الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبدو أن الملك لما أدخل يوسف السجن كان يتابع أخباره إعجابا به وبأخلاقه، وبالضرورة سمع عن دعوته حيث أعجب بها، بلا إعلان حتى لا يغضب كهنة الأصنام، وعبدة الأوثان وغيرهم؛ ولذلك كان شديد الترحيب بيوسف حين جاءه من السجن وقال له:{قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} .
وهكذا مكن الله ليوسف، فتولى أمر خزائن الأرض، وصار حاكما في مصر، ولعل هذا الوضع ساعده على نشر دعوة التوحيد بين الناس.
ولما جاء بنو إسرائيل إلى مصر تعاونوا مع الهكسوس، ولم يندمجوا في المجتمع المصري، وكانوا للرعاة عونا على المصريين؛ ولذلك لما استردّ الفراعنة زمام الأمور مرة أخرى في الأسرة الثامنة عشرة أخذوا في مقاومة الإسرائيليين، وديانتهم، وتمكنوا من طردهم من مصر في زمن موسى عليه السلام-1، ذلكم هو المجتمع الذي عاش فيه يوسف عليه السلام حتى لقي ربه.
1 في ظلال القرآن 12 ص181-183 بتصرف، ويرى صاحب الظلال أن مقاومة المصريين للإسرائيليين لم تكن دينية، وإنما كانت سياسية، ونفسية غالبا.
النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام
مدخل
…
"النقطة الثانية": "التعريف بيوسف عليه السلام"
وهب الله يعقوب عليه السلام اثني عشر ولدا، أحدهم يوسف عليه السلام وقد تزوج يعقوب عليه السلام عددا من النسوة، ورُزق من راحيل بولدين، فليوسف أخ شقيق، والباقون إخوة لأب، وأخو يوسف الشقيق هو "بنيامين"، وترتيب يوسف بينهم الثاني عشر، وقد تميز منذ صغره بسعة العقل، وسلامة الخلق، وكان محل حب أبيه لنجابته، وصغره، ويتمه بموت أمه، وزاد من حب أبيه له الرؤيا التي رآها،
وقصها له، وعنها يقول الله تعالى:{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} 1
…
وقد فهم يعقوب عليه السلام من هذه الرؤيا البشارة بنبوة يوسف عليه السلام وعلم أن أمر الرسالة سينتقل من بعده له، فنصحه بعدم إخبار إخوته بهذه الرؤيا منعا للكيد، ومحافظة على المودة والألفة.
وإخوة يوسف الأحد عشر هم الأسباط، وعنهم عبرت الرؤيا بالكواكب، أما القمر فهو أبوه، وأما الشمس فهي أمه، أو خالته.
وقد راعت أقدار الله يوسف عليه السلام وأحاطته العناية الإلهية، فنشأ متمتعا بجمال فائق، عبر عنه النسوة بقولهن:{مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} 2، وصار يضرب به المثل في الجمال.
يذكر السهيلي أنه كان على النصف من حسن آدم؛ لأن آدم بلغ نهاية الحسن3
…
وجاء في بعض الروايات أن أهل مصر أصابهم الجفاف في عصر يوسف، فكانوا ينسون جوعهم بالنظر إلى يوسف تلذذا بجماله وحسنه4، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"رأيت يوسف ليلة أسري بي في السماء الرابعة" فقيل: كيف رأيته؟ قال: "كالقمر ليلة البدر"5.
وتميز يوسف عليه السلام بالرشد والفهم، يقول الله تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} 6.
واشتهر بصدق المعاملة، والإخلاص في عبادة الله، والاعتراف بالمعروف يسدى إليه، يدل على ذلك قوله تعالى:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} 7.
1 سورة يوسف آية: 4.
2 سورة يوسف آية: 31.
3 البداية والنهاية ج1، ص205.
4 مدرسة الأنبياء ص122.
5 بصائر ذوي التمييز ج6، ص47.
6 سورة يوسف آية: 22.
7 سورة يوسف آية: 24.
{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} 1.
وعرف بالعدل، والإنصاف، والصبر، والتحمل، وعفة اللسان، ونبل الأخلاق، فكان هو هو بخلقه وشخصيته في كل أحواله، رغم تقلبها الواضح، وتنوع انقلابها وتحولها، فتارة هو في الجب، وأخرى في بيت العزيز
…
ومرة في السجن، وأخرى واليا لخزائن أرض مصر.
وقد عاش عليه السلام حتى تحققت رؤياه، ومات بأرض مصر ودفن بها، ثم نقل جثمانه إلى فلسطين في زمن موسى عليه السلام، يدل على ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن أبي موسى الأشعري أن بعض الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عجوز بني إسرائيل.
فقال عليه السلام: "إن موسى عليه السلام حين أراد أن يسير ببني إسرائيل ضل عنه الطريق، فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ قال له علماؤهم: إن يوسف عليه السلام حين حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من أرض مصر حتى ننقل عظامه معنا، فقال موسى: أيكم يدري أين قبر يوسف؟ قالوا: ما علم أحد قبره إلا عجوز بني إسرائيل، فأرسلوا إليها، وأتوا بها، وسألوها عن قبر يوسف
…
فانطلقت بهم إلى بحيرة فيها ماء، فأمرتهم أن يجففوا ماءها، فلما جففوها حفروا بها واستخرجوا منها عظام يوسف، فلما أقلوه معهم من أرض مصر، إذا الطريق مثل ضوء النهار" 2.
وتحتاج الإحاطة التفصيلية بنشأة يوسف عليه السلام ومعرفة أطوار حياته إلى دراسة موضوعات رئيسية في قصته، وأهمها:
1 سورة يوسف آية: 23.
2 مسند الإمام أحمد، والحديث صحيح صححه الهيثمي والألباني، والعظم يسمى به البدن، قصص القرآن ص248.