الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديد، وهو جالس فيها قد دفن حياً ولم يبق إلا عظامه، وهو على هيئة القاعد فيها. ولا أشك في أنه ابن أبي أسامة المذكور والله أعلم.
وملك صالح في هذه السنة: حمص، وبعلبك، وصيدا، وحصن ابن عكار بناحية طرابلس. وكان في يده الرحبة، ومنبج، وبالس، ورفنية.
وكان، وهو محبوس بالقلعة عند مرتضى الدولة، قد رأى في المنام كأن إنساناً قد دخل عليه، فألبسه قلنسوة ذهب، ففزج الله عنه، وخرج من السجن، وكان منه ما ذكرنا.
ثم إن الظاهر سير عسكراً مع الدزبري وضم رافع بن أبي الليل إليه وقدمه على الكلبيين، وجهزه إلى محاربة حسان بن المفرج الطائي، لأنه كان قد أخرب الشام، وعاث، وأفسد.
فلما علم حسان بقربه استصرخ صالحاً، فتوجه نحوه، فرأى صالح ذلك الشخص في المنام بعينه، قد دخل عليه وانتزع من رأسه القلنسوة الذهب، فتطير من ذلك.
نهاية صالح بن مرداس
ولما وصل إلى حسان ونشبت الحرب بينهما وبين الدزبري، وذلك بالموضع المعروف بالأقحوانة على الأردن، طعن صالح فسقط عن فرسه،
طعنه طريف الفزاري فرآه رافع بن أبي الليل فعرفه، فأجهز عليه، وقطع رأسه، وبادر به الدزبري.
وقيل: طعنه رجل يقال له ريحان. وكان أسد الدولة صالح على فرس، فما زال يرمح حتى رماه، وجاءه رافع فأخذ رأسه، وكان مقتله لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة عشرين وأربعمائة. وقيل: في يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى من السنة.
في الوزير تاذرس
وكان قاضي حلب في أيامه القاضي أبا يعلى عبد المنعم بن عبد الكريم بن سنان المعروف بالقاضي الأسود، بعد ابن أبي أسامة، ولي قضاءها سنة ست عشرة، واستمر على القضاء في أيام ابنه شبل الدولة.
وكان وزير صالح تاذرس بن الحسن النصراني، فأخذ في الوقعة وصلب وكان هذا النصراني متمكناً عند صالح، وكان صاحب السيف والقلم.
وقيل: إته كان يترجل له لعنه الله، الولاة والقضاة، فمن دونهم إلا القاضي أبا يعلى عبد المنعم بن عبد الكريم بن
سنان قاضي حلب، والشيخ أبا الحسن المهذب بن علي بن المهذب فإنه أراد أن يترجل له فحلف أن لا يفعل.
وقيل: إن أهل حاس قرية بمعرة النعمان قتلوا حماه، كان يقال له الخوري، وكان من أهل تلمنس، لأذيته لهم، فحين سمع تاذرس بقتل حميه الخوري، خرج في عسكر حلب، وطلب أهل حاس في الجبال والضياع، وهرب القاتلون إلى أفامية، فلحقهم، فسلمهم إليه واليها.
فكتب إلى صالح يستأذنه في قتلهم، فأذن له فقتلهم، وصلبهم، فلما أنزلوا عن الخشب ليصلى عليهم ويدفنوا، صلى عليهم خلق عظيم.
وقال الناس حينئذ، يكايدون النصارى: قد رأينا عليهم طيوراً بيضاً، وما هي إلا الملائكة، فبلغت هذه الكلمة تاذرس لعنه الله فنقمها على أهل المعرة، واعتدها ذنباً لهم.
فاتفق أن صاحت امرأة في الجامع، يوم الجمعة، وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغصبها نفسها، فنفر كل من في الجامع إلا القاضي والمشايخ، وهدموا الماخور، وأخذوا خشبه، وكان أسد الدولة صالح في صيدا، سنة سبع عشرة وأربعمائة.
فلما توجه إلى حلب، سنة ثمان عشرة، لم يزل به تاذرس حتى اعتقل مشايخ المعرة وأماثلها، فاعتقل منهم سبعين رجلاً، وقطع عليهم ألف
دينار وقال له صالح حين لج عليه: أأقتل المهذب أو أبا المجد، بسبب ماخور! ما أفعل! " وقد بلغني أنه دعي لهم في آمد وميافارقين، فغلبه على رأيه، فبقوا في الاعتقال في الحصن، سبعين يوماً، إلى أن اجتاز صالح بالمعرة، واستدعى أبا العلاء ابن سليمان بظاهر المعرة.
فلما حصل عنده بالمجلس قال له الشيخ أبو العلاء، ساعياً فيهم: مولانا السيد الأجل أسد الدولة ومقدمها وناصحها، كالنهار الماتع، اشتد هجيره، وطاب أبرداه، وكالسيف القاطع، لأن صفحه، وخشن حداه، " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " فقال صالح:" قد وهبتهم لك أيها الشيخ ". ولم يعلم أبو العلاء بما قطع عليهم من المال فأخذ منهم. ثم قال أبو العلاء شعراً:
تغيبت في منزلي برهة
…
ستيرالعيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلا الأقل
…
وحم لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعاً إلى صالح
…
وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام
…
وأسمع منه زئيرالأسد
فلا يعجبني هذا النفاق
…
فكم نفقت محنة ما كسد