبين أن الشياطين هي التي كفرت لأنها ألقت إلى الأحبار أن ما فعله سليمان كان سحرا، ولم يكن رسالة إلهية.
فنفى الله كفر سليمان، أو خطأ ما أنزل على الملكين، ولكن الذين كفروا هم هاروت وماروت الموجودان ببابل بأرض العراق، وقد كفروا بتعليم السحر
…
ففي الآيات تقديم وتأخير، وهي كالتي:"وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا يعلمون الناس السحر ببابل" فهاروت وماروت بدل الشياطين1.
ويذهب جمهور العلماء إلى أن السحر حقيقة لقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} ، ولقوله تعالى:{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} 2، ورأوا أن الساحر قد يتمكن من السيطرة على المسحور، وإلحاق الأذى به بإرادة الله تعالى.
1 تفسير القرطبي ج2 ص50.
2 سورة الأعراف آية "116".