المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة - دعوة الرسل عليهم السلام

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌المقدمة

- ‌تاريخ الدعوة واقع ومنهج:

- ‌القسم الأول: دعوات الرسل عليهم السلام

- ‌مدخل

- ‌آدم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "خلق آدم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: "آدم والملائكة

- ‌النقطة الثالثة": "آدم عليه السلام وإبليس

- ‌النقطة الرابعة": "خروج آدم من الجنة

- ‌النقطة الخامسة": "هابيل وقابيل

- ‌النقطة السادسة": ركائز الدعوة في قصة آدم

- ‌ إدريس عليه السلام:

- ‌نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم نوح

- ‌النقطة الثانية": "حركة نوح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة نوح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: أساسيات الحركة بالدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: أثر الإيمان

- ‌الركيزة الرابعة: حاجة الدعوة إلى المصير

- ‌هود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم هود

- ‌النقطة الثانية": "حركة هود بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة هود

- ‌الركيزة الأولى: العقيدة أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: المترفون هم أعداء الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: الرسول قدوة للدعاة

- ‌الركيزة الرابعة: ضرورة الدين للحضارة:

- ‌الركيزة الخامسة: ضعف الإنسان وقدرة الله

- ‌صالح عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بقوم صالح

- ‌النقطة الثانية": "حركة صالح بالدعوة

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة صالح

- ‌الركيزة الأولى: طبيعة التمدين

- ‌الركيزة الثانية: دعوة أهل الحضارة

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بإبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "الأماكن والأقوام التي التقى بهم إبراهيم عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: حركة إبراهيم عليه السلام بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع أبيه:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع الملك:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الأصنام:

- ‌ حركة إبراهيم بالدعوة مع عبدة الكواكب:

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": "شخصية مبلغ الدين

- ‌الركيزة الثانية": "منهجية الدعوة إلى الله

- ‌الركيزة الثالثة": "وسائل دعوة إبراهيم

- ‌الركيزة الرابعة": "أساليب الدعوة

- ‌لوط عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم لوط

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بـ "لوط" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة": "حركة لوط عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة لوط

- ‌الركيزة الأولى: العلاقة بين الدعاة

- ‌الركيزة الثانية: منطق أعداء الحق:

- ‌الركيزة الثالثة: الاهتمام بعلاج المرض وأسبابه

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات في الدعوة

- ‌شعيب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": "التعريف بشعيب عليه السلام

- ‌النقطة الثانية": "التعريف بقوم شعيب

- ‌النقطة الثالثة": "حركة شعيب عليه السلام بالدعوة

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة شعيب عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: المعرفة الشاملة بالمدعوين

- ‌الركيزة الثانية: تكامل المنهج الإلهي

- ‌الركيزة الثالثة: منطلقات الدعوة

- ‌ إسماعيل عليه السلام:

- ‌إسحاق عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌التعريف بإسحاق عليه السلام:

- ‌ يعقوب عليه السلام:

- ‌يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: التعريف بالمجتمع التي عاش فيه يوسف عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: التعريف بيوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولًا: يوسف وإخوته

- ‌ثانيًا: يوسف في بيت عزيز مصر

- ‌ثالثًا: يوسف في السجن

- ‌رابعا: يوسف والحكم

- ‌خامسًا: يوسف وبنو إسرائيل

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يوسف عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى": تربية الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثانية": أخلاق الرسول الداعية

- ‌الركيزة الثالثة": "الحرص على الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة": منهجية الدعوة

- ‌أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى": التعريف بـ "أيوب" عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: ركائز الدعوة في قصة أيوب عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: تكامل شخصيته مبلغ الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: الثقة المطلقة في الله

- ‌الركيزة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة

- ‌الركيزة الرابعة: أهمية الدعاء

- ‌ ذو الكفل عليه السلام:

- ‌يونس عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم يونس

- ‌النقطة الثانية": التعريف بـ "يونس" عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: ركائز الدعوة في قصة يونس

- ‌الركيزة الأولى: ضرورة الصبر والتحمل

- ‌الركيزة الثانية: الإخلاص في العبودية

- ‌موسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بقوم موسى

- ‌النقطة الثانية: التعريف بموسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: ولادة موسى

- ‌ثانيا: رضاعة موسى

- ‌ثالثا: تربية موسى

- ‌رابعا: موسى عند مدين

- ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

- ‌سادسا: قيامه بالدعوة

- ‌سابعا: وفاة موسى

- ‌النقطة الثالثة: حركة موسى عليه السلام بالدعوة

- ‌أولا: حركة موسى بالدعوة لفرعون

- ‌ثانيا: حركة موسى بالدعوة للإسرائيليين

- ‌ثالثا: حركة موسى بالدعوة لقارون

- ‌النقطة الرابعة: بنو إسرائيل، واليهود

- ‌النقطة الخامسة: ركائزة الدعوة في قصة موسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الركيزة الأولى: التوحيد أساس الدعوة

- ‌الركيزة الثانية: ضرورة الاستعداد للدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: خصائص البلاغ المبين

- ‌الركيزة الرابعة: أساسيات النجاح في الدعوة

- ‌الركيزة الخامسة: شخصية المرأة في الدعوة

- ‌الركيزة السادسة: بين الدنيا والآخرة:

- ‌الركيزة السابعة: تجنب الظلم والظالمين

- ‌الركيزة الثامنة: أهمية العلم

- ‌ هارون عليه السلام:

- ‌ إلياس عليه السلام:

- ‌ اليسع عليه السلام:

- ‌داود عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: حالة الإسرائيليين قبل بعث داود

- ‌النقطة الثانية: التعريف بداود عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌ تليين الحديد له:

- ‌ تأويب الجبال والطير معه:

- ‌وفاة داود عليه السلام:

- ‌النقطة الثالثة: داود عليه السلام والقضاء

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: حادثة الغنم

- ‌الحادثة الثانية: أكل الزراعة

- ‌الحادثة الثالثة: التنازع حول الولد

- ‌النقطة الرابعة: ركائز الدعوة في قصة داود عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: شجاعة الداعية

- ‌الركيزة الثانية: حسن عرض الدعوة

- ‌الركيزة الثالثة: التأني في الدعوة

- ‌الركيزة الرابعة: تعاون الدعاة

- ‌سليمان عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: التعريف بسليمان عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات سليمان عليه السلام

- ‌تسخير الريح

- ‌ تسخير الجن:

- ‌ إسالة النحاس:

- ‌ محادثة ما لم ينطق:

- ‌النقطة الثالثة: مملكة سليمان عليه السلام

- ‌العقيدة الصحيحة

- ‌ العدل في الحكم:

- ‌ صيانة حقوق الرعية:

- ‌ موقفه من صاحب الرأي الآخر:

- ‌النقطة الرابعة: سليمان وملكة سبأ

- ‌النقطة الخامسة: فتنة سليمان "عليه السلام

- ‌النقطة السادسة: وفاة سليمان عليه السلام

- ‌النقطة السابعة: ركائز الدعوة في قصة سليمان عليه السلام

- ‌الركيزة الأولى: الدين والحضارة

- ‌الركيزة الثانية: أثر القادة في توجيه الرعية

- ‌الركيزة الثالثة: الدعوة قبل القتال

- ‌الركيزة الرابعة: حقائق عالم الجن والسحر

- ‌الركيزة الخامسة: طرق الوقاية من الجن والسحر

- ‌النقطة الثامنة: ضياع مملكة إسرائيل بعد سليمان عليه السلام

- ‌زكريا عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌الحادثة الأولى: كفالة مريم

- ‌الحادثة الثانية: ولادة يحيى

- ‌يحيى عليه السلام:

- ‌عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الأولى: ولادة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثانية: معجزات عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الثالثة: رسالة عيسى عليه السلام

- ‌النقطة الرابعة: رد ما يقال في ولادة عيسى عليه السلام

- ‌مدخل

- ‌أولا: المسيح ابن الله

- ‌ثانيا: كلمة الله

- ‌ثالثا: عيسى روح الله

- ‌النقطة الخامسة: حياة المسيح ونهايته في الأرض

- ‌القسم الثاني: الركائز الرئيسية في الدعوات الإلهية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: تكريم الإنسان

- ‌الإنسان هو الإنسان من البداية

- ‌ الإنسان مخلوق له دين:

- ‌المبحث الثاني: الغاية من خلق الإنسان

- ‌المبحث الثالث: الدعوة إلى التوحيد

- ‌القسم الأول: توحيد الأسماء والصفات

- ‌القسم الثاني: توحيد الربوبية

- ‌القسم الثالث: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى العبادة

- ‌المبحث الخامس: الدعوة إلى مكارم الأخلاق

- ‌الاتجاه الأول: الدعوة إلى الأخلاق مع بدء الدعوة إلى التوحيد

- ‌الاتجاه الثاني: التركيز على الرذائل المتفشية

- ‌الاتجاه الثالث: بيان عاقبة الأخلاق

- ‌المبحث السادس: إثبات رسالة الرسل

- ‌المبحث السابع: إثبات البعث

- ‌المبحث الثامن: شخصية مبلغ الدعوة

- ‌المبحث التاسع: خصائص الإنسان وطبائعه

- ‌مدخل

- ‌ استعلاء السلطة:

- ‌ كبرياء الملأ:

- ‌ استسلام العامة:

- ‌المبحث العاشر: الحركة بالدعوة

- ‌مدخل

- ‌أهم ملامح منهج الرسل:

- ‌من وسائل الرسل في الدعوة:

- ‌أساليب دعوة الرسل:

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

في ديار خارجة عن مملكة فرعون فاطمئن ولا تخف، وقدم له الطعام والمأوى ضيفا كريما، بعد أن رفض أخذ أجرة على مساعدته للنسوة.

بعد أن اطمأن موسى عند شعيب، وطعم واستراح، قالت البنت التي دعته لأبيها: يا أبت استأجره، فهو قوي أمين، فعرض شعيب رؤيته عليه، واقترح عليه أن يتزوج واحدة من بناته، بعد أن يعمل لديه أجيرا مدة ثماني سنوات، وإن زادها إلى عشر فالزيادة تبرع محض، له أن يقبلها، أو يرفضها منعا للحرج والمشقة.

وافق موسى على اقتراح شعيب، على أن يترك تحديد أي الأجلين الذي سيقضيه موسى لوقته، وله أن يختار أي الأجلين بلا لوم، أو عتاب.

يقول الله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} 1.

أتم موسى عليه السلام المدة، ودخل بأهله، يروي ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام:"أي الأجلين قضى موسى؟ " فأخبره أنه قضى عشر سنين2.

1 سورة القصص الآيات: 27، 28.

2 تفسير القرطبي ج13 ص280.

ص: 278

‌خامسا: تكليف موسى بالرسالة

بعد أن أتم موسى عليه السلام عمله عند شعيب، ودخل بزوجته، استأذن شعيبا أن يأخذ زوجته ويرجع إلى مصر لزيارة والدته وأقاربه، فأذن له، فخرج بأهله وغنمه، وصحبه في رحلة العودة إلى مصر زوجته وولدان له.

تاه موسى وصحبه في الطريق، فنزلوا بوادي طوى، في طور سيناء....

وجاء الليل بظلامه الدامس، وبرده القارس، وجاء المخاض لزوجته، وأصبحوا في حاجة ماسة للنار، لأسباب عديدة:

ص: 278

- إنهم يحتاجون للنار يعدون بها الطعام، وبخاصة للأم التي ولدت.

- ويحتاجون للنار تضيء لهم المكان؛ ليعرفوا أين هم، ويكتشفوا الحياة من حولهم.

- ويحتاجون للنار يستدفئون بها من برد الشتاء الشديد.

- ويحتاجون للنار ليعلم المارة أن ناسا هنا، فيأتون إليهم، ويستعينون بهم على معرفة الطريق إلى مصر.

أخرج موسى زنده وقدحه، لكنه بدل أن يخرج نارا أظهر ضوءا فقط، وهنا أبصر موسى بجانب الطور من بعيد نارا، فقال لأهله: استمروا في مكانكم، وسأذهب إلى مكان النار، لأعرف خبر ما عندها، وعسى أن أتمكن من إحضار جمرة نار ملتهبة تستدفئون بها من البرد، وتستعينون بها في إعداد الطعام، والمؤانسة.

عن هذه المرحلة، وحتى إقامة موسى وصحبه في طور سيناء يقول الله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْ لِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} 1.

والأجل الذي قضاه موسى هو المدة التي اتفق عليها مع شعيب، وجذوة النار قطعة منها، وهي القبس، أو الشهاب، ووعد موسى أهله بإحضار جزء من النار لحاجتهم إليه، ورجا أن يجد عند النار أناسا، يستهدي بهم عن الطريق إلى مصر.

وذهب موسى عليه السلام ناحية النار، واقترب منها، فإذا النار في شجرة، فوقف متعجبا من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة هذه الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة، ولا قوة الخضرة تغيران حسن ضوء النار، وحاول موسى عليه السلام أن يختبر طبيعة هذه النار، فأهوى إليها بضغث

1 سورة القصص آية: 29.

ص: 279

في يده فلم يحترق، وكان كلما اقترب منها ابتعدت عنه، وإن ابتعد اقتربت، ثم لم تزل تطمعه، ويطمعها، إلى أن وضح أمرها، وناداه الله وكلمه، وكلفه بالرسالة، يقول الله تعالى:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1.

وحدد الله لموسى أصول الدعوة التي سيبلغ الناس بها، وذلك في قوله تعالى:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي، إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} 2.

كلم الله تعالى موسى عليه السلام من جهة الشجرة، وعرف من كلام الله تعالى عددا من القضايا:

الأولى: عرفه الله بالمكان الموجود فيه وهو "الوادي المقدس"، وقد تجلى الله فيه وطهره، وأخرج منه الكفر والضلال، ويجب على موسى أن يحافظ على طهارة المكان وقداسته، ولله أن يفضل مكانا على مكان.

الثانية: أمره الله بخلع نعليه وهو بالمكان المقدس احتراما له وتواضعا؛ لينال بركة المكان، يقول القرطبي:"والعرف عند الملوك أن تخلع النعال تواضعا، فكأن موسى أُمر بذلك على هذا الوجه"3، ومن الجائز أن الأمر بخلع النعل كناية عن ضرورة تفريغ القلب من أمر الأهل والولد، والمعاش، وغيرها؛ ليتفرغ كليا للرسالة والدعوة.

1 سورة القصص آية: 30.

2 سورة طه الآيات: 11-16.

3 تفسير القرطبي ج11 ص172.

ص: 280

الثالثة: اختاره الله للرسالة، وكلفه باستماع الوحي، فوقف موسى عليه السلام وأخذ يستمع. روي عن وهب بن منبه، أنه قال: من أدب الاستماع سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يجب لله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها، فلا يشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى، ويحضر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم، فيعمل بما يفهم1.

قالوا: إن موسى عليه السلام لما أمر بالاستماع، وقف على حجر، واستند إلى حجر، ووضع يمينه على شماله، وألقى ذقنه على صدره، ووقف يستمع2.

الرابعة: أخبره الله أن أول الدعوة توحيد الله تعالى في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، فهو سبحانه واحد لا شريك له، وهو الواحد القهار.

الخامسة: عرفه بحتمية قيام الساعة، وفيها يحاسب الله الناس جميعا؛ لتجزى كل نفس بما تسعى.

السادسة: حذره الله من أعداء الله في الأرض؛ لأنهم يبذلون أقصى الجهد لصد الناس عن الإيمان، وهم في سعيهم ومحاولاتهم يبدءون بصرف الناس عن الطاعة شيئا فشيئا، ويستمرون معهم حتى يصرفوهم عن الدين بالكلية، وبذلك يكون الهلاك والموت، وعلى موسى أن يحذرهم حتى لا يردى.

تعجب موسى مما رأى، ومما سمع عند من كان يظنه نارا....

لقد جاء يقصد لهبا، ونارا، فأخذ نورا، ورحمة

وكان يتمنى أن يجد من يهديه لطريق مصر، فهداه الله إلى طريق إنقاذ الناس أجمعين.

سُر موسى بما رأى وبما سمع، وشعر أن الأمر ثقيل، والمهمة شاقة، تحتاج إلى قوة وثقة وإيمان ويقين، فأمده الله تعالى ببعض الآيات التي تمكنه من القيام

1 تفسير القرطبي ج11 ص176.

2 نفس المرجع ج11 ص176.

ص: 281

بواجبه، يقول الله تعالى:{مَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى، قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى، وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى، لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} 1.

والآيات تشير إلى بداية وحي الله لموسى عليه السلام ومع بداية الوحى يحتاج الرسول إلى معجزات، يتأكد بها من اختيار الله له، وكان ما رآه موسى عليه السلام عند الشجرة كافيا، إلا أن الله تعالى أظهر له معجزتين أخريين تأكيدا لاختياره، وبرهانا على قومه، وقد علم الله عتوهم واستكبارهم، وتدريبا له على تلقي الوحي وتحمل التكاليف، وهاتان المعجزتان هما:

المعجزة الأولى: معجزة العصا

بدأ الله سؤال موسى عما بيمينه، والجواب هو العصا، لكن موسى أخذ يتحدث عن وظيفة العصا؛ حبا في إطالة الحديث مع ملك الوحي، أو مع الله، حيث قال: هي عصاي أملكها، وأتحامل عليها حين أمشي، وأضرب بها أغصان الشجر لتسقط فتأكلها غنمي، ولها منافع أخرى كثيرة

وكأني بموسى عليه السلام قد استشرف عظمة المقام، فأراد أن يسأله الله عن هذه المنافع الأخرى، ليطول الكلام، ويمتد اللقاء.... إلا أن الله أمره بإلقائها على الأرض، فألقاها، فإذا حية تسعى، خاف موسى من الحية، فأمره الله أن يأخذها بيده ولا يخاف منها، وسيعيدها الله عصا مرة أخرى كما كانت.

المعجزة الثانية: أمر الله موسى عليه السلام أن يضع يده تحت إبطه، وسوف يرى أنها ابيضّت بلا مرض ولا أذى، فإذا أراد أن يعيدها إلى حالتها الطبيعية فعليه أن يضعها مرة أخرى تحت إبطه، ويخرجها.

اطمأن موسى عليه السلام إلى اختيار الله له، وبدأ يتحرك للدعوة ويعمل لها.

ص: 282