الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر
الشيطان متربص بالإنسان، يريد أن ينقض عليه، ويبعده عن طاعة الله تعالى وقد وضح ذلك من قصة آدم عليه السلام وعلى الإنسان أن يكون حذرا في حياته لينجو من شر إبليس وجنوده، وطرق الوقاية من الجن ما يلي:
أولا: قطع طرق الشيطان الموصلة
يحاول الشيطان أن يسلك سبلا للوصول إلى الإنسان، والسيطرة عليه، وهي نفس الطرق التي يستغلها الساحر، ليصل بها إلى غايته، يقول ابن الجوزي:"اعلم أن القلب كالحصن، وعلى الحصن سور، به أبواب وفتحات، يسكن العقل هذا الحصن، وتأتيه الملائكة، وبجانب الحصن خلاء مفتوح تسكنه الشياطين، تحاول أن تقتنص فرصة لدخول الحصن، ولا تزال الشياطين في محاولتهم تدور حول الحصن، إلا أنها لا تدخل ما دام الحصن مستنيرا بالذكر، مشرقا بالإيمان، فإن وجد الجن غفلة، أو ظلاما دخل الحصن ليسكنه، فإذا إستيقظ القلب طرده مرة أخرى"1 يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} 2، وتستمر الأنوار بدوام الذكر، والطاعة، يقول تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} 3، وعلى الإنسان أن يقطع كافة الطرق التي تمكن الشيطان من الوصول إليه.
ثانيا: الاستعاذة بالله من الشيطان
ومعنى الاستعاذة، الاستجارة بالله تعالى، يقول تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُون} 4، وتحسن الاستعاذة عند قراءة القرآن الكريم، حتى لا يصرف الشيطان الإنسان عن القراءة يقول الله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 5.
1 تلبيس إبليس ص37، 38.
2 سورة الأعراف آية "201".
3 سورة يس الآيات "60-65".
4 سورة المؤمنون الآيات "97، 98".
5 سورة النحل آية "98".
وعند الصلاة حتى لا يشوش الشيطان على المصلي، يروي مسلم بسنده أن عمرو بن العاص رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي، يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذاك شيطان يقال له خترت، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا"، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عني1.
وعند الغضب: حتى لا يتمكن الشيطان من إيقاع الإنسان في المهالك، يقول سليمان بن صرد رضي الله عنه كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحمر وجه أحدهما، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إني لاعلم كلمة لو قالها، اذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد"2.
وعند الخلاء: حتى لا يلعب الشيطان بمقعد الإنسان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أعوذ بالله من الخبث والخبائث"3.
وعند رؤية مكروهة: حتى لا يبتئس، ويتألم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأى أحدكم رؤيا يخافها، فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره"4.
وعلى المسلم أن يحصن نفسه من السحر، والشياطين دائما، بالاستقامة والطاعة ودوام معية الله له، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
1 صحيح مسلم بشرح النووي - كتاب السلام - باب التعوذ ج4 ص
2 صحيح البخاري برح فتح الباري - كتاب بدء الخلق - باب صفة إبليس ج6 ص327.
3 صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الوضوء ج1 ص283.
4 صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس ج6. ص338.
ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى
إن الذكر هو النور الذي يطرد الشيطان، ولا يسمح له بالدخول ويمنعه من سكن الحصن، وقد أمر الله به، يقول تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ، إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ،} 1.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس" 2، وأرشدنا الله ورسوله -صلى الله عليه والسلام- إلى فضيلة الذكر: فذكر الله عند الاستيقاظ من النوم يحدث عند المسلم العزيمة والقوة، ويدفع عنه الكسل، حيث يبدأ المسلم يومه بذكر الله، داعيا ربه أن يعيذه من الشيطان الرجيم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"3.
وذكر الله عند الخروج من البيت يعصم المسلم من شر الشيطان، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال -يعني إذا خرج من بيته- بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي"4.
1 سورة الأعراف الآيات "205، 206".
2 تفسير ابن كثير ج3 ص297.
3 أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده ج6 ص335.
4 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته ج ص328.
وذكر الله في المسجد مبعد للشيطان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل فإذا ثوب 1 "أدبر"، فإذا قضى أقبل، حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: أذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا، فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو"2.
وكلمة التوحيد ولزوم الاستغفار أحد الوسائل المهمة في دحر الشيطان، فعن أبي بكر الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استكثروا من لا إله إلا الله والاستغفار، فإن الشيطان قال: قد أهلكتهم بالذنوب وأهلكوني بقول لا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك منهم أهلكتهم بالأهواء، حتى يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون"3.
وإذا وضع المسلم جنبه على فراشة فذكر الله، ظل في حماية ربه حتى يصبح فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وضع العبد جنبه على فراشه فقال: بسم الله، وقرأ فاتحة الكتاب أمن من شر الجن والإنس ومن كل شيء"4.
1 ثوب: التثويب: الإقامة، وأصله من ثاب إذا رجع، ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها، فإن الأذان دعاء إلى الصلاة، والإقامة دعاء إليها، انظر صحيح مسلم ج1 ص291.
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده ج6 ص337.
3 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ونسبه لأبي يعلى، وفيه عثمان بن مطر وهو ضعيف، وذكر الدارمي نحوه، انظر سنن الدارمي، باب في اجتناب الأهواء ج1 ص78.
4 ذكره السيوطي في الجامع الكبير ونسبه للبزار والديلمي، قال الهيثمي في المجمع: وفيه غسان بن عبيد وهو ضعيف ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وهكذا يكون المسلم ذاكرا لربه عند يقظته ونومه، فيكون في كنف الله ورعايته في يومه كله رحمة من الله له.
والذكر على كل حال دواء ناجح للشيطان، وسلاح قاتل، يصيب منه المقاتل، التي بها يقوى على إفساد الناس وإضلالهم، قال ابن القيم:"ولو لم يكن في الذاكر إلا أن يحترز المسلم من الشيطان ويدفعه عنه، لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى، وأن يزال لهجا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع1 وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس"2.
ويقول: "والشياطين قد احتوشت العبد وهم أعداؤه، فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المحنقون عليه غيظا، وأحاطوا به، وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل3.
رابعا: قراءة القرآن
فالقرآن خير سلاح يحارب به المسلم عدوه؛ لأنه كلام الله، وله تأثير عجيب في طرد الشيطان وإبعاده.
ففي حديث أبي هريرة عندما وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فكان الشيطان يأتيه في صورة شيخ فقير، فيحثو من مال الصدقة، حتى هم أبو هريرة برفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له الشيطان: "دعنى أعلمك كلمات ينفعك الله بها
1 الوصع: طائر أصغر من العصفور.
2 الوابل الصيب من الكلم الطيب ص33 بتصرف.
3 نفس المصدر ص75.
قلت: وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تختم الآية، فإنك لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخلى سبيله، ثم أخبر أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ " قلت: لا، قال:"ذاك شيطان"1.
فآية الكرسي لها تآثير عجيب في دفع الشياطين من الجن، ولهذا شرع الله لنا قراءتها قبل النوم، لما فيها من النفع العظيم والخير الكثير، حتى إن قراءتها في البيت تطرد الشيطان، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي"2.
ومن قرأ أواخر سورة البقرة عصمته من الشياطين كذلك، فعن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل فيه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرأان في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان"3.
وقراءة سورة البقرة بشكل عام مطردة للشيطان، فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"4.
1 من حديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه ج4 ص487.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، من سورة البقرة ج2 ص259.
3 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء في آخر سورة البقرة ج8 ص98.
4 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد ج1 ص539.