الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني عشر
ثمال بن صالح بن مرداس
ولما هرب ثمال بن صالح وصل إلى حلب، ومعه شبيب بن وثاب، في يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان، فملكها ثمال، ووعده مشايخها بالمعونة والنصر، فخوفه خليفة بن جابر الكعبي، وقال له: ربما خذلتك عشيرتك وقعد بك أهل البلد، ولم يمكنك الثبات والمقاومة، ولا الانصراف على حال السلامة. وأراد بذلك غشه لا نصحه.
وكان أمير الجيوش قد سير في أثرهم إلى حلب عسكراً يقدمه طغان المظفري، فخاف ثمال من المقام بحلب، وولى بقلعة حلب مقلد بن كامل بن مرداس، وبالمدينة خليفة بن جابر الكعبي.
وأطلق للتجار ديوناً كانت لهم على أخيه مقدارها ثلاثون ألفاً ذهباً، ليستميل الناس بذلك إلى طاعته، وأخذ أولاد أخيه، وأخذ شبيب زوجة أخيه أخته علوية المعروفة بالسيدة وأخذا من المال والآنية الذهب والفضة والثياب ما قدرا على حمله، وساروا إلى الجزيرة.
وقيل: أن السيدة أخذت من القلعة عند قتل نصر خمسين ألف دينار، وأخذ ثمال ثلاثين ألفاً، وسار ثمال يستنجد بأخواله بني خفاجة.
ووقعت الفتنة بحلب، ونهبت دار السلطان، وأموال التجار. وكان رسول ملك الروم قد وصل إلى حلب فنهب العامة متاعه ودوابه.
وأما طغان فإئه لما وصل بالعسكر إلى حلب نزل على المدينة، فراسله خليفة ابن جابر الكعبي ومن وافقه من الحلبيين في تسليم البلد، فتسلمه في يوم السبت الرابع من شهر رمضان.
وأنفذ رسولاً إلى الدزبري يعلمه بذلك، فأغذ السير إلى حلب، ووصل إليها في عدة قليلة، واجتاز في طريق بمعرة النعمان، فالتقاه أهلها، فأكرمهم وسألهم عن أبي العلاء بن سليمان. وقال لهم: لأسيرن فيكم بسيرة العمرين. وإجتمع عنده بالمعرة كثير من العرب، فخشي منهم، فأركب رجلاً من أصحابه جملاً، ونادى بمعرة النعمان وبظاهرها: من لم يأخذ معه قوت ثلاثة أيام فلا يلومن إلا نفسه. فلم يبق من العرب أحد حوله، وظن كل منهم أنه يطلب حلته وتم أمير الجيوش إلى حلب، فدخلها يوم الثلاثاء السابع من شهر رمضان، والقلعة مستعصية على أصحابه في يد سيف الدولة مقلد بن كامل بن مرداس، وقد احتوى على الأموال التي بها، واستولى على جمهورها.
فترددت الرسل بينه وبين مقلد حتى قرر له عما في القلعة ثمانين ألف دينار، وثياباً، وفرشاً، وآلات فضة، مكراً وخديعة، وأن يأخذ المقلد الباقي.
وقنع الدزبري بذاك، وأفرج له عن نزوله وخروجه فسلم مقلد القلعة وصعد إليها أمير الجيوش، يوم الثلاثاء لثمان بقين وقيل لسبع بقين من شهر رمضان.
وأقام مقلد يوماً واحداً بعد نزوله من القلعة، وهرب بما معه من الأموال خوفاً من غدر الدزبري به، ولحق بحلته وبثمال بن صالح بالجزيرة، ونادى الدزبري في مدينة حلب بأن يخرج منها جميع الجند والحواشي الذين كانوا يخدمون ابن صالح. واجتمع الناس من سائر البلدان ليهنئوه بالفتح، وجلس للهناء في القصر بباب الجنان وعيد عيد الفطر بحلب، فذكر أنه لم ير بحلب عيد أحسن منه، لكثرة ما أظهر فيه من العدة والآلة، وأحسن إلى أهل حلب، وأمر برد ما كان صالح اغتصبه من أملاك الحلبيين، وتزوج بنت منصور بن زغيب. وولى بقلعة حلب مملوكين له. أحدهما يقال له فاتك، والآخر سبكتكين، وولى بالمدينة غلامه رضي الدولة بنجوتكين.
ثم قصد بالس ومنبج، فأخذهما. ورام أخذ الرحبة فلم يقدر عليها. وأقام بحلب إلى أن عيد عيد الأضحى، وسار إلى دمشق. ومدحه ابن حيوس بقصيدة يذكر فيها قتل نصر، ويقول فيها:
ولما طغى نصر أتحت له الردى
…
ولم ينجه الجمع الكثير ولا الحشد
وبأخرى يذكر فيها حلب، أولها:
هل بعد فتحك ذا لباغ مطمع
…
لله هذا العزم ماذا يصنع
وولى قضاء حلب أبا الوليد سليمان بن خلف الباجي سنة واحدة، ثم وليه بعده القاضي أبو الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة جد جد أبي.
ومات شبيب بن وثاب النميري في سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. واستولى أخوه مطاعن وقوام على ما كان في يده من الجزيرة، وكانت أخته السيدة علوية امرأة نصر مقيمة بالرافقة، فتحيلت على غلام أخويها الوالي بالرافقة إلى أن أخرجته، واستولت على البلد، وتزوجت بثمال لتقيم هيبتها به، ويحفظ أمرها. ووقع في هذه السنة وقعة بين عسكر الروم وعسكر حلب، فكسر عسكر أنطاكية الحلبيين، وعاد الدمستق إلى أنطاكية.
ودخل طغان حلب، وحصل ثمال بن صالح في الرقة، وخشي الدزبري من قربه إلى حلب، فاشترى قلعة دوسر ليكون مطلاً عليه. وراسل نصر بن مروان صاحب ميافارقين في أن يزوج ابنته لابنه، فأجابه إلى ذلك، فاستوحش المصريون منه
لذلك، وأنفذ إلى مصر ليحضر زوجته وابنته، فلم يطلقهما الوزير.
وثقل على الوزير الجرجرائي فتح الدزبري حلب، لأنه لم يكن برأيه، وأنكر