الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة
"
بمراجعة آيات القرآن الكريم وهي تتحدث عن دعوة إبراهيم عليه السلام نرى استعمال إبراهيم عليه السلام لعدد من الأساليب، وأهمها أسلوب الاستفهام؛ فلقد استعمله في خطاب أبيه، ومناقشة عبدة الأصنام، واستعمله مع ابنه إسماعيل حين سأله عن الذبح وقال له:{مَاذَا تَرَى} ؟
إن الاستفهام يرد للإنكار، وللتقرير، وللتعجب، كما يرد للبحث عن الحقيقة، وهو في كل أحواله مفيد؛ لأنه يحرك عقل طرفي النقاش حول البحث عن غاية السؤال وإجابته، ويجعل كل طرف يبرز ما لديه من فكرة يراها صحيحة، وقد يقدم الاستفهام دليلا مقنعا؛ لأن المسئول إذا عجز عن الإجابة، فقد يسلم بما يريده السائل، ويرضى بفكرته.
ولذلك فإنه أسلوب يحتاج إلى فطنة حامل الرسالة؛ ليختار من الأسئلة ما يحرك المشاعر، ويظهر الحق.
ومن أمثلة فطنة إبراهيم عليه السلام مع استفهاماته قوله:
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} ؟
{أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} ؟
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ؟
فهذه أسئلة يعرفون إجابتها؛ لأنهم يصنعون الأصنام بأيديهم، وينحتونها في مصانعهم، ويبيعونها للناس، ويعبدونها معهم بعد أن يطلقوا عليها أسماء الآلهة من عند أنفسهم؛ ولذلك فإن السؤال حينئذ إنكار قوي لتأليه الأصنام، وضرورة إعمال العقل، وتوجيه السؤال في هذا المجال أسلوب حسن في الدعوة.
ومن الأساليب التي استعملها إبراهيم عليه السلام في الدعوة مجاراة الخصم، واستدراجه نحو الإيمان؛ لأن الاستدراج يوهم المشاركة في الاعتقاد، والتوحد في السلوك، وحينئذ يلتقي الداعي والمدعو في تفهم القضية، ويقبلان على اكتشاف حقيقتها.
والإنسان عموما يحب من يشاركه في الدين، وينفتح قلبه له؛ لأنهما معا في مسار واحد، والمجاراة تحقق هذا لحامل الدعوة.
جاء إبراهيم للناس، وعرفهم بأنه رسول الله، وطلب منهم أن يشتركوا معه في التوجه للإله، فلما رأى كوكبا
…
أخبرهم أنه معهم في عبادته، وقال:{هَذَا رَبِّي}
…
ثم تبرأ منه لأُفُوله وزواله؛ لأن الزائل لا يصلح للألوهية
…
ثم انتقل من الكوكب إلى القمر، وإلى الشمس
…
وأخيرا تبرأ من كل آلهتهم لهوانها وزوالها، وبذلك كانت الحجة معه عليهم.
ومن أساليب إبراهيم عليه السلام في الدعوة أنه كان ينتقل في الموقف الواحد، من دليل لدليل آخر إذا رأى جدلا، ومماراة من القوم؛ لأنه يركز على قضيته، فكل ما يفيدها يأتي به.
ولو نظر لنفسه لاعتز بمقالته، ودافع عنها، ولكنه عليه السلام عاش لرسالته، ووفى ما عليه، وآتاه الله أجره في الدنيا، قال تعالى:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} 1.
1 سورة البقرة آية: 120.