الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم
عليه السلام
إن قصة آدم عليه السلام تؤكد الركائز التالية:
الركيزة الأولى:
إيجاد الإنسان الأول وقصته يؤكدان مدى تكريم الله للإنسان، واتساع دوره في قيادة المخلوقات الأخرى، وخلافة الله في الأرض.
لقد أعلن الله سبحانه وتعالى ميلاد الإنسان في حفل علوي، شهوده الملائكة، وبيانه الإنسان خليفة الله، والكون كله عون له.
ولكن: ما سر تفضيل الإنسان على الملائكة؟
يرى الإمام القرطبي أنه لا سبيل إلى تفضيل جنس على جنس، أو شخص على شخص إلا بدليل وبرهان، وقد بين الله فضل آدم على الملائكة فثبت له1. ويذهب أهل السنة إلى تفصيل هذا التفضيل حيث يرون أن من البشر والملائكة خواص وعوام، ويقولون: إن خواص البشر وهم النبيون، والصديقون، أفضل من الملائكة، وخواص الملائكة وهم المذكورون في القرآن الكريم كمالك وجبريل، أفضل من عوام البشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه" 2. وذكر أن الصالحين من عوام البشر أفضل من عوام الملائكة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"3.
ويرى الإمام الغزالي أن الأفضلية تعود إلى المجاهدة، والتقوى، والاستقامة، فالملائكة مخلوقة من نور، لا شهوة لديهم، فديدنهم الطاعة، أما الإنسان فإنه مركَّب من عقل
1 الجامع لأحكام القرآن ج1، ص289.
2 الأحاديث القدسية ص25.
3 رواه الطيالسي عن صفوان بن عسال، فيض القدير ج2، ص392.
وشهوة، فمن جاهد شهوته، وحكم عقله، وأطاع ربه، فهو أفضل من الملائكة بالمجاهدة، يقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} 1، ومن غلبته شهوته فهو أدنى من البهائم، يقول تعالى:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} 2.
ورأى الإمام الغزالي هو الأولى3؛ لمصاحبته الدليل، وبتحليل بقية الآراء فإنها ترجع إليه، وكلها تلتقي عند قوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 4.
الركيزة الثانية:
هذا الإنسان الصغير في حجمه، كبير في رسالته، أعطاه الله القدرة على التعامل مع عالم الغيب، وعالم الشهادة، فهو يتعامل مع الله بلسانه، وبقلبه، وبجوارحه، ومع الملائكة يحفظونه ويعاونونه، ويكتبون أعماله جميعا، ومع الجن، ومع الناس، ومع سائر المخلوقات له تعاملات.
إنه يحتاج إلى استعداد يمكنه من النجاح في تعاملاته
…
لا بد أن يكون عبدا لله مخلصا، مهتديا بهدي ربه، ملتزما بشرعه ليتلاءم مع صفاء الملائكة، ويبتعد عن عبث الشيطان، ويحبه أهل الأرض.
وعليه أن يكون مع الناس حليما، كريما، يحفظ لهم أقدارهم، ويتسامح عن أخطائهم، ويعاملهم بما يناسبهم، ويتعلم من الله تعالى أن يسمع ويجيب، فلقد استمع الله لاعتراض الملائكة، وهم يسألون:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} وأجابهم بما يقنعهم، وحاور إبليس بعد أن أبى واستكبر.
1 سورة البينة آية: 7.
2 سورة الأعراف آية: 179.
3 مدرسة الأنبياء ص18، 19.
4 سورة الحجرات آية: 13.
إن هذا الإنسان قادر بعطاء الله أن يكون سيد الكون بحق لو التزم بشرع الله، واتبع هداه
…
الركيزة الثالثة:
الإنسان مكوَّن من مادة وروح، وكل عنصر يميل به إلى موطنه الأول، وتجذبه المادة إلى حب المال والملك، وإلى الدوام والخلود، ويأتيه الشيطان من هذا الجانب، وقد ينجح الشيطان أحيانا.
وعلى الإنسان أن يقاوم جذب المادة بتقوية الروح، والاستعلاء على الشهوات، وإشباعها بما شرع الله تعالى، ولا يسمع لوساوس ونزغات إبليس.
وإذا ضعف مرة، ونجح الشيطان في إغوائه، فعليه أن يبادر إلى التوبة والاستغفار، والله هو غافر الذنب، وقابل التوب، وهو الرحمن الرحيم.
إن المعركة بين الإنسان والشيطان مستمرة، وعلى المسلم أن يعد للأمر عدته، وليعلم أن مع إبليس كثيرا من شياطين الإنس والجن
…
أعاذنا الله منهم.
الركيزة الرابعة:
ما يزال فضل الله موصولا للإنسان، فكل الكون مسخر له، وجميع المخلوقات في خدمته، وقد كلفه لله بالإسلام يطبقه جميعا، وعليه أن يختار لنفسه إما أن يكون مسلما قانتا، مطيعا، وأولئك هم المفلحون، وهم خير البرية، وإما أن يخلد إلى الأرض، ويتبع الهوى، ويهمل طاعة الله، ويكون من من جنود إبليس، وحينئذ يكون ممن قال الله فيهم:{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 1، وعلى العاقل أن يعي، ويتدبر، ويختار، والله لا يهدي القوم الظالمين
…
1 سورة الأعراف الآية: 176.