المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

‌مدخل

"النقطة الرابعة": "ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام"

نظرا لتنوع البيئات والأقوام الذين دعاهم إبراهيم عليه السلام فقد كثرت الدروس والعبر التي تستفاد من قصته عليه السلام.

ولأهمية إبراهيم في تاريخ الدعوة، قال الله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} 1، وإني أحاول مستعينا بالله تعالى أن أوضح بعض جوانب الأسوة في دعوة إبراهيم عليه السلام في إطار الركائز التالية، وذلك بإيجاز اعتمادا على سبق ورودها في القصة.

1 سورة الممتحنة آية: 4.

ص: 138

"‌

‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

"

يعتبر إبراهيم عليه السلام شخصية مثالية في مجال الدعوة إلى الله تعالى، فهو عليه السلام كمل إيمانه بالله تعالى، ووصل فيه إلى حد العلم الواضح، واليقين التام، وبذلك صار متمكنا من نقل الإيمان إلى غيره، ومن المعلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يتصور أن يكمل الناقص غيره أبدا، يقول الله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} يفسر العلماء هذه الآية، فيوضحون أن {إِذْ} ظرفية، ومعنى الآية: أرسلنا إبراهيم لقومه وقت أن صار قادرا على مخاطبة قومه، وتكميلهم بما أرسل به.

والكمال الإيماني عند إبراهيم عليه السلام واضح في سيرته كلها، فقد واجه قومه في بابل، وعرفهم بالله، الواحد، الأحد، المتصف بكل كمال، المتحكم في كل أمر وإليه المرجع والمآب.

يروى أنه لما ألقي به في النار، جاءه جبريل عليه السلام وسأله: ألك حاجة؟ فرد عليه: أما إليك فلا، وأما إلى الله فعلمه بحالي يغني عن سؤالي.

ونجاه الله من النار، وأمره بالهجرة من موطنه، فأطاع ربه:{وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} وحط رحله في المكان الذي حدده الله له. ولما رُزق بإسماعيل في شيخوخته تعلق بولده الوحيد البكر، وحينئذ أمره الله تعالى بإسكانه مكانا قفرا، خاليا من النبات، والماء، والناس، فأطاع ربه، وأسكن ولده وأمه هاجر في مكان مكة الحالية طاعة لله تعالى، وقفل راجعا إلى الشام حيث إقامته مع سارة زوجته الأولى، لقد تركهم بجسده وعايشهم بعقله وعواطفه، يروى أنه عليه السلام لما وصل عند

ص: 138

الثنية1، وقف في مكان يراهم منه ولا يرونه، ونظر إليهم ودعا الله لهم بما أورده القرآن الكريم.

ولما شب إسماعيل، وصار قادرا على السعي والعمل، أمر الله إبراهيم عليه السلام بذبحه فأطاعه، وأخبر إسماعيل بأمر الله فأطاع إسماعيل أيضا، وأسلما الأمر لله، وأخذا في التنفيذ، إلا أن الله تعالى أنزل كبشا من الجنة؛ ليذبح فداء لإسماعيل.

إن إبراهيم عليه السلام قدوة إيمانية عالية؛ ولذلك جعله الله للناس إماما، واختصه وبنيه بالنبوة والكتاب إلى يوم القيامة.

وقد ربط الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإبراهيم عليه السلام فهم يتجهون في صلاتهم إلى الكعبة التي بناها إبراهيم، ويعيشون حياة هاجر وإسماعيل في فريضة الحج، وهم يطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة، ويتضلعون من ماء زمزم، ويضحون في عيدهم الكبير، يفعلون ذلك عساهم أن يستفيدوا بعظمة هذه الأسوة في قصة إبراهيم عليه السلام ويعملوا بها.

إنه عليه السلام كان عارفا بكل من دعاهم إلى الله تعالى، فهو يعرف لغتهم، ومذاهبهم، وعاداتهم، ومكان تجمعهم؛ ولذلك خاطبهم بلسانهم، وفهم ردودهم، وحاورهم، وكان عليه السلام يخاطب كل فريق في تدينه، ومذهبه، أيا كان إلهه وضلاله، ومن هنا كانت دعوته لأبيه غير دعوته للملك، غير دعوته لعبدة الأصنام والكواكب وغيرهم؛ لأنه لو ابتعد بدعوته عن واقع القوم ما اهتم به أحد، ولعاش في واديه بعيدا عن الناس.

لقد كان عليه السلام يستدل بالأدلة المفهومة، المتصلة بالناس، وأصنامهم وضلالهم؛ ولذلك لم يتمكنوا من الرد على تساؤلاته، وإنما كانوا يلجئون إلى التهديد والعدوان بعيدا عن موضوع الحوار.

1 الثنية: مكان يشرف على الحجون، ومنها دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء.

ص: 139

وقد أُوتي عليه السلام فطنة في الدعوة، وعبقرية في الجدل والحوار، وقد سبق عرض مواقفه مع أبيه ومع النمرود، وكيف جارى عبدة الكواكب حتى انتهى معهم إلى استحالة ألوهية النجوم والكواكب، وموقفه في تكسير الأصنام، وحديثه عن هوانها برهان فطنته التي جعلت الناس يقولون بما قاله في الأصنام، ونطقوا بكل وضوح:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} .

ومن فطنته عليه السلام أنه تخلص من المواقف الصعبة، بإجابات صادقة، فهمها أعداؤه على وجه يرضيهم، من ذلك قوله لجبار مصر عن سارة: إنها أختي، فصدقه الجبار مع أنه عليه السلام كان يقصد أخته في الإيمان؛ لأنها زوجته.

ولما كسر الأصنام وسأله الناس: {مَنْ فَعَلَ هَذَا} ؟ أشار بأصبعه الكبير نحو الصنم الكبير، وقال:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} يقصد أصبعه، وفهم الناس أنه يقصد الصنم الكبير.

وقوله لعبدة الكواكب: {هَذَا رَبِّي} على وجه المجاراة، مع أنه يعرف حدوثها وعدم صلاحيتها للربوبية، وقد ضمن كلامه ما يشير إلى صدق عقيدته من اللحظة الأولى.

ص: 140