الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول، سنة أربع وخمسين ومائتين، وبقي والياً إلى أن تغلب أحمد بن عيسى بن شيخ على الشامات في أيام المهتدي.
خلافة المعتمد
فلما مات، وولي المعتمد سير إلى ابن شيخ بولاية أرمينية، على أن ينصرف عن الشام آمناً فأجاب إلى ذلك، ورحل عنها في سنة ست وخمسين ومائتين.
ووليها أحمد بن طولون، مع أنطاكية وطرسوس وغيرها من البلاد وكان أحمد ابن طولون شهماً شجاعاً عاقلاً، وكان على مربطه أربعة آلاف حصان، وكانت نفقته في كل يوم آلف دينار.
فعقد المعتمد لأخيه أبي أحمد الملقب بالموفق على حلب وقنسرين والعواصم، في شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين. ثم ولاه بغداد، واليمن، وخراسان، وولى الشام لابنه جعفر وجعل له ولاية العهد، وهو صبي، وجعل الأمر بعده لأخيه أبي أحمد.
فولى أبو أحمد الموفق سيما الطويل أحد قواد بني العباس ومواليهم حلب والعواصم. فابتنى بظاهر مدينة حلب داراً حسنة، وعمل لها بستاناً. وهو الذي يعرف الآن ببستان الدار ظاهر باب أنطاكية. وبهذه الدار سميت المحلة التي بباب أنطاكية الدارين، إحدى الدارين هذه، والدار الأخرى
بناها قبله محمد بن عبد الملك بن صالح، فعرفت المحلة بالدارين لذلك. وإحدى الدارين تعرف
بالسليمانية على حافة نهر قويق، وحاضر السليمانية بها يعرف وهو حاضر حلب. وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريباً من داره. وركب عليه باباً أخذه من قصور بعض الهاشميين بحلب يقال له: قصر البنات. وأظن أن درب البنات بحلب يعرف به، وأظن القصر يعرف بأم ولد كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح اسمها بنات وهي أم ولده داود.
وسمى سيما الباب باب السلامة وهو الباب الذي ذكره الواساني في قصيدته الميمية التي أولها:
يا ساكني حلب العوا
…
صم جادها صوب الغمامه
وفي سيما الطويل يقول البختري:
فردت إلى سيما الطويل أمورنا
…
وسيما الرضا في كل أمر يحاوله
فعصى أحمد بن طولون على أبي أحمد الموفق، وأظهر خلعه ونزل إلى الشام، فانحاز سيما الطويل إلى أنطاكية فحصره أحمد بن طولون بها فألقت
عليه امرأة حجراً وقيل قوقاً فقتلته. وقيل بل قتله عسكر ابن طولون، وكان ذلك في سنة أربع وستين أو سنة خمس وستين ومائتين واستولى أحمد بن طولون على حلب والشام جميعه منابذاً لأبي أحمد الموفق، وكان قاضي حلب في أيامه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبو بكر القاضي العمري. ودام على قضائها إلى أن مات أحمد.
وكان سيما حين صارت له حلب قد قصد جماعة من الأشراف من بني صالح ابن علي بالأذى، واستولى على أملاكهم، وأودع بعضهم السجن. فلما ولي أحمد بن طولون قال صالح بن محمد بن اسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي الحلبي، يمدحه ويشكره، ويذكر ظفره بسيما بقصيدة يقول فيها:
وقد لبستنا من قذا الجور ذلة
…
ودار بنا كيد الأعادي فأحدقا
وحكم فينا عاند فجرت له
…
أفاعيل غر تترك اللب أخلقا
إلى أن أتيحت بابن طولون رحمة
…
أشار إلى معصوصب فتفرقا
فدتك بنو العباس من ناصر لها
…
أنار به قصد السبيل فأشرقا
بنيت لهم مجداً تليداً بناؤه
…
فلم نر بنياناً أعز وأوثقا
منحتهم صفو الوداد ولم يكن
…
سواك ليعطي الود صفواً مزوقا
تجوز منك العبد لما قصدته
…
وأسكن أشراف الأقاوم مطبقا
بلا ترة أسدوا إليه وإنما
…
يجازي الفتى يوماً على ما تحققا
وهيهات ما ينجيه لو أن دونه
…
ثمانين سوراً في ثمانين خندقا
ثم إن أحمد بن طولون توجه إلى مصر، وولى مملوكه لؤلؤ حلب في سنة ست وستين، فخرج بكار الصالحي من ولد عبد الملك بن صالح، بنواحي حلب بينها وبين سلمية، ودعا إلى أبي أحمد الموفق في سنة ثمان وستين، فحاربه ابن العباس الكلابي فهزم الكلابي ووجه إليه لؤلؤ قائداً يقال له أبو ذر، فرجع وليس معه كبير أحد. ثم إن لؤلؤ ظفر به فقبض عليه.
ثم إن لؤلؤ الطولوني خالف مولاه أحمد بحلب، وعصى عليه في سنة تسع وستين، وكاتب أبا أحمد الموفق في المسير إليه فأجابه إلى ذلك. وقطع لؤلؤ الدعاء لمولاه أحمد مدنه جميعها: حلب، وقنسرين، وحمص، وديار مضر، وترك أهل الثغور الدعاء لابن طولون، وأخرجوا نائبه منها وهموا بقبضه، فهرب. فنزل أحمد بن طولون من مصر في مائة آلف فقبض على حرم لؤلؤ وباع ولده وأخذ ما قدر عليه مما كان له، وهرب لؤلؤ منه ولحق بأبي أحمد طلحة بن المتوكل وهو على محاربة العلوي البصري عميد الزنج.
ولؤلؤ هو الذي قتل علوي البصرة في سنة تسع وستين ومائتين. وبقي لؤلؤ ببغداد إلى أن قبض عليه الموفق، وقيده في سنة ثلاث وسبعين ومائتين، فوجد له أربعمائة ألف دينار. فذكر لؤلؤ الطولوني أنه لا يعرف لنفسه ذنبا إلا كثرة ماله وأثاثه.
ولما انحدر لؤلؤ من الرقة كان معه من السفن والخزائن زهاء ثلاثمائة خزانة.
ولما هرب لؤلؤ من مولاه إلى العراق في جمادى الأولى من السنة، اجتاز ببالس، وبها محمد بن العباس بن سعيد الكلابي أبو موسى، وأخوه سعيد فأسرهما. ثم إن ابن طولون وصل إلى الثغور، فأغلقوها في وجهه، فعاد إلى أنطاكية ومرض. فولى على حلب عبد الله بن الفتح، وصعد إلى مصر مريضاً، فمات سنة سبعين ومائتين.
وولي ابنه أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فولى في حلب أبا موسى محمد بن العباس بن سعيد الكلابي، في سنة إحدى وسبعين ومائتين. ونزل أبو الجيش من مصر إلى حلب، وكاتب أبا أحمد بن المتوكل بأن يولى حلب ومصر وسائر البلاد التي في يده، ويدعى له على منابرها، فلم يجبه إلى ذلك، فاستوحش من الموفق.
وولى في حلب القائد أحمد بن ذو غباش، وصعد إلى مصر فوصل إلى حلب إسحاق بن كنداج، وكان يلي ديار ربيعة، ومحمد بن أبي الساج، وكان يلي ديار مضر، فولاه الموفق حلب وأعمالها، وكتبا إلى العراق يطلبان نجدة تصل إليهما، فإن ابن جيعويه وغيره من قواد ابن طولون بشيزر.
فسير الموفق ابنه أبا العباس أحمد بن طلحة، وكان قد جعل إليه ولاية عهده، فوصل إلى حلب في ربيع الآخر من سنة إحدى وسبعين
ومائتين، وكان فيها محمد ابن ديوداذ بن أبي الساج، المعروف بالأفشين حينئذ والياً، وسار إلى قنسرين، وهي
يومئذ لأخي الفصيص التنوخي وهي عامرة وحاضر طيء لطيء وعليها أيضاً سور، وقلعتها عامرة.
وسار إلى شيزر، فكسر العسكر المقيم، وسار إلى أن تواقع المعتضد وخمارويه على الطواحين، بقرب الرملة، وكانت الغلبة أولاً لأبي العباس المعتضد، فهرب خمارويه بمن خف معه إلى مصر، ونزل أبو العباس بخيمة خمارويه، وهو لا يشك في الظفر، فخرج كمين لخمارويه، فشدوا عليهم وقاتلوهم، فانهزموا، وتفرق القوم.
ورجع الأمير أبو العباس إلى أن انتهى إلى أنطاكية، وكان محمد بن ديوداذ المعروف بالأفشين بن أبي الساج قد فارق أبا العباس لكلام أغلظ له فيه أبو العباس، فجاء قبل وقعة الطواحين، واستولى على حلب، ومعه إسحاق بن كنداج.
وسار أبو العباس من أنطاكية إلى طرسوس فأغلقها أهلها دونه، ومنعوه من دخولها فسار إلى مرعش، ثم إلى كيسوم، ثم إلى سميساط، وعبر الفرات، ونكب عن حلب لاستيلاء الأقشين عليها وكان قد جرت بينهما وحشة.
ونزل خمارويه إلى حلب، فصالحه الأفشين وصار في جملته، ودعا له
على منابر أعماله، وحمل إليه خمارويه مائتي آلف دينار ونيفاً وعشرين آلف دينار لوجوه أصحابه، وعشرين ألف دينار لكاتبه، وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائتين. وأعطاه ابن أبي الساج ولده رهينة على الوفاء بعهده، فراسل خمارويه أبا أحمد الموفق، وسأله الصلح فأجابه إلى ذلك، وولاه مصر، وأجناد الشام، وقنسرين، وحلب، والعواصم، والثغور.
وصعد أبو الجيش إلى مضر، وكان أبو الجيش قد أعطى ابن أبي الساج يوم دفع ولده إليه ما مبلغه ثلاثون ألف دينار، فقال ابن أبا: خدعكم محمد بن ديوداذ، إذ أعطاكم بولة يبول مثلها في كل ليلة مرات، وأخذ منكم ثلاثين ألف دينار.
ثم إن ابن أبي الساج نكث عهده مع أبي الجيش، وعاث في نواحي الأعمال
التي له، في ذي القعدة من سنة أربع وسنعين ومائتين، فخرج إليه أبو الجيش. والتقيا بالثنية، من أعمال دمشق فانهزم ابن أبي الساج واستبيح عسكره قتلاً وأسراً، ففي ذلك يقول البحتري:
وقد تدلت جيوش النصر منزلة
…
على جيوش أبي الجيش بن طولونا
يوم الثنية إذ ثنى بكرته
…
خمسين ألفاً رجالاً أو يزيدونا
وكتب إلى ابن الساج يوبخه، ويقول له: كان يجب يا قليل المروءة والأمانة أن نصنع برهنك ما أوجبه غدرك! معاذ الله أن تزر وازرة وزر أخرى.
ورجع أبو الجيش إلى مصر في سنة خمس وسبعين ومائتين. فعاد محمد بن ديوداذ، وعاث عليه في أطراف بلاده، فقصده فانهزم بين يديه، فوصل ابن طولون خلفه إلى الفرات. وهرب ابن أبي الساج، ولحق بأبي أحمد الموفق، فانضم إليه فخلع عليه، وأخرجه معه إلى الجبل، وذلك في سنة ست وسبعين ومائتين فولى أبو الجيش على حلب غلام أبيه ظغج بن جف والد الإخشيد أبي برك محمد بن طغج.
ودعا يازمار، والي الثغور لخمارويه بطرسوس والثغور، وحمل إليه خماروية خمسين ألف دينار، وحمل إليه قبل الدعاء له ثلاثين آلف دينار ليتفقها في سبيل الله ومائة وخمسين ثوباً ومائة وخمسين دابة وسلاحاً كثيراً وذلك في سنة سبع وسبعين ومائتين.