الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 1، وقال تعالى:{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 2، وقال تعالى:{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} 3.
وقد خصه الله بالتكلم، وأنزل عليه المعجزات الكثيرة، وأرسل معه أخاه هارون؛ ليعينه، ويشاوره، ويخلفه.
وقد دعا موسى عليه السلام طوائف عديدة، وواجه الملوك، والأمراء، والعلماء، والسحرة، والمستضعفين المستعبدين.
حيث كانت دعوته للمصريين وللإسرائيليين.
وتعد رسالة موسى عليه السلام وحركته بالدعوة معلما بارزا للدعاة، يأخذون منه الفوائد والعبر؛ ولذا استنبط من قصته الركائز التالية:
1 سورة طه آية: 39.
2 سورة الأعراف آية: 144.
3 سورة طه آية: 13.
الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة
جاء الرسل جميعا بدعوة أقوامهم إلى توحيد الله تعالى توحيدا خالصا، يشتمل على الالتزام بما يقتضيه هذا التوحيد بصورة كاملة.
إن التوحيد بشموله، وكماله يقتضي من المؤمن أن يتعامل مع الله بما يليق به، فلا بد من اليقين بأنه سبحانه وتعالى له الحكم، والأمر كله بيده، وقدرته شاملة لكل ما كان، وما هو كائن، وما سيكون إلى يوم القيامة، ومن هذا اليقين يتوجه المؤمن
إلى الله بعمله، وقوله، وسلوكه، ويحول حياته كلها إلى عبادة خالصة لرب العالمين
…
إن العبد الرقيق المملوك لرجل يعيش حياته لسيده، فنشاطه وماله وولده لسيده، ومن إخلاصه لسيده يعيش مطيعا له ظاهرا وباطنا، ويستمر في الامتثال، راضيا، سعيدا.
والإنسان عبد لله في الحقيقة، فإذا ما تيقن حقيقته، وقدر الله حق قدره، عاش لله بصورة كلية، يقول الله تعالى وهو يعلم محمدا هذه العبودية:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين} 1.
إن العبودية الصادقة تتضمن بعض الأساسيات الهامة المستفادة من الآيات:
أ- الاعتراف الصادق بأن الدين هو الصراط المستقيم، الذي أنزله الله على عباده، بواسطة الرسول المكلف من قِبَل الله تعالى.
ب- الإقرار بأن كل ما يقع في ملك الله تعالى هو بعلمه، وبإرادته، وقدرته، وأن الهداية إلى الحق، والخير قدر من الله تعالى، يحققه لمن يشاء من عباده وفق عدل الله، ورحمته.
ج- إن الدين الصحيح المستقيم، هو دين إبراهيم عليه السلام الذي دعا إلى التوحيد والملة المستقيمة، مع البراءة المطلقة من كل ألوان الشرك، سواء كان شركا قوليا، أو عمليا، أو ظاهرا، أو باطنا.
د- إن كل نشاط يقوم به العبد المؤمن، يجب أن يكون عبادة لله الواحد
1 سورة الأنعام الآيات: 161-163.
وذلك بنية التوجه لله، وإرادة الطاعة، والاستقامة على منهج الله تعالى، فالعبادات المشروعة المحددة، وغير المحددة، وأعمال الحياة، ووصايا ما بعد الموت تكون لله بالقصد والنية، ومن المعلوم أن الأعمال العادية تتحول بالنية إلى عبادة، وعلى المسلم أن يوحد ربه؛ ليكون مسلما صادقا.
إن التوحيد بشموله هو منهج حياة متكامل، وهو كفيل بصناعة الإنسان، والجماعة صناعة ربانية، خالصة.
ولهذا كان إبليس وذريته، يلعب بالناس، ويبعدهم عن التوحيد، بصورة كلية أو جزئية، بلا يأس، أو قنوط.
ولهذا أيضا بعث الرسل عليهم السلام لكل الأمم؛ لإنقاذهم من كل مظاهر الشرك، والفساد.
وقد استمر الموكب الكريم من رسل الله، في دعوتهم الناس إلى الدينونة المطلقة لله رب العالمين.
ومع الرسل كان موسى عليه السلام الذي واجه ادعاء فرعون الألوهية، واستعلاء هامان وقارون، بالقوة، والمال، وخضوعهم لفرعون، وقوته، كما واجه طاعة العامة لفرعون في ضلاله، وكفره، وأيضا واجه الإسرائيليين بمكرهم، وخداعهم، وضعفهم، وماديتهم
…
وكان عليه السلام واضحا في دعوته إلى التوحيد الخالص، بحقيقته، وشموله، وبيّن لهم أن هذا التوحيد يتضمن أركان العقيدة، وجوانب الشريعة، وكافة القيم الأخلاقية النبيلة
…
وعلى هذا يتأكد لنا أن الدعوة إلى التوحيد تحتاج إلى الجهد المبذول، وتحتاج إلى استمرارية الدعوة إلى يوم القيامة.