الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحين رجع أفشين من الشام ولم يبق في أعمال حلب ضيعه مسكونة من بلد المعرة إلى حلب، توجه إلى بلد أنطاكية فأخرب ما قدر عليه، ونهب وسبي ما وجده، وحمل إليه من أنطاكية مال، وتوجه إلى الشرق بعد امتلاء صدره وصد عسكره من النهب.
وجرى من هذا الحادث بالشام أمر لم يسمع بمثله، وتلف أهله بعد ذلك بالجوع ووجد قوم قد قتلوا قوماً وأكلوا لحومهم، وبيعت الحنطة ستة أرطال بدينار وما سوى ذلك بالنسبة.
وجدد من سلم من الشام إلى بلد شرف الدولة أبي المكارم مسلم بن قريش، فأحسن إليهم وتصدق عليهم، وكان ذلك الإحسان منه أكبر الأسباب في مملكته حلب.
شرف الدولة في حلب ونهاية المرداسيين
ولما جرى هذا الحادث طمع شرف الدولة في الشام، وكاتبه سابق بن محمود يبذل له التسليم إليه، ووفدت عليه بنو كلاب بأسرها، فتوجه إلى حلب، ونزل بالس يوم عيد النحر من سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
ونزل حلب في السادس عشر من ذي الحجة، سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة فغلقت أبوابها في وجهه، وكان عند سابق أخواه شبيب ووثاب بحلب، فلم يمكناه من التسليم، فلم يقاتلها، وأهلها يحرصون على التسليم إليه لما هم فيه من الجوع وعدم القوت.
وكان مع شرف الدولة في عسكره غلة كثيرة وقوة تجوز الحد، وتزيد عن الوصف وكان الرئيس بحلب ونقيب الأحداث بها الشريف حسن بن هبة الله الهاشمي، المعروف بالحتيتي، وكان ولده أبو منصور قد خرج مع عسكر سابق لقتال بعض الأتراك المخالفين في بيت لاها فأسروه، وبقي أسيراً في الموضع مع خطلج أحد أصحاب أحمد شاه.
فلما وصل شرف الدولة إلى حلب وفد الذك كلهم عليه، وتقربوا إليه بولد الشريف الحتيتي وقيل: إنه طلبه منهم فلما حضر عنده خلع عليه، وأطلقه فدخل البلد، وأخذ معه جماعة من أصحابه، وفتح باب حلب، ونادى بشعار شرف الدولة في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة، من سنة ائنتين وسبعين وأربعمائة.
وتسلمها، ودخل أصحابه إليها، وقلع أبوابها جميعها، وفتح باب
أربعين وكان مسدوداً وأحسن إلى كافة أهلها، وخل على أحداثهم، وتصدق بمال كثير وغلة.
وكان سديد الملك بن منقذ قد وفد على شرف الدولة ونزل معه على حلب، وكان شرف الدولة قد عزم على الرحيل من حلب لما حل بهم من الضجر ومصابرة أهل حلب، وغلت الأشعار عندهم حتى صار الخبز ستة أرطال بدينار.
وفر سديد الملك أبو الحسن بن منقذ من سور القلعة، فاطلع إليه صديق له من أهل الأدب، فقال له:" كيف أنتم " فقال: طول جب " خوفر من تفسير الكلمة، فعاد ابن منقذ وهو يقلب هذا الكلام فصح له إنه قصد بكلامه أنهم قد ضعفوا. وأوجس أنها كلمتان، وأن قوله: طول يريد به: مدا، وجب " يريد به " بير " فقال " مدابير والله، فأعلم شرف الدولة بدلك فقوى نفسه فملكها.
ولما فتحت المدينة انحاز سابق إلى القلعة، وأخواه شبيب ووثاب في القصر، لضيق القلعة، وشرف الدولة محاصر للقلعة بالمنجنيقات والعساكر ولم يبق بالشام وحصون جبل بهرا، وحمص، وفامية شيزر ومن لم يفد على السلطان إلا وفد عليه.
ودبر شبيب ووثاب، وهما في القصر على سابق وقفزا في القلعة، وصاح الأجناد بها: شبيب يا منصور، وقبض سابق وحبس، وتسلم شبيب ما كان بها من مال وسلاح.
ثم وقعت السفارة بينهم وبين شرف الدولة على أن أقطع شبيباً ووثابا قلعتي عزاز والأثارب وعدة ضياع وأقطع سابق بن محمود مواضع أخر في أعمال الرحبة،
وأن يتزوج منيعة بنت محمود أخت سابق، وكان السفير بينهم في ذلك الأمير سديد الملك علي بن منقذ، وبتدبيره جرى ذلك.
ووافق ذلك أن غار الماء في قلعة حلب، ونزل منها أولاد محمود وانقضت دولة آل مرداس وكان الوزير لسابق بن محمود الشيخ أبا نصر محمد بن الحسن بن النحاس وعزله، واعتقله مدة ثم أطلقه.
وولى وزارته أبا منصور عيسى بن بطرس النصراني فامتنع، فألزم بها، ووزر به في النصف من شوال سنة تسع وستين وأربعمائة.