الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلد على أن يقره بيد سيف الدين، وطلب الأمان لنفسه وعلى أن يمضي صحبته إلى الشام، ويقطعه ما يرضيه فتسلم البلد، وأبقى فيه سيف الدين غازي.
وعاد إلى حلب فدخلها في شعبان من هذه السنة.
انتقال الخطبة من الفاطميين إلى العباسيين
وكتب إلى الملك النصر صلاح الدين يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة المستضيئية العباسية، فامتنع واعتذر بالخوف من قيام أهل الديار المصرية عليه، وكان يؤثر أن لا يقطع الخطبة للمصريين في ذلك الوقت، خوفاً من نور الدين أن يدخل إلى الديار المصرية فيأخذها منه، وإذا كان العاضد معه امتنع وأهل مصر معه، فلم يقبل عذره نور الدين، وألح عليه.
وكان العاضد مريضاً فخطب للمستضيء في الديار المصرية. وتوفي العاضد، ولم يعلم بقطع الخطبة. وقيل: أنه علم قبل موته، وكان ذلك في سنة سبع وستين وخمسمائة.
وفي هذه السنة تتبع نور الدين رسوم المظالم والمؤن في جميع البلاد التي بيده، فأزالها وعفى رسومها ومحا آثار المنكرات والفواحش، بعدما كان أطلق من ذلك في تواريخ متقدمة، وكان مبلغ ما أطلقه أولاً وثانياً خمسمائة ألف وستة وثمانين ألفاً وأربعمائة وستين ديناراً.
وكان رأى وزيره موفق الدين خالد بن القيسراني في المنام كأنه يفضل ثياب نور الدين، ففسر ذلك عليه، ففكر في ذلك ولم يرد عليه جواباً، فخجل وزيره وبقي أياماً واستدعاه، وقال: تعالى يا خالد، اغسل ثيابي، وأمره فكتب توقيعاً بإزالة ما ذكرناه.
تراجع صلاح الدين الأيوبي
وسار الملك الناصر من مصر غازياً، فنازل حصن الشوبك وحصره، فطلبوا الأمان واستمهلوه عشرة أيام، فلما سمع نور الدين بذلك سار عن دمشق، فدخل
بلاد الفرنج من الجهة الأخرى، فقيل للملك الناصر: إن دخل نور الدين من جانب وأنت من هذا الجانب ملك بلاد الفرنج، فلا يبقى لك معه بديار مصر مقام، وإن جاء وأنت ههنا فلا بد لك من الإجتماع به، وببقى هو المتحكم فيك بما شاء، والمصلحة الرجوع إلى مصر.
فرحل عن الشوبك إلى مصر، وكتب إلى نور الدين يعتذر باختلال أمور الديار المصرية وأن شيعتها عزموا على الوثوب بها، فلم يقبل نور الدين عذره، وتغير عليه وعزم على الدخول إلى الديار المصرية.
فسمع الملك الناصر، فجمع أباه نجم الدين وخاله شهاب الدين، وتقي الدين عمر، وغيرهم من الأمراء، وأعلمهم ما بلغه من حركة نور الدين واستشارهم، فلم يجبه أحد، فقام تقي الدين، وقال: إذا جاءنا قاتلناه. ووافقه غيره من أهله، فشتمهم نجم الدين أيوب والد الملك الناصر، وأقعد تقي الدين، وقال للملك الناصر: أنا أبوك، وهذا شهاب الدين خالك، ونحن أكثر محبة لك من جميع من ترى، ووالله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدين لم يمكننا إلا أن نقبل الأرض بين يديه، ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا. فإذا كنا نحن هكذا، فما ظنك بغيرنا، وكل من نراه عندك، فهو كذلك، وهذه البلاد لنور الدين، ونحن مماليكه ونوابه فيها، فإن أراد عزلك سمعنا وأطعنا، والرأي أن تكتب كتاباً مع نجاب وتقول له: بلغني أنك تريد الحركة لأجل البلاد، ولا حاجة إلى ذلك بل يرسل المولى نجاباً يضع في رقبتي منديلاً، ويأخذني إليك. وتفرقوا.
فلما خلا نجم الدين أيوب بالملك الناصر قال له: كيف فعلت مثل هذا؟ أما تعلم أن نور الدين إذا سمع عزمنا على منعه ومحاربته جعلنا أهم الوجوه إليه، وحينئذ لا نقوى به، وأما إذا بلغه طاعتنا له تركنا واشتغل بغيرنا والأقدار بيد الله، ووالله لو أراد نور الدين قصبة من قصب السكر لقاتلته عليها حتى أمنعه أو أقتل. ففعل ما