الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حارم إلى الفرنج، وقال: لا تلتقوه فإنه إن هزمكم أخذ حارم وغيرها، ونحن في قوة والرأي مطاولته فأرسلوا إلى نور الدين، وصالحوه على أن يعطوه نصف أعمال حارم، ورجع نور الدين إلى حلب.
الزلازل في بلاد الشام
ووقعت الزلازل في شهر رجب في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، بالشام، فخربت حماة، وشيزر، وكفر طاب، وأفامية، ومعرة النعمان، وحمص، وحصن الشميمس عند سلمية، وغير ذلك من بلاد الفرنج وتهدمت أسوار هذه البلاد فجمع نور الدين العساكر، وخاف على البلاد من الفرنج، وشرع في عمارتها حتى أمن عليها.
وأما شيزر، فانقلبت القلعة على صاحبها وأهله، فهلكوا كلهم، وكان قد ختن ولداً له وعمل وليمة، وأحضر أهله في داره، وكان له فرس يحبه ولا يكاد يفارقه، وإذا كان في مجلس أقيم ذلك الفرس على بابه، فكان ذلك اليوم على الباب، فجاءت الزلزلة فقام الناس ليخرجوا من الدار فخرج واحد من الباب فرمحه ذلك الفرس فقتله، فامتنع الناس من الخروج، فسقطت الدار عليهم فهلكوا.
وبادر نور الدين، ووصل إلى شيزر، وقد هلك تاج الدولة بن متقذ وأولاده، ولم يسلم منهم إلا الخاتون أخت شمس الملوك زوجة تاج الدولة، ونبشت من تحت
الردم سالمة، فتسلم القلعة وعمر أسوارها ودورها، وكان نور الدين قد سأل أخت شمس الملوك عن المال وهددها، فذكرت له أن الدار سقطت عليها وعليهم، ونبشت هي دونهم، ولا تعلم بشيء، وإن كان لهم شيء فهو تحت الردم.
وكان شرف الدولة إسماعيل غائباً، فلما حضر وعاين قلعة شيزر، ورأى زوجة أخيه في ذلك الذل بعد العز، عمل قصيدة أولها:
ليس الصباح من المساء بأمثل
…
فأقول لليل الطويل ألا انجلى
قال فيها:
يا تاج دولة هاشم بل يا أبا الت
…
يجان بل يا قصد كل مؤمل
لو عاينت عيناك قلعة شيزر
…
والستر دون نسائها لم يسبل
لرأيت حصناً هائل المرأى غدا
…
متهلهلاً مثل النقا المتهيل
لايهتدي فيه السعاة لمساك
…
فكأنما تسري بقاع مهول
ذكر فيها زوجة أخيه، فقال:
نزلت على رغم الزمان ولو حوت
…
يمناك قائم سيفها لم تنزل
فتبدلت عن كبرها بتواضع
…
وتعوضت عن عزها بتذلل
وأقامت الزلازل تتردد في البلاد سبع سنين، وهلك فيها خلق كثير.
وفي هذه السنة أبطل الملك العادل نور الدين، وهو بشيزر، مظالم ومكوساً ببلاده كلها مقدارها مائة وخمسون ألف دينار.
ثم إن نور الدين تلطف الحال مع ضحاك البقاعي، وراسله، وهو ببعلبك، وكان قد عصى فيها بعد فتح دمشق، ولم ير أن يحصره بها لقربه من الفرنج، فسلمها إلى نور الدين في هذه السنة.
وجرت وقعة بين نور الدين وبين الفرنج بين طبرية وبانياس، فكسرهم نور الدين كسرة عظيمة في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.