الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَعْلَمُونَ، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} 1.
وقد عاش يوسف مؤمنا بالله تعالى، مطيعا له سبحانه، ملتجئا لجنباته في كل حالاته، حيث نراه يستعيذ بالله من فعل السوء، ويدعو الله ليصرف عنه كيد النسوة، وفي نهاية قصته يقر بنعمته عليه، وعلى أهله، وعلى الناس أجمعين، ويقول:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 2.
وهكذا يعدد كافة النعم التي عاشها، وتمتع بها إخوته، وأهله، ويشكر الله على عطائه، وفضله.
1 سورة يوسف آية: 21، 22.
2 سورة يوسف آية: 100.
"
الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية
تعلم يوسف من أبيه عليه السلام الخلق الكريم، والأدب الفاضل، وقد تجلى ذلك في مراحل حياته جميعا.
ومن أخلاقه التي تميز بها عليه السلام طهارته، وعفته، وقد رأيناه يوم أن راودته التي هو في بيتها، وهيأت نفسها له، وكررت ذلك معه، وبذلت كل ما أمكنها.
ورغم أنه شاب، له طاقته وقوته، لم يضعف أمام سيدة تميزت بالجمال والجاه، وإنما لازم الطهارة والعفة، وحاول أن يوقظ فيها العقل والخلق، وهو يقول لها ما حكاه الله تعالى:{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ، يبين لها عليه السلام أسباب عدم استجابته لرغباتها، وهي في نفس الوقت أسباب لها يجب
أن تمنعها عما سعت إليه.
فالسبب الأول: وهو الاستعاذة بالله، واللجوء إليه، تبعد المستعيذ عن الفاحشة؛ لأنه سبحانه وتعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
والسبب الثاني: وهو مراعاة حق الرب إن أراد به الله، فهو إلههما، وإن أراد به السيد فهو زوجها، ومراعاة حق الرب تقتضي أن يبتعدا معا عن المعصية.
والسبب الثالث: وهو الاعتراف بالفضل الذي يقتضي عدم الإساءة لصاحبه، وكلاهما قد أكرم الرب لهما في حياتهما، ومعاشهما.
والسبب الرابع: وهو أن حقائق الوجود البشري تؤكد أن المعتدي على حق غيره، يبوء بالإثم والخسران، وهي لهما معا.
وهكذا واجه يوسف دواعي الغواية التي فعلتها المرأة وهي: المراودة، وغلق الأبواب، والتهيؤ، بدواعيه إلى العفة وهي خوف الله، والمحافظة على عرض سيده الذي أكرمه، ومخافة الخسران والبوار.
وظل يوسف متمسكا بطهارته بعدما تجمعت النسوة، واشتركن مع زوجة العزيز في المراودة، وهددنه بالسجن، والهوان، والإذلال، وقال لهن متضرعا إلى ربه: قال تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} 1.
إن اختلاط الرجل بالمرأة، والخلوة بالأجنبية من أكبر عوامل الإفساد، ونشر الفاحشة؛ ولذلك كان الإسلام قاطعا في تحريم هذا الاختلاط.
يروي البخاري بسنده عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الحمو الموت"2.
1 سورة يوسف آية: 33.
2 صحيح البخاري، كتاب النكاح ج9 ص330.