الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: تكريم الإنسان
الإنسان هو الإنسان من البداية
…
المبحث الأول: تكريم الإنسان
ينظر الدين إلى الإنسان نظرة متميزة، ويقر له بالحقيقة التي خلقه الله عليها.
فقد أوجده الله إنسانا منذ اللحظة الأولى، مركبا من عنصري المادة، والروح واختاره خليفته في الأرض، وأنزل عليه وحيه، وكلفه باتباع الهدي الرباني، والتمسك بتعاليم الله المبلغة إليه.
والتصور الديني الصحيح يقدم عددا من الحقائق عن الإنسان، من أهمها:
1-
الإنسان هو الإنسان من البداية:
الإنسان الأول هو آدم عليه السلام خلقه الله إنسانا منذ اللحظة الأولى، بخصائصه وقواه، وطاقاته الظاهرة، والباطنة.
فهو -أولا: كائن عاقل، يدرك ويتصور، ويفهم، ويستنتج، ويحكم، ولذلك جعله الله رسولا، وحمله أمامة الدين، ليعيش به في الدنيا، ويسعد بسببه في الآخرة، وولاه رئاسة الدنيا يعمرها بالخير، والصلاح.
ومن دلالة العقل في الإنسان، التوجه إليه بالخطاب، وتفهم تساؤلاته، ومعارضاته في كافة ما يعرض له من أمور الحياة.
ولولا عقل الإنسان لعجز عن تدوين أعماله، وكتابتها بصورة ما، لتبقى تاريخا ناطقا، وأثرا شاهدا على حياة الإنسان في الزمان الماضي.
لقد دون الإنسان تاريخه على الشجر، والحجر، والعظم، والورق، وعلى كل ما أمكنه الكتابة عليه، ولو لم يكن عاقلا لعجز عن تصوير واقعه، وتسجيله لمن بعده من الناس.
إن تاريخ الكائنات الأخرى غير معروف، وما عرف منها فهو بسبب الإنسان الذي أهتم بها، وسجلها، وكتبها كما يكتب لنفسه.
ومن دلالة العقل في الإنسان قيامه بتأسيس حضارات عديدة على مدار الزمن الطويل سواء كانت زراعية، أو صناعية، أو عمرانية
…
لقد تمكن الإنسان بواسطة توجهه الفكري، من إنشاء العمران، وبناء السدود، وتشييد المصانع ونحت الصخر والحجر وشق الطرق، وركوب البحر والهواء، وعاش بذلك في مدنيات مزدهرة رأينا أمثلة لها مع عاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وإسماعيل، وبني إسرائيل، وغيرهم.
ومن دلالة العقل في الإنسان: قدرته على التعلم والتعليم، حيث تمكن بإرادة الله من علم أسماء كل شيء، ووضع رمز دال على كل شيء، وكل شخص، ومن ذلك كان طريقه إلى البحث، والدراسة، لكل ما في الكون من حوله، معتمدا على هذه البداية الضرورية، لتحديد كل شيء باسمه، ولولاها لتاهت السبل، وتداخلت الحقائق، ولعجز الإنسان عن تحديد ما يراد بحثه، والنظر فيه.
ولولا عقل الإنسان لعجز عن هذه المعرفة، ولما تمكن من بحث ما يريد، واكتشاف ما يلوح له.
ومن دلالة العقل في الإنسان محافظته على القيم الإنسانية، النبيلة كالعدل، والمحبة والصدق، والبر، والتعاون، والقيم الإنسانية في جملتها خيرة، راقية تنمي الخلق، وتسمو بصاحبها إلى درجة الكمال.... وهذه القيم ليست غامضة في الفكر الإنساني، وليست متقلبة، إنها قيم واضحة وثابتة.
والإنسان بفطرته يدرك هذه القيم، ويحبها، ويعيش بها ولو أهمل الإنسان عقله، وترك أمره لبطنه، أو لشهوته، لتحولت القيم معه إلى صور مادية ضارة، كما فعلها أعداء الرسل على الزمن كله، الذين أفسدوا الحياة، ونشروا الظلم، واعتدوا على الحرمات، وارتكبوا الحرام، فصب عليهم ربك صوت عذاب.
ومن دلالة العقل في الإنسان، اتساع دائرة تفكيره عن المحيط الذي يعيشه، زمانا ومكانا، فالإنسان يعيش في بيئة محددة المعالم، ومع ذلك فإنه يفكر في الماضي السحيق، وفي المكان البعيد، وفي المستقبل الذي لم يقع بعد.
إنه يعيش الماضي عبرة للحاضر، ويعيش الحاضر مستفيدا بتجارب وحضارات الآخرين، ويعيش المستقبل طموحا، وأملا، وتخطيطا، ولولا عقل الإنسان لما تمكن من هذا الانطلاق الواسع عبر الزمان والمكان ومع سائر الجماعات، ومختلف الأجناس.
إن العقل بقوة التخيل فيه يساعد الإنسان على استحضار صورة الماضي مجسدة مصورة، ولو بعد زوالها.... ويقدم له المستقبل في صورة أمنيات، وآمال يسعى لها بالتخطيط والعمل.
وهو -ثانيا: كائن له مع العقل جسد ووجدان، والجسد هو الوعاء الحامل للعقل والوجدان وحياته لهما حياة، وفناؤه لهما انتهاء، والوجدان يختلف عن العقل في أنه قوة غير منضبطة بقاعدة ونظام.
قوة تسبح في عالم خاص بها، وتعيش مع العواطف وعالم اللاشعور، بينما العقل محكوم بالممكن من المدركات، وله نظام ثابت في التفكير، والفهم والاستنتاج.
إن الوجدان يهيم بالجمال، ويسبح في عالم من الرضى
…
وإن الإنسان يحب بوجدانه غالبا، ويسعد بعواطفه.
ولولا الوجدان لنفر الناس من أصحاب العاهات، ولما حدث ارتباط روحي متين، بين عديد من الناس.
إن من يجن بسبب موت حبيبته، إنسان يعيش بوجدانه لا بعقله، والإنسان الذي يقدم على الموت في سبيل الله يحيا الدين بعقله، ووجدانه.
إن الإنسان مكون من جسد، وعقل، ووجدان، منذ اللحظة الأولى التي خلقه الله فيها، وقد عشنا الصورة كاملة في خلق آدم وحواء عليهما السلام.