الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام
مدخل
…
القسم الأول: دعوات الرسل "عليهم السلام"
تمهيد:
أكرم الله الناس وكلفهم بعبادته، وسخر لهم كل ما خلق، وتفضل عليهم برسالاته المتتابعة حتى لا يحرموا من توجيه الله، ويعيشوا سعداء بالوحي المنزل، الذي يعرفهم بالصراط المستقيم، ويربط لهم الدنيا بالآخرة.
ومن عظيم كرم الله تعالى أن قدر للإنسان الأول أن يكون رسولا يوحى إليه، هو آدم "عليه السلام" أبو البشر والناس أجمعين، فمنه خرجت زوجته حواء، ومن آدم وحواء تناسل الناس وعمر الكون، وتكاثرت القبائل والشعوب، وتكونت الأوطان والأمم.
ومن اللحظة الأولى لوجود آدم "رضي الله عنه" كان وحي الله، وكان دينه، وكانت ضخامة المسئولية التي تحملها الإنسان، والتي تلزمه بالتعامل مع العوالم العديدة التي خلقها الله تعالى.
إن هذا التكريم يؤكد تهافت المذاهب الوضعية، التي تجعل الإنسان متطورا من غيره، وتلحقه بعالم الحشرات والحيوان.
كما يؤكد ضلال المذهب النفسي الفرويدي، الذي يصور الإنسان كيانا غارقا في الجنس من بدء الحياة إلى نهايتها.
ويؤكد كذلك على بعد المذاهب المادية الجدلية عن الحق؛ لأنها تهمل الإنسان، وتجعله كيانا خاضعا لتأثيرات المادة، وقوانينها الحتمية، بعيدا عن الإيمان بالحق، وتعاليم الله.
وتستمر عناية الله بالناس، إذ يتفضل عليهم برسالة جديدة كلما احتاجوا إليها، بأن تختفي معالم الرسالة السابقة، أو يتقدم الإنسان فكريا، وعلميا، وحضاريا
إلى درجة تصير بعدها الرسالة السابقة قاصرة عن تحقيق غايات الدين ومراميه، أو تنقسم الأمة إلى جماعات فتحتاج كل جماعة إلى رسالة تناسبها. وهكذا تعددت الرسالات، وكلها تبين عناية الله بالناس، وتكريمه لهم على الزمن كله.
والرسل -عليهم الصلاة والسلام- هم خير البشرية، وأصفاهم نفسا، وأزكاهم عقلا، وأسرعهم إيمانا، وأحسنهم طاعة واستقامة. اصطفاهم ربهم سبحانه وتعالى وهو:{أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 1، وأمدّهم بعلم لا يعلمه سواهم، يقول تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} 2.
وأحاطهم بالأمان والحفظ، قال تعالى:{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} 3.
وأفاء عليهم بالنعم الوافرة، والهداية السابغة، واختارهم لرسالته التي هم بفضل الله أحق بها وأهلها، قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} 4.
ويقول سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} 5.
وجعلهم سبحانه وتعالى مصدر الهداية، ومناط الأسوة والقدوة، يقول تعالى:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} 6.
1 سورة الأنعام آية: 124.
2 سورة الجن آية: 26، 27.
3 سورة الصافات آية: 181.
4 سورة مريم آية: 58.
5 سورة الأنعام آية: 89.
6 سورة الأنعام آية: 90.
وكلف الناس بطاعتهم والاستقامة على هديهم، وتوجيهاتهم، يقول تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} 1.
إن هذه الصفوة المختارة للرسالة أدت أمانة الدعوة بالبلاغ الواضح، والخطاب السهل، والحوار الهادئ، لم يتكلفوا، ولم يتحدثوا بكلام غير مفهوم، يوضح ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا حالته وأحوال إخوانه الرسل السابقين، فينطق بقول الله تعالى:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} 2، هذه الكوكبة العظيمة من الرسل عانت كثيرا من العنت والمشاق، وواجهت عديدا من المعارضات والأعداء، وفي كل الحالات أدت ما كُلفت به؛ ولذلك كتب الله لرسله النصر دائما، يقول تعالى:
ومع إيماننا بأن الله أرسل عديدا من الرسل لا يحصيهم إلا هو سبحانه وتعالى، فإني سأكتفي بالبحث في الدعوات التي ذكرها القرآن الكريم، وأترك ما سكت عنه حتى لا نضرب في التيه، ونعيش وسط الأساطير والأوهام.
وأول الأنبياء آدم عليه السلام أوحى إليه الله قبل أن يولد له؛ ولذا كان الوحي إليه تعليما لما يحتاجه وبنوه في معاشهم، وحياتهم على الأرض، واستمر أبناؤه يتعلمون منه، ويطيعونه، ولم يشذ منهم إلا قابيل على نحو ما سنذكره؛ ولذلك يرى العلماء أن آدم عليه السلام لم يكلف بالدعوة؛ لأن أبناءه كانوا على الإسلام، واستمروا عليه بعد أبيهم، حتى ظهرت الأصنام بعده بعشرة قرون تقريبا،
1 سورة النساء آية: 64.
2 سورة ص آية: 86-88.
3 سورة الصافات الآيات: 171-173.
فبعث الله نوحا عليه السلام بدعوة الحق والهدى، فآدم أول الأنبياء، ونوح أول الرسل الدعاة.
وسوف أتتبع الأحداث، مكتفيا بتاريخ الرسل الذين ذكر القرآن الكريم أسماءهم، وسأخص كلا منهم برقم يتسلسل حتى أصل إلى رقم "24" أربعة وعشرين.
ومن المعلوم أن القرآن الكريم أورد أسماء خمسة وعشرين رسولا، جمعهم قول الناظم:
في تلك حجتنا منهم ثمانية
…
من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
إدريس، هود شعيب صالح وكذا
…
ذو الكفل، آدم، بالمختار قد ختموا
وسيكون حديثي عن تاريخ دعوة الرسل متضمنا الموضوع والأحداث والمواقف، مع التعليق عليها بما يفيد الدعوة، أو يقدم للدعاة منهجا وطريقا، أو يساعد في هداية وخير للناس.
ولن أشير إلى الأحداث والوقائع التي لم يتكلم عنها القرآن الكريم، ولم تتناولها السنة النبوية إلا حين الحاجة إليها، وفي إطار الضوابط العلمية التي تجعلها مقبولة ونافعة.
ولن أقدم تاريخ دعوة كل رسول مرتبة الأحداث حسب تتابع وقوعها؛ لأن ذلك أمر غير ممكن، فوق أنه يقدم أحداثا لا تفيد الدعاة في حركتهم بالإسلام.
وحينما أحتاج لتفسير وبيان لنص قرآني، أو حديث نبوي، فسوف أرجع -بإذن الله تعالى- إلى المصادر الرئيسية المعتمدة؛ لأتجنب الإسرائيليات الدخيلة، والموضوعات الشاذة.
وبعد انتهائي من الحديث عن قصص الأنبياء، سأجمل القول في الجوانب المشتركة في الدعوات الإلهية، سواء كانت في الأصول، أو في المناهج، أو في الوسائل، أو في الأساليب، أو في الأحداث، أو في الأشخاص، أو في غير ذلك لما فيها من فائدة للمسلمين.
إن اشتراك الدعوات في مسألة واحدة دليل على تجذر هذه المسألة في حياة الناس، ولا بد أن يستفاد بها في مسار الدعوة الإسلامية.
وأسأل الله تعالى البصيرة والتوفيق،،،،