الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى عليه السلام
النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى
…
16-
موسى عليه السلام:
موسى1 عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل، أرسله الله تعالى لقومه وللمصريين، وهو من أولي العزم الذين خصهم الله بالعزم القوي، والصبر الجميل، والتحمل الشديد؛ ولذلك ففي قصته عبر وفوائد، وبخاصة أن أتباعه من بني إسرائيل ما زالوا يدعون تبعيتهم له، واليهود منهم يتصورونه خاصا بهم، والنصارى يتصورون عيسى عليه السلام جاء على دين موسى عليه السلام إلا أن الله رفع شأنه فاتخذه ابنا له، وصيره إلها معه.
إن العالم المعاصر يموج بالتيارات العديدة، والمتعارضة من اليهود ومن غيرهم؛ ولذلك كان من الأفضل الإحاطة بقصة موسى عليه السلام ودينه وأتباعه المعاصرين، وما هم عليه من عنصرية وأباطيل، ومما يحتاج لبيان توضيح الصلة بين أتباع موسى، واليهود الحاليين ليكون الحديث صادقا عن هؤلاء، وهؤلاء.
وأسأل الله تعالى أن يوفقني في هذه الدراسة عن موسى عليه السلام والتي أراها تحتاج إلى بحث النقاط التالية:
"النقطة الأولى": التعريف بقوم موسى
جاء يوسف عليه السلام ببني إسرائيل جميعا مع أبيهم إلى مصر، من البادية،
1 موسى اسم معرب من العبرية، أصله في العبرية: موشا، ومو معناها ماء، وشا معناها الشجر، والاسم يشير إلى الماء والشجر اللذين كانا حول قصر فرعون في مدينة "عين شمس"، والذي التقط منه تابوت موسى "بصائر ذوي التمييز ج6 ص61".
وأسكنهم في حاضرة مصر، وغيرها من المدن المصرية، وعاشوا معه منعمين متمتعين بسلطان يوسف وعزته، وكان الرعاة "الهكسوس" هم ملوك مصر يوم مجيء آل يعقوب، فتعاون الإسرائيليون مع الرعاة، ولم يختلطوا بالمصريين، وعاشوا في عزلة بعيدا عن المصريين.
وقد تمكن المصريون من طرد الهكسوس مع بداية حكم الأسرة الثامنة عشرة، فتغير حال الإسرائيليين، وانقلب وضعهم في المجتمع، وأخذ الفراعنة يتعاملون معهم كدخلاء، متعاونين مع الأعداء.
وكان من نتيجة ذلك أن فراعنة الأسرة الثامنة عشرة أخذوا في تكليفهم بالأعمال الشاقة، وصنفوهم في الشغل، فصنف يبني، وصنف يحرث، وصنف يزرع
…
ومن لم يكن له عمل فعليه الجزية، وهكذا ساموا الإسرائيليين {سُوءُ الْعَذَابِ} .
وقد أصدر فرعون ذلك الزمان قرارا بقتل أي ذكر يولد للإسرائيليين، وترك الإناث يعيشون.
وسبب هذا القرار أن الكهنة والمنجمين أخبروا فرعون بأن مولودا من بني إسرائيل قد أظلنا زمانه الذي يولد فيه، يسلبك الملك، ويبدل الدين، ويخرجك من مصر1.
وقيل: إن السبب هو أن الإسرائيليين كانوا يتدارسون فيما بينهم ما نقلوه عن إبراهيم عليه السلام من أن الله سيخرج من ذريته غلاما، يكون هلاك ملك مصر على يديه، وذلك بعد أن أذاه ملك مصر في زوجته سارة2.
وقيل: إن السبب رؤيا رآها الملك من أن نارا أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر جميعا وسكانها، ولم تضر بني إسرائيل، فأوَّلَها المعبرون بغلام إسرائيلي يولد، يدمر ملك فرعون مصر3.
1 تاريخ الطبري ج1 ص387.
2 البداية والنهاية ج1 ص237.
3 الكامل ج1 ص170.
أخذ فرعون الحيطة بقراره، وأمر بتنفيذه بكل دقة
…
وحدث أن قيل لفرعون: أفنيت النسل، وإنهم خولك وعمالك، فأمر أن يقتل الغلمان عاما ويستحيوا عاما، فولد هارون في السنة التي يستحيا فيها الغلمان1.
يصور القرآن الكريم فرعون هذا الزمان وعمله، فيقول تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} 2.
وهكذا انقسم المجتمع المصري إلى قسمين رئيسيين هما:
القسم الإسرائيلي: وهم أبناء يعقوب بعد أن كثر عددهم، وقد رأينا ما حل بهم بعد انتهاء حكم الرعاة، وبعدما أخذ فرعون يتعامل معهم على أساس أنهم أعداء الدولة والنظام، واتخذ من القرارات ما يكفل عدم تمكنهم من ملك مصر.
القسم الثاني: الأقباط، وهم سكان مصر الأصليون، وعليهم يقوم نظام الملك، وقد خضعوا لجبروت فرعون الذي ادعى الألوهية، واتخذه المصريون ربهم الأعلى.
إن فرعون تكبر وعلا، وقسم الشعب إلى طوائف، وفرق بين الناس ليعلو عليهم جميعا، إنه كان من المفسدين.
وكان الإسرائيليون على دين يوسف عليه السلام إلا أنهم غيّروا فيه، وبدّلوا، وأدخلوا فيه بعضا من ضلالات المصريين؛ ولذلك تشوه التوحيد لديهم، وأصبح خليطا من الشرك والتجسيد، ولم يبق معهم من دين آبائهم إلا مسماه فقط.
1 تاريخ الطبري ج1 ص388.
2 سورة القصص آية: 4.