المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا أق سنقر البرسقي - زبدة الحلب في تاريخ حلب

[كمال الدين ابن العديم]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأولحلب قبل الإسلام

- ‌اسمها زمن إبراهيم الخليل

- ‌عند اليونانيين

- ‌بناؤها في قديم الزمان

- ‌حكامهامن اليونان

- ‌قنسرين

- ‌من الرومان

- ‌القسم الثانيحلب في صدر الإسلام

- ‌حلب

- ‌خالد بن الوليد

- ‌إمارة خالد

- ‌عمر وخالد بن الوليد

- ‌ولاية حبيب بن مسلمة

- ‌موقعة صفين

- ‌القسم الثالثحلب في العصر الأموي

- ‌خلافة معاوية بن أبي سفيان

- ‌خلافة يزيد بن معاوية

- ‌خلافة مروان بن الحكم

- ‌خلافة عبد الملك في مروان

- ‌خلافة الوليد بن عبد الملك

- ‌خلافة سليمان

- ‌خلافة عمر بن عبد العزيز

- ‌خلافة يزيد بن عبد الملك

- ‌خلافة هشام

- ‌خلافة الوليد بن يزيد

- ‌خلافة يزيد بن الوليد

- ‌خلافة إبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد

- ‌القسم الرابعحلب في العصر العباسي

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة أبي جعفر المنصور

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافه هارون الرشيد

- ‌خلافة الأمين

- ‌خلافة المأمون

- ‌خلافة المعتصم

- ‌خلافة الواثق

- ‌خلافة المتوكل

- ‌خلافة المنتصر

- ‌خلافة المستعين

- ‌خلافة المعتز

- ‌خلافة المعتمد

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي

- ‌خلافة المقتدر

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي

- ‌خلافة المتقي

- ‌خلافة المستكفي

- ‌القسم الخامسحلب والحمدانيون

- ‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية

- ‌القسم السادسحلب في أيام سعد الدولة الحمداني 356 - 381 هجرية

- ‌القسم السابعسعيد الدولة الحمداني 381 - 392 هجرية

- ‌موت سعيد الدولة

- ‌القسم الثامنولدا سعيد الدولة علي وشريف

- ‌لؤلؤ الكبير

- ‌منصور بن لؤلؤ

- ‌أبو الهيجاء بن سعد الدولة

- ‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس

- ‌القسم التاسعحلب والفاطميون

- ‌فتح القلعي مبارك الدولة

- ‌فاتك الحاكمي عزيز الدولة

- ‌محمد الكتامي صفي الدولة

- ‌ابن ثعبان سند الدولة

- ‌ثعبان سديد الملك

- ‌صالح بن مرداس

- ‌القسم العاشرحلب والمرداسيون

- ‌نهاية صالح بن مرداس

- ‌في الوزير تاذرس

- ‌القسم الحادي عشرثانياً نصر بن صالح بن مرداس

- ‌حرب الأخوين

- ‌نصر والروم

- ‌نهاية نصر بن صالح بن مرداس

- ‌القسم الثاني عشرثمال بن صالح بن مرداس

- ‌نهاية الدزبري

- ‌ثمال حاكماً في حلب

- ‌قدوم رفق الخادم ونهايته

- ‌السيدة والمستنصر

- ‌المرداسيون والروم

- ‌في الوزارة

- ‌خلع الفاطميين

- ‌البساسيري وثمال

- ‌خصائل ثمال

- ‌تسليمه حلب وخروجه إلى مصر

- ‌حكم ابن ملهم

- ‌حلب بين محمود بن نصر وناصر الدولة

- ‌حلب بين عطية بن صالح ومحمود بن نصر

- ‌ثمال في حلب

- ‌وساطة ومصالحة

- ‌حرب الروم

- ‌القسم الثالث عشرعطية بن صالح بن مرداس

- ‌عطية وابن أخيه

- ‌استنجاد المرداسيين بالترك

- ‌حلب من عطية إلى محمود

- ‌القسم الرابع عشرمحمود بن نصر بن صالح

- ‌هزيمة الروم

- ‌بين المرداسيين والروم

- ‌السلطان العادل ومحمود

- ‌وقعة منازكرد

- ‌خبر عطية بن صالح

- ‌الوزير أبو بشر

- ‌ابن منقذ

- ‌خبر الخفاجي

- ‌الشاعر ابن حيوس

- ‌وفاة محمود بن نصر

- ‌القسم الخامس عشرنصر بن محمود بن نصر بن صالح

- ‌مقتل نصر

- ‌القسم السادس عشرسابق بن محمود بن نصر

- ‌هزيمة وثاب

- ‌إعانة ملكشاه لوثاب بن محمود

- ‌قصيدة ابن النحاس

- ‌عودة تاج الدولة

- ‌أعمال تاج الدولة

- ‌شرف الدولة في حلب ونهاية المرداسيين

- ‌لقسم السادس عشرحلب ومسلم بن قريش

- ‌مسلم في حلب

- ‌عودة مسلم بن قريش

- ‌من دمشق إلى حران

- ‌سلطان ومسلم بن قريش

- ‌سليمان وأنطاكية

- ‌غارات سليمان ومقتل مسلم

- ‌القسم السابع عشرحلب وملكشاه السلجوقي التركي

- ‌سليمان حولى حلب

- ‌مقتل سليمان بن قطلمش

- ‌تتش في حلب

- ‌ملكشاه في حلب

- ‌آق سنقر وال على حلب

- ‌وفاة السلطان ملكشاه

- ‌انتصار تتش

- ‌السلطان بركيارق في حلب

- ‌موقعة سبعين ومقتل أق سنقر

- ‌القسم الثامن عشرحلب ورضوان بن تتش

- ‌487 - 507 هجرية

- ‌تتش في حلب

- ‌مقتل بوزان ثم تتش

- ‌رضوان في حلب

- ‌دقاق في دمشق

- ‌خلف بن ملاعب

- ‌المؤامرة على جناح الدولة

- ‌من سروج إلى بيت المقدس

- ‌المجن ويوسف بن أبق

- ‌الحرب بين دقاق ورضوان

- ‌الخطبة للفاطميين

- ‌الفرنج في الشام

- ‌الخيانة ودخول أنطاكية

- ‌المجن الفوعي

- ‌صنجيل في عزاز والبارة والمعرة وشيزر

- ‌حلب والفرنج

- ‌تحرك جناح الدولة ومقتله

- ‌الفرنج حول حلب

- ‌انتصارات رضوان وموت دقاق

- ‌نكبة المسلمين

- ‌الباطنية

- ‌الفرنج بين مد وجذر

- ‌الخجندي والباطنية

- ‌نهاية رضوان

- ‌القسم التاسع عشرحلب وابنا رضوان

- ‌ألب أرسلان وسلطان شاهألب أرسلان من أخويه إلى الباطنية

- ‌ألب أرسلان وطغتكين

- ‌رئاسة حلب وأمرها ومقتل ألب أرسلان

- ‌سلطان شاه

- ‌حلب بين لؤلؤ والزلازل

- ‌خسارة المسلمين أمام الفرنج

- ‌نهاية لؤلؤ الخادم

- ‌ياروقتاش أتابك في حلب

- ‌إيلغازي من حلب إلى ماردين

- ‌بلد حلب بين الغلاء والفرنج

- ‌القسم العشرونحلب وإيلغازي

- ‌استدعاء إيلغازي إلى حلب

- ‌وقعة تل عفرين

- ‌فتح الأثارب وزردنا وانتصار دانيث

- ‌غارات بغدوين وجوسلين

- ‌نائب حلب سليمان بن إيلغازي وعصيانه

- ‌مناورات إيلغازي والفرنج

- ‌مرض إيلغازي وموته

- ‌القسم الحادي والعشرونحلب وبقية الأرتقيين

- ‌أولاً سليمان بن عبد الجبار بن أرتق

- ‌ثانيا بلك بن بهرام بن أرتق

- ‌ثالثاً تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق

- ‌اطلاق سراح بغدوين

- ‌أعمال الفرنج حول حلب وحصارها

- ‌رابعاً أق سنقر البرسقي

- ‌مقتل البرسقي

- ‌خامساً عز الدين مسعود ووفاته

- ‌القسم الثاني والعشرونحلب وعماد الدين

- ‌عماد الدين زنكي في حلب

- ‌التوقيع له بجميع البلاد الشامية

- ‌زواج وطلاق

- ‌سيف الدين سوار

- ‌من حماة إلى حمص

- ‌أنطاكية

- ‌خبر دبيس ومقتله

- ‌بين المسلمين والفرنج

- ‌حروب داخلية وخارجية

- ‌مقتل شمس الملوك وتسلم شهاب الدين

- ‌زنكي في حماه وحلب وحمص وبغداد

- ‌توسع عماد الدين وتحرك الروم

- ‌الروم حول حلب وشيزر

- ‌زلازل عام 533 هجرية

- ‌زنكي يفتح بعلبك ويحاصر دمشق

- ‌غارات الفرنج والمسلمين

- ‌فتح الرها وسروج

- ‌نهاية عماد الدين

- ‌القسم الثالث والعشرونحلب ونور الدين زنكي

- ‌نور الدين زنكي في حلب والرها

- ‌نصر المسلمين في العريمة ويغري

- ‌بناء المدارس

- ‌اقتسام مناطق النفوذ

- ‌انتصارات نور الدين وضم دمشق

- ‌الزلازل في بلاد الشام

- ‌مرض وعافية

- ‌تحرك الفرنج وانتصارهم في البقيعة

- ‌نور الدين وشيركوه

- ‌من أمهات المعارك

- ‌موقعة البابين

- ‌توسع نور الدين

- ‌قتل شاور وموت أسد الدين

- ‌وزارة صلاح الدين

- ‌من الزلازل إلى وفاة قطب الدين

- ‌انتقال الخطبة من الفاطميين إلى العباسيين

- ‌تراجع صلاح الدين الأيوبي

- ‌التراجع الثاني

- ‌موت والد صلاح الدين ثم موت نور الدين

- ‌القسم الرابع والعشرونالخطبة والحداد

- ‌استقلال سيف الدين غازي ببلاد الجزيرة

- ‌حصار بانياس الداخل

- ‌المراسلات في شأن الملك الصالح

- ‌الفتنة الطائفية

- ‌استدعاء صلاح الدين الأيوبي إلى دمشق

- ‌مسيره إلى حمص وحماه وحلب

- ‌من بعلبك إلى قرون حماة

- ‌بعد صلح تحرك صاحب الموصل

- ‌صلاح الدين وسيف الدين في تل السلطان

- ‌بزاعا ومنبج وعزاز ومحاولة قتل صلاح الدين

- ‌حصار حلب والصلح

- ‌أخبار الإسماعيلية

- ‌تحرك الفرنج بغياب صلاح الدين

- ‌وفاة إسماعيل بن نور الدين زنكي

- ‌القسم الخامس والعشروندخول عز الدين حلب

- ‌دخول عماد الدين حلب بعد المقايضة

- ‌صلاح الدين الأيوبي في بلاد الشام

- ‌صلاح الدين في أرض الجزيرة

- ‌القسم السادس والعشرونصلاح الدين يحاصر حلب

- ‌التهيئة للتسليم والاستلام

- ‌دخول صلاح الدين قلعة حلب

- ‌حارم وتل خالد وعزاز

- ‌صلاح الدين والفرنج

- ‌حلب وأبو بكر بن أيوب

- ‌خبر شيخ الشيوخ

- ‌غزو الكرك ونابلس وسبسطية وجنين

- ‌نحو حران والموصل وميافارقين

- ‌الشفاء وإعادة التوزيع

- ‌القسم السابع والعشرونغازي في حلب

- ‌العساكر الإسلامية والفرنج

- ‌حطين وأنهزام الفرنج ونهاية أرناط

- ‌فتح طبرية وعكا وبيروت وغيرها

- ‌تسلم القدس من الفرنج

- ‌هونين وطرطوس وجبلة واللاذقية وصهيون

- ‌بكاس والشغر وسرمانية وبرزية

- ‌درب ساك وبغراس وصفد والكرك

- ‌فتح كوكب وشقيف أرنون

- ‌القتال حول عكا

- ‌تحرك الصليبيين الألمان

- ‌الأساطيل البحرية

- ‌عودة الفرنج إلى عكا وهدم عسقلان

- ‌الصلح مع الفرنج

- ‌القسم الثامن والعشرونالتنافر والاتفاق

- ‌التنافر الثاني وخروج الأفضل عن دمشق

- ‌تحرك الظاهر غازي حول حلب

- ‌الخوف من الفرنج

- ‌من نتائج موت العزيز بمصر

- ‌حصار دمشق وفشل الحصار

- ‌الملك العادل في مصر

- ‌الملكان الأفضل والظاهر يحاصران دمشق

- ‌الأفضل والظاهر يختلفان

- ‌من حوادث سنة 600 هجرية

- ‌غارات ابن ليون الأرمني

- ‌الرد على الفرنج وظهور كيخسرو

- ‌العادل في الجزيرة

- ‌زواج الظاهر وعنايته بالعمران

- ‌ولاية العهد وموت الظاهر

- ‌القسم التاسع والعشروناتفاق الأمراء

- ‌تحرك الفرنج وملك الروم

- ‌موت العادل وملك الكامل

- ‌إنجاد دمياط وتحرك ابن المشطوب

- ‌تحرك الأشرف إلى الموصل ومصر

- ‌خبر الملك المعظم

- ‌عودة الأشرف من مصر وعصيان المظفر

- ‌من الحرب إلى الاتفاق فالموت

- ‌القسم الثلاثونالتنازل عن القدس

- ‌الأشرف والكامل يقتسمان

- ‌خبر خلاط وتحرك الفرنج

- ‌ممارسة العزيز صلاحياته

- ‌الحرب ضد كيقباذ

- ‌موت العزيز محمد بن غازي

- ‌خلافة الأخوين

- ‌تحرك الفرنج

- ‌وفاة كيقباذ والأشرف

- ‌الملك الكامل في دمشق ووفاته فيها

- ‌زواج الملك الناصر وفتح معرة النعمان

- ‌ابن العديم رسول السلطان

- ‌قوة الخوارزمية

- ‌الدعوة للسلطان كيخسرو

- ‌دمشق بين الملوك الجواد والصالح والصالح إسماعيل

- ‌تحرك الخوارزمية

- ‌النجدات ضد الخوارزمية

- ‌خسارة الخوارزمية

- ‌موقعة المجدل

- ‌حوادث متفرقة

الفصل: ‌رابعا أق سنقر البرسقي

وبقي الحلبيون عند تمرتاش يحثونه على التوجه إلى حلب، وهو يعدهم ولا يفعل، وهم يقولون له: نريد منك أن تصل بنفسك، والحلبيون يكفونك أمرهم.

فضاق الأمر بالحلبيين إلى حد أكلوا فيه الكلاب والميتات، وقلت الأقوات، ونفد ما عندهم، وفشا المرض فيهم، فكان المرضى يئنون لشدة المرض، فإذا ضرب البوق لزحف الفرنج قام المرضى كأنما أنشطوا من عقال، وزحفوا إلى الفرنج وردوهم إلى خيامهم، ثم يعودون إلى مضاجعهم.

فكتب جدي أبو الفضل هبة الله بن القاضي أبي غانم كتاباً إلى والده يخبره بما آل أمر حلب إليه من الجوع وأكل الميتات والمرض، فوقع كتابه في يد تمرتاش فغضب وقال: انظروا إلى هولاء يتجلدون علي، ويقولون إذا وصلت فأهل حلب يكفونك أمرهم، ويغررون بي حتى أصل في قلة، وقد

بلغ بهم الضعف إلى هذه الحالة.

‌رابعاً أق سنقر البرسقي

ثم أمر بالتوكيل والتضييق عليهم، فشرعوا في إعمال الحيلة والهرب إلى أق سنقر البرسقي، ليستصرخوا به فاحتالوا على الموكلين بهم، حتى ناموا وخرجوا هاربين، فأصبحوا بدارا.

وساروا حتى أتوا الموصل، فوجدوا البرسقي مريضاً مدنفاً، والناس قد منعوا من الدخول عليه إلا الأطباء، والفروج يدق له لشدة الضعف. ووصل إلى دبيس من أخبره بذلك، فضرب البشارة في عسكره، وارتفع عنده التكبير والتهليل، ونادى بعض أصحابه أهل حلب: قد مات من أملتم نصره. فكادت أنفس الحلبيين تزهق.

واستؤذن للحلبيين على البرسقي فأذن لهم، فدخلوا إليه، واستغاثوا به، وذكروا له ما أهل حلب فيه من الضر، فأكرمهم رحمه الله وقال لهم: ترون ما أنا فيه الآن من المرض، ولكن قد جعلت لله علي نذراً إن عافاني من مرضي هذا لأبذلن جهدي في أمركم، والذب عن بلدكم، وقتال أعدائكم.

قال القاضي أبو غانم قاضي حلب: فما مضى ثلاثة أيام بعد ذلك حتى فارقته الحمى، فأخرج خيمته، ونادى في العساكر بالتأهب للجهاد إلى حلب.

وبقي أياماً وعمل العسكر أشغاله وخرج رحمه الله في عسكر قوي، فوصل

ص: 294

إلى الرحبة، وكاتب أتابك طغتكين صاحب دمشق، وصمصام الدين خيرخان بن قراجا صاحب حمص.

ورحل إلى بالس، وسار منها إلى حلب فوصلها يوم الخميس لثمان بقين من ذي الحجة من سنة ثماني عشرة.

ولما قرب من حلب رحل دبيس ناشراً أعلامه البيض إلى الفرنج عند قرية من حلب، وتحولوا إلى جبل جوشن كلهم. وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنهبوها ونالوا منها ما أرادوا.

وخرج أهل حلب والتقوا قسيم الدولة عند وصوله. وسار نحو الفرنج فانهزموا بين يديه من جبل جوشن، وهو يسير وراءهم على مهل حتى أبعدوا عن البلد.

فأرسل الشالشية، وأمرهم أن يردوا العسكر، فجعل القاضي ابن الخشاب يقول له: يا مولانا لو ساق العسكر خلفهم أخذناهم، فإنهم منهزمون والعسكر محيطة بهم. فقال له: يا قاضي تعلم أن في بلدكم ما يقوم بكم وبعسكري لو قدر علينا والعياذ بالله كسرة؟ فقال: لا. فقال: ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويكسرونا، ويهلك المسلمون، ولكن قد كفى الله شرهم وندخل إلى البلد ونقويه وننظر في مصالحه، ونجمع لهم إن شاء الله، ونخرج إليهم بعد ذلك.

ورجع ودخل البلد وتسلم قلعتها، ونظر في مصالح البلد وقواه، وأزال الظلم والمكوس وعدل فيهم عدلاً شاملاً وأحسن إليهم إحساناً كاملاً.

وكتب لأهل حلب توقيعاً بإطلاق المظالم والمكوس، نسخته موجودة، بعدما كان الحلبيون منوا به من الطلم والمصادرة من عبد الكريم والي القلعة، وعمر الخاص والي البلد، وتسليطهما الجند والأتراك على مصادرة الناس بحيث أنهم استصفوا أموال جماعة من الأكابر والصدور وغيرهم في حالة الحصار.

ص: 295

وأما الفرنج فإنهم توجهوا إلى الأثارب ودخلوا أنطاكية.

وشرع الناس في الزرع ببلد حلب في الثاني عشر من شباط وجعلوا يبلون الغلة بالماء، ويزرعونها فنبتت وتداركت عليها الأمطار فأخصبت، وجاءت الغلة من أجود الغلاء وأزكاها.

وأطلق البرسقي بني منقذ من الاعتقال بقلعة حلب، ورحل إلى تل السلطان في سنة تسع عشرة وخمسمائة، في أواخر المحرم، وأقام به ثلاثة أيام، ورحل إلى أن وصل إلى شيزر في سابع صفر، وتسلم أولاد الفرنج من ابن منقذ، وباعهم بثمانين ألف دينار حملت إليه.

وأقام بأرض حماة أياماً حتى وصل إليه أتابك طغتكين، فرحل في عساكره التي لا تحد كثرة، ونزل كفر طاب فسلمت إليه يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الآخر، وسلمها إلى صمصام الدين خيرخان بن قراجا، وكان قد

وصل إليه من حمص والتقاه بتل السلطان.

وسار إلى عزاز وقاتلها، ونقبت قلعتها فقصدهم الفرنج، فالتقوا سادس عشر ربيع الآخر، وكسر البرسقي كسرة عظيمة، واستشهد جماعة من المسلمين من السوقة والعامة، ولم يقتل من الأمراء والمقدمين أحد.

ووصل أق سنقر البرسقي سالماً إلى حلب، وأقام على قنسرين أياماً، وتفرقت العساكر إلى بلادهم، ووصل أمير حاجب صارم الدين بابك بن طلماس، فولاه البرسقي حلب وبلدها، وعزل عنها سوتكين والياً كان ولاه.

ووقعت الهدنة بين البرسقي والفرنج على أن يناصفهم في جبل السماق وغيره مما كان بأيدي الفرنج، وسار البرسقي إلى الموصل فلم يزل الفرنج يعللون الشحن والمقطعين بالمحال في مغل ما وقعت الهدنة عليه إلى العشرين من شعبان من السنة.

وسار بغدوين إلى بيت المقدس والرسول خلفه يعلمه بأن الفرنج لا يمكنون

ص: 296

أحداً من رفع شيء من الصيافي، وأخذ بعض متصرفي المسلمين بعض الارتفاع من بعض الأماكن والهدنة على حالها، فتجمع الفرنج ونزلوا رفنية.

وخرج شمس الخواص صاحبها طالباً أق سنقر البرسقي مستصرخاً به، وسلمها إليهم ولده المستخلف فيها في آخر صفر من سنة عشرين وخمسمائة، وقصدوا بلد حمص فشعثوه.

فجمع البرسقي العساكر وحشد، وسار نحو الشام لحربهم حتى وصل الرقة في أواخر شهر ربيع الآخر، وسار إلى أن نزل بالنقرة على الناعورة في الشهر المذكور، وأقام به أياماً والفرنج يراسلونه، فراسله جوسلين على أن تكون الضياع ما بين عزاز وحلب مناصفة وأن يكون الحرب بينهما على غير ذلك، فاستقر هذا الأمر. وكان بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار وشهريار بك ابن عمه، قد توجها مع جماعة من التركمان إلى المعرة فأوقعوا بعسكر الفرنج، وقتل المسلمون منهم مائة وخمسين، وأسروا جفري بلنك، صاحب بسرفوث، من جبل بني عليم، وأودع في سجن حلب.

وكان قد سير البرسقي ولده عز الدين مسعوداً منجداً لصاحب حمص، فاندفع الفرنج عنها فعاد عز الدين إلى والده، فتركه بحلب، وعزل بابك، عن ولايتها وولاها كافور الخادم إلى أن ينظر فيمن يوليه إياها ولاية مستقلة.

ورحل قسيم الدولة إلى الأثارب في الثامن من جمادى الآخرة من سنة عشرين، وسير بابك بن طلماس في جماعة من العسكر والنقابين إلى حصن الدير المجدد فرق سرمداً ففتحه سلماً.

وقتل من الخيالة بعد ذلك خمسون فارساً، ونهب العساكر الغلال والفلاحين في سائر البلد الذي وصلت الغارات إليه، ورفعوا الغلة جميعها إلى حلب، وزحفوا إلى قلعة الأثارب، وخربوا الحوشين، ولم يتيسر فتحها.

ووصل بغدوين من القدس في جموع الفرنج، ووصل إليه جوسلين، ونزلوا عم وأرتاح، وسيروا إلى البرسقي: ترحل عن هذا الموضع، ونتفق على ما كنا عليه

ص: 297