الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ
ذكر الهدهد لسليمان سبب غيابه، وبيّن له أنه عائد من سبإ بأخبار هامة، وصحيحة، ووضح أنها تتصل بفساد في العقيدة؛ لأن أصحاب هذه المملكة، يعبدون الشمس من دون الله تعالى.
أرجأ سليمان عقوبة الهدهد، حتى ينظر في الأخبار التي أتى بها، فإن كان صادقا عفا عنه، وإن كان كاذبا عاقبه.
فكتب سليمان رسالة إلى ملكة سبأ، صدرها:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وبيّن فيها أنها مرسلة من سليمان، وكلف الهدهد بحملها، وإلقائها في مكان بحيث يصل إلى الملكة.
وصل الخطاب إلى الملكة، وقرأته، وأحاطت بما فيه، فجمعت كبار رجال مملكتها، وشاورتهم في الرسالة، وقالت لهم: إنها جاءت من عند سليمان، وإنها مصدرة بـ "باسم الله"، وإن الرسالة دعوة للجميع أن يأتوا لسليمان خاشعين، متواضعين، مؤمنين بالله تعالى، تاركين الشرك وعبادة الشمس، وطلبت من المجتمعين أن يبدوا رأيهم، ويشتركوا معها في وضع القرار المناسب، يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بسم الله الرحمن الرحيم، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} 1.
قال الحاضرون بعد أن تداولوا الرأي في موضوع الرسالة: القرار قرارك، والأمر إليك، ونحن أصحاب قوة وبأس، ننفذ ما تأمرين به، يقول تعالى:
1 سورة النمل الآيات: 29-32.
نظرت الملكة، ورأت أنه لا قبل لها بحرب سليمان، حتى لا تجر على شعبها ومملكتها الخراب، والدمار، وقالت لرجالها: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وهدفهم الاستيلاء على الديار، والأموال؛ ولذلك سأرسل لسليمان هدية مالية ضخمة، لنرى ما سيحدث، فإن كان ملكا قبلها، وإن كان نبيا ردها، ووقتها لكل حدث حديث، يقول تعالى:{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} 2.
وصل وفد الملكة إلى سليمان عليه السلام ورأى سليمان أنه لا يحمل مالا كثيرا، فقال لهم: ارجعوا بمالكم، لا حاجة بي إليه، فلقد أعطاني الله تعالى رسالة، وملكا، وسخر لي الكون كله، وآتاني ما لم يؤت أحدا من العالمين.
وحمل الوفد تهديدا للملكة؛ لأنها إن لم تصدق برسالته، وتؤمن بالله، واستمرت على كفرها، وضلالها، وعرفهم بأنه سيرسل لها جيشا ضخما، لا قبل لها به، وسوف يخرجها من مملكتها، ورجالها صاغرون، يقول تعالى:{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} 3.
عاد الوفد إلى بلقيس الملكة، فعلمت أن سليمان ليس واحدا من الملوك، تهمه الأموال والسلطان، وإنما هو رسول يدعو لدين الله، الذي أيده بالقوة، وسخر له
1 سورة النمل آية: 23.
2 سورة النمل الآيات: 34، 35.
3 سورة النمل الآيات: 36، 37.
الكون، فهيأت نفسها لتذهب إليه، وتبحث الأمر معه، وعلم سليمان بتحركها، فجمع جنوده من الجن والإنس، وطلب منهم إحضار عرشها، قبل وصولها، وسألهم
…
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} 1.
فأجابه عفريت من الجن، أنا أحضر لك عرشها قبل أن تقوم من مقامك الذي أنت فيه
…
استكثر سليمان "عليه السلام" هذه المدة، فقال رجل من علماء بني إسرائيل دعا الله باسمه الأعظم، أنا آتيك به قبل أن تغمض عينك، وقال: يا نبي الله أمدد بصرك فمد بصره نحو اليمين، فإذا بالعرش، فما رد بصره إلا وهو عنده
…
ونظر سليمان فرأى العرش ثابتا عنده، فأقر بفضل الله الذي مكن له ونصره، وطلب من الله أن يعينه على الشكر، وطلب من أتباعه أن يتوجهوا بالشكر لله، يقول الله تعالى:
قال سليمان لجنوده: نكروا لها عرشها، وغيروه، بالزيادة والنقص، فجعلوا تحت العرش ماء، وفوق الماء زجاجا، فلما وصلت بلقيس سألوها أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو: وقد علمت أن سليمان على حق منذ أن راسلني، وأسلمت قبل ذلك، يقول تعالى:{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ، وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} 3.
1 سورة النمل آية "38".
2 سورة النمل الآيات "39، 40".
3 سورة النمل الآيات "41-43".