الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود
إسرائيل عليه السلام هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ومن أبنائه تناسل الإسرائيليون، وكثر شعبهم.
وقد انقسم أبناء يعقوب عليه السلام من بعده إلى شِيَع، وجماعات، وبطون، وأفخاذ، وتباينت مواقفهم، وتعددت مذاهبهم، ومن أشهر جماعاتهم اليهود المنتسبون إلى "يهوذا" أكبر أبناء يعقوب، والعرب تقلب الذال دالا، وقيل: هم الذين تابوا من عبادة العجل ورجعوا إلى الله تعالى، ومنه قوله تعالى:{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} 1، أي: تبنا ورجعنا.
فاليهود جماعة من بني إسرائيل
…
ومن هنا ندرك سر حديث القرآن الكريم عن بني إسرائيل، وعن اليهود، حيث نلمس اختلافا واضحا بين هذا، وذاك.
فحديث القرآن الكريم عن بني إسرائيل يتضمن ملامح التكريم، والتفضيل، والتنعيم، وفي عجالة سريعة نقرأ قوله تعالى:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} 2، فقد ناداهم الله باسم أبيهم إسرائيل، رسول الله إليهم، وأمرهم بضرورة ذكر النعم التي جاءتهم؛ ليشكروا من أنعم بها عليهم
…
ولتكون النعم دليلا على المنعم سبحانه وتعالى، وعرفهم سبحانه بأنه فضلهم على عالمي زمانهم، أو على كل العالمين، إذا ظلوا مطيعين له،
1 سورة الأعراف آية: 156.
2 سورة البقرة آية: 47، ويلاحظ أن الله تعالى أمر أمة محمد بذكره مباشرة، فقال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم} ؛ ليكون نظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المنعم إلى النعم، وغيرهم من النعم إلى المنعم، والفرق بينهما كبير.
وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم حين يأتيهم، يقول تعالى:{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} 1؛ لأن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وفاء بعهدهم مع الله تعالى2.
ويقول تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} 3، فلقد نظم الله شئونهم ومعاشهم، فاختار منهم اثني عشر نقيبا4، وعين لكل سبط نقيبا، والنقيب هو الرجل العظيم في قومه، ذو الخلق الحسن، العارف بما في نفوسهم ودخائلهم، المسئول عن توجيههم ونصحهم.
وعرفهم الله تعالى أنه معهم بالمعونة والنصر، إن استقاموا على منهجه في إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل، ونصرهم، ودفع أعدائهم، والتصدق بالمال؛ لأن ذلك هو المنهج الصحيح، وما يخالفه فهو خطأ وضلال.
1 سورة البقرة آية: 41.
2 تفسير القرطبي ج1 ص333.
3 سورة المائدة آية: 12.
4 تفسير القرطبي ج6 ص113، وفيه ذكر أسماء الأسباط والنقباء.
ويقول تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} 1، وهؤلاء المستضعفون هم بنو إسرائيل الذين استذلهم فرعون، وقد جعل الله لهم أرض مصر والشام، فمشارق الأرض يراد بها أرض الشام، ومغاربها يراد بها أرض مصر2، وقد أورثهم الله هذه الأرض لاستقامتهم على دينه واتباعهم لموسى عليه السلام ولذلك فالإرث لأهل ذلك الزمان فقط؛ لأن من جاء بعدهم لم يستمروا على الدين الإلهي الصحيح.
ويقول تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} 3، وهذه الآية تحدد نوعية الإرث المذكور في الآية السابقة، ويراد به السكنى والإقامة، ولكنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وناصبوه العداء، فلزم حرمانهم من عطاء الله تعالى، إلى أن يأتيهم العذاب يوم القيامة.
ويقول تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} 4، وفي الآيات بيان لاختيار الله لبني إسرائيل، وتفضيلهم على عالمي زمانهم، بكثرة الإيتاء، وتنوع المعجزات، وتعدد النعم، وتلون الابتلاء والاختبار.
1 سورة الأعراف آية: 137.
2 تفسير القرطبي ج7 ص272.
3 سورة يونس آية: 93.
4 سورة الدخان الآيات: 32، 33.
ويقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} 1، والآية شاهد آخر على تفضل الله على بني إسرائيل، فلقد آتاهم الله التوراة، وجعل منهم الأنبياء، والسلطان، والحكم في الناس، والفهم للكتاب المنزل، والشريعة الموحى بها، ورزقهم من كل أنواع الحلال، قوتا، وطعاما، وثمرا.... وفضلهم سبحانه وتعالى على عالمي زمانهم.
هذا حديث القرآن الكريم عن بني إسرائيل، المنتسبين إلى رسول الله يعقوب عليه السلام وفيه تقدير لنبي الله "إسرائيل" الذي انتسبوا إليه.
أما حديث القرآن عن اليهود فيختلف اختلافا بينا، ونلمح ذلك حين نعرف أن القرآن الكريم عرفنا بانقسام الإسرائيليين إلى فريقين، يقول الله تعالى:{فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} 2، وقد وصل الافتراق بينهم إلى التعارض، والتضاد، فأيد الله المؤمنين على من عارضهم بالبرهان، والحجة، واليقين.
وقد أشار الله إلى الكافرين من بني إسرائيل في قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} 3.
1 سورة الجاثية آية: 16.
2 سورة الصف آية: 14.
3 سورة المائدة الآيات: 78-80، والآيات تجيز لعن من ضل وكفر، وإن تسمى باسم الرسول.
والآيات تبين أن بعض بني إسرائيل قد كفروا برسالة موسى عليه السلام وأنهم استحقوا اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى، ونزل لعنهم في الزبور والإنجيل، بسبب عصيانهم، وتركهم النهي عن المنكر، وتعاونهم على المعاصي.
ودلالة عصيانهم، وضلالهم اتخاذهم الكفار أولياء من دون المؤمنين، وهم ليسوا بمؤمنين بنبي من الأنبياء بدءا من إسرائيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم في الحقيقة.
هؤلاء الذين كفروا من بني إسرائيل هم اليهود، كما نتبين من حديث القرآن الكريم عنهم.
يقول الله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1، واليهود بقولهم هذا يتخيلون الجنة لهم خاصة، وهي أمنية لا برهان عليها، من قول أو عمل فهم كاذبون.
ويقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} 2، واليهود بهذه المقالة يتصورون أنهم وحدهم على الحق، ويرون غيرهم على ضلال، ومع أنهم يقرءون كتاب الله المنزل، وفيه بطلان مقالتهم، إلا أنهم يقولون بذلك كراهية لغيرهم من البشر كما قال غيرهم ممن سبقوهم، وسوف يعاقبهم الله تعالى أشد العقاب.
ويقول تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا
1 سورة البقرة آية: 111، وقد أجاز القرآن أن يكون {هُودًا} بمعنى: يهوديا.
2 سورة البقرة آية: 113.
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} 1. والآية تبين الانحراف الخلقي عند اليهود، فهم يحرفون التوراة، ويؤولونها بغير ما تتأول به، ويعبثون بالوحي، فيقولون: سمعنا وعصينا، ويدعون لعدم الطاعة وعدم السمع، وصرف الناس عن الحق، ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمع ولن تسمع، ولن يستجاب لك، وبدل أن يقولوا: راعنا المكونة من فعل الأمر ونا المفعولية، يقولون: راعنا بالتنوين، بمعنى: سفيها، وكانوا يطعنون في الدين، ولو أنهم استقاموا وأطاعوا لكان خيرا لهم
…
لكنهم كفروا فلعنهم الله تعالى.
ويقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} 2، والآية نزلت في اليهود حين خوفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب، وقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة، ووهب بن يهوذا: ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ونحن أبناء الله وأحباؤه، فوجه الله لهم سؤالا وهو: فلم يعذبكم بذنوبكم؟ لأنهم يقرون بهذا العذاب للعصاة منهم
…
فإن أجابوا بأنهم لن يعذبوا، فقد تناقضوا، وإن أقروا بالعذاب، فقد كذبوا أنفسهم، والحق أنهم بشر كسائر الناس، وأمرهم إلى الله تعالى3.
ويقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا
1 سورة النساء آية: 46.
2 سورة المائدة آية: 18.
3 تفسير القرطبي ج6 ص120.
وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 1 وكذبوا، وضلوا بمقالتهم هذه التي قالوها، حينما قل مالهم بسبب عصيانهم، وقد قال بعضهم هذه المقالة، فلما لم ينكرها الآخرون صاروا كأنهم جميعا قالوها.
ويقول الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 2، والآية تبين لونا من ألوان كفر اليهود، حيث يجعلون لله ابنا هو عزير3، وما كان لهم أن يفعلوا ذلك، لكنه الضلال والكفر
…
يقول القرطبي: وأرادوا بالبنوة بنوة النسل، وهذا أشنع الكفر4.
ويقول الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 5، وفي الآية رد على اليهود حينما تصوروا أفضليتهم، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، رغم معاصيهم، وقال لهم الله: إن كنتم صادقين في مقالتكم فتمنوا الموت؛ لتعودوا لأبيكم وحبكم، لكنهم لن يتمنوا ذلك أبدا؛ لعلمهم بمعاصيهم، وظلمهم، وكذبهم.
1 سورة المائدة آية: 64.
2 سورة التوبة آية: 30.
3 روي في سبب هذه المقالة أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى عليه السلام فرفع الله عنهم التوراة، ومحاها من قلوبهم، فراح عزير يسيح في الأرض، فأتاه جبريل، فقال له: أين تذهب؟ قال: أطلب العلم، فعلمه التوراة كلها -كرامة له- فجاء إلى بني إسرائيل فعلمهم التوراة، فقالوا: إن هذا لم يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله "تفسير الطبري ج14 ص202".
4 تفسير القرطبي ج8 ص117.
5 سورة الجمعة آية: 6.
وهذا الاختلاف في تصوير القرآن الكريم لليهود، ولبني إسرائيل يجب أن يكون معلوما في إطار دراسة دعوة موسى عليه السلام.
يقول الأستاذ إبكار السقاف: لا بد من معرفة من هم العبرانيون، والإسرائيليون، واليهود، وذلك بمراجعة أحداث التاريخ القديم.
ويرى أن العبرانيين: يرجعون إلى عشيرة عُرفت باسم "عبرو" أو "عبريوا" أو "عبران" نسبة إلى جدها الأعلى "عابر"
…
ووجدت العشيرة في بلاد بابل، في مدينة "أور" الواقعة بين دجلة والفرات، وقد هاجر أفراد من العشيرة إلى "حران"، واستقرت في أرض كنعان، وتكاثرت هذه العشيرة، وعرفت بالعبرانيين، وإليها ينتسب خليل الله إبراهيم عليه السلام وبعد إبراهيم انقسمت العشيرة إلى عشائر عديدة، ذابت جميعها في الشعوب التي عاشوا معها.
أما بنو إسرائيل: فهم وحدهم أبناء يعقوب بن إسحاق الذي عرف بإسرائيل، وأبناء يعقوب هم الأسباط، وعددهم اثنا عشر رجلا:
راءؤيين، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويساكر، وزوبولون، من أمهم "ليئة"
…
و"داني، ونقتال" من أمهم "بلهة"
…
و"حاد" و"أشير" من أمهم "زلفة"
…
و"يوسف" و"بنيامين" من أمهم "راحيل"
…
هؤلاء هم أبناء إسرائيل، ومن نسل هؤلاء الأبناء تكونت بيوت إسرائيل، وقد أضاف كل ابن اسم أبيه إلى بيته، فعرفت ذريتهم ببني إسرائيل....
فالإسرائيليون هم أبناء يعقوب خاصة....
أما أبناء عابر، جد إبراهيم عليه السلام وأبناء إبراهيم عليه السلام من غير سارة، فليسوا إسرائيليين.
فإسماعيل ابن "هاجر" ليس إسرائيليا
…
وزمران، ويفشان، ومدان، ويشتاق، وشوح أبناء إبراهيم عليه السلام من "قصورة"، فليسوا بإسرائيليين أيضا.
وكل من تفرّع من نسل هؤلاء، فليس إسرائيليا
…
وقد تسرب عامل الفناء في الإسرائيليين عقب وفاة سليمان عليه السلام وأدى احتلال الآشوريين لمملكتهم إلى القضاء النهائي على الشعب الإسرائيلي عام 701 قبل الميلاد.
وأما اليهود: فهم ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: ينسب إلى "يهوذا" رابع أبناء يعقوب عليه السلام وظهرت نسبة أبنائه إليه، بعد أن أصبح اسمه علما على الإقليم الذي اختص به، بعد أن قسمت الأرض على بيوت إسرائيل، وقد اندثر هذا القسم بالغزو البابلي، الذي أحرق "أورشليم" وهدم الهيكل، وقتل وشرد من لقيه من اليهود في هذه المنطقة، وأسر منهم خمسين ألفا، ونفاهم إلى أرض بابل عند نهر الفرات، واستمروا هناك وذابوا مع الزمن في شعبها.
والقسم الثاني: وهو الموجود في الزمن الحاضر، ويتمثل في اليهود الحاملين لجنسيات مختلفة، في مناطق مختلفة، الذين توارثوا الدين اليهودي عن أسلافهم، الذين سكنوا شرق أوروبا، وكانت لغتهم تعرف بـ "الليدية".
وهؤلاء لا يرتبطون بالعبرانيين، ولا بالإسرائيليين، ولا بأبناء يهوذا، بصلة نسب، وقربى
…
إنهم ينحدرون من قبائل الخزر المنغولية، التي تمكنت من تأسيس مملكة وثنية في منطقة واسعة، تقع في شرق أوروبا، يحدها من الشرق جبال الأورال، ومن الغرب وسط أوروبا، ومن الشمال موطنهم الأصلي، ومن الجنوب البحر الأسود، وقد اعتنقت هذه المملكة اليهودية.
إن هذه المملكة عرفت في التاريخ واشتهرت بالقسوة، والميل لسفك الدم
…
ولما انحلت مملكة الخزر هذه، توزع أبناؤها في البلاد المجاورة، فانتشروا في أوروبا شرقا، وغربا، وشمالا، وجنوبا، ومع حركة الاستعمار الأوروبي للعالم انتشر أفراد من اليهود في بلاد العالم المختلفة، وصار لهم وجود وأثر1.
هذا
…
ويؤكد العلم الحديث أن اليهود المعاصرين لا صلة لهم بأبناء يعقوب عليه السلام.
يقول الأستاذ أوجين بتلر2: "إن جميع اليهود بعيدون عن الانتماء إلى الجنس اليهودي".
ويقول الدكتور محمد عوض3: "إن شعبا يهوديا كبير العدد، قد تم تكوينه قبل ميلاد المسيح بقرنين أو ثلاثة في الحوض الشمالي لنهر الراين، ثم تفرعت منه مجموعات أخرى في بولندا، وفي روسيا الغربية، وقد ازدادت هذه المجموعات في العدد، حتى أربى عددها على تسعة أعشار اليهود في العالم".
ويقول الأستاذ رايلي4: "إن تسعة أعشار اليهود في العالم يختلفون عن سلالة أجدادهم اختلافا واسعا ليس له نظير، وإن الزعم بأن اليهود جنس نقي حديث خرافة".
ويقول الأستاذ تبار5: "إن اليهود عبارة عن طائفة دينية، اجتماعية، انضم إليهم في جميع العصور أشخاص، من شتى الأجناس، وهؤلاء المتهودون جاءوا
1 انظر إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة ص43-50.
2 الأستاذ أوجين بتلر، أستاذ علم الأنثروبولوجيا في جامعة جنيف.
3 الدكتور محمد عوض، عالم جغرافي معاصر، تولى عمادة كلية الآداب جامعة القاهرة، وله مؤلف تحت عنوان "المسألة الصهيونية في نظر العلم".
4 الأستاذ رايلي، من علماء الأجناس في القرن التاسع عشر، وله مؤلف عن "أجناس أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر"، وأهمية كتابه أنه ألفه قبل حدوث المشكلة الصهيونية.
5 الأستاذ تبار زميل للأستاذ رايلي في مؤلفه السابق.
من جميع الآفاق، فمنهم الفلاشا سكان الحبشة، ومنهم الألمان ذوو السحنة الألمانية، ومنهم التاميل وهم اليهود السود من الهند، ومنهم الخزر وهم الذين سكنوا شرق أوروبا وأسسوا مملكة بها، وعند انحلالها توزعوا في أوروبا، وهم اليهود الأوروبيون".
ويقول الدكتور محمد عوض: "إن يهود أوروبا من أصل أوروبي، ويهود اليمن من أصل يمني، ويهود الحبشة من أصل حبشي، ومن الافتراء على الحقيقة أن يقال: إن اليهود شعب لا وطن له، إنهم أعضاء في شعوب كثيرة، ولهم أوطان عديدة"1.
إن تسمية اليهود ببني إسرائيل تسمية مجازية، واليهود المعاصرون لا يرتبطون بأبناء يعقوب بقربى، أو نسب، ويا ليتهم آمنوا بدين يعقوب إيمانا حقيقيا، وانتسبوا له انتسابا مقبولا.
إنهم حرفوا كلام الله، وبدلوه، وصنعوا من عقولهم دينا مشوها، مليئا بالعنصرية، والمادية، والاستعلاء، ومحاربة الخير لسائر الناس من غير اليهود
…
واليهود اليوم هم الذين جاءوا من منغوليا، يعيشون بالمناهج التي وضعوها لأنفسهم، ودونوها في التلمود، والبروتوكولات، وتفسيرات الكهنة والأحبار لكتابهم المقدس.
واليهود المعاصرون رغم كفرهم برسالات الله، يتسترون باسم نبي الله يعقوب "إسرائيل"؛ ليظهروا بمظهر المؤمنين المتبعين لدين الله، ووصل بهم حد الاستخفاف بالعقول أن سموا دولتهم، وكثيرا من معالم حياتهم باسم "إسرائيل" تماديا منهم في الخداع، والتضليل.
ولن يستمر خداعهم؛ لأن عمر الزيف لا يدوم.
هل كان يعقوب عليه السلام يرضى بالاستيلاء على حقوق الآخرين؟ وهل فعلها
1 ما جاء عن العلم الحديث ورد ملخصا في مقالة للدكتور نعمات أحمد، بجريدة الأهرام ص13 في 15/ 5/ 2002م.