الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصوفية وغيرهم، فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح فغضب من ذلك وقال: والله إنني لا أرجو النصر إلا بدعاء أولئك، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطىء، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم!.
وقيل: إن برهان الدين البلخي قال لنور الدين: أتريدون أن تنصروا وفي عسكركم الخمور والطبول والزمور، كلا والله. فلما سمع نور الدين كلامه عاهد الله على التوبة، ونزع عنه ثيابه تلك التي كان يلبسها، والتزم بلبس الخشن، وبطل جميع ما كان بقي في بلاده من الأعشار والمكوس والضرائب، ومنع من ارتكاب الفواحش، وكتب إلى البلاد إلى زهادها وعبادها يذكر لهم ما نال المسلمين من القتل والأسر، ويستمد منهم الدعاء، وإن يحثوا المسلمين على الغزاة، وكاتب الملوك الإسلامية يطلب منهم النجد والإستعداد، وامتنع من النوم على الوطيء وعن جميع الشهوات.
نور الدين وشيركوه
وراسله الفرنج في طلب الصلح فامتنع، فبينا هو في الاستعداد للجهاد إذ ورد عليه في شهر ربيع الأول، من سنة تسع وخمسين وخمسمائة، شاور وزير العاضد بمصر إلى دمشق، ملتجئاً إليه، ومستجيراً به على ضرغام، وكان قد نازعه في الوزارة وغلب عليها.
وطلب منه إرسال العساكر معه إلى مصر ليعود إلى منصبه، ويكون لنور الدين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العساكر، ويكون نائبه مقيماً بعساكره في مصر،
ويتصرف بأمر نور الدين واختياره، فبقي متردداً بين أن يفعل ذلك وبين أن يجعل جل قصده إلى الفرنج.
ثم قوي عزمه وسير أسد الدين شيركوه بن شادي، في عسكر معه، في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين، وتقدم إلى أسد الدين أن يعيد شاور إلى منصبه.
وسار نور الدين إلى طرف بلاد الفرنج مما يلي دمشق، بما بقي من العساكر ليمنع الفرنج من التعرض لأسد الدين وشاور في طريقهما، فاشتغل الفرنج بحفظ بلادهم من نور الدين عن التعرض لهما، ووصل أسد الدين وشاور إلى بلبيس، فخرج إليهم ناصر الدين أخو ضرغام بعسكر المصريين، ولقيهم فانهزم وعاد إلى القا هرة.
ووصل أسد الدين إلى القاهرة، فنزل عليها قي آخر جمادى الآخرة، فخرج ضرغام فقتل، وقتل أخوه، وخلع على شاور وأعيد إلى الوزارة.
وأقام أسد الدين بظاهر القاهرة، فغدر شاور، وعاد عما كان قرره مع نور الدين. وأمر أسد الدين بالعود إلى الشام فامتنع، وطلب ما كان استقر فلم يجبه إليه، فأرسل أسد الدين نوابه فتسلموا بلبيس، وحكم على البلاد الشرقية.
فأرسل شاور إلى الفرنج، واستنجد بهم، وخوفهم من نور الدين إن ملك مصر، فسارعوا إلى تلبيته، وطمعوا في ملك الديار المصرية، وساروا إلى بلبيس، وسار نور الدين إلى طرف بلادهم ليمنعهم عن المسير، فلم يلتفتوا، وتركوا في بلادهم من يحفظها.
وسار ملك القدس في الباقين إلى بلبيس، واستعان بجمع كثير كانوا خرجوا إلى زياره القدس، وأقام أسد الدين ببلبيس، وحصره الفرنج، والعسكر المصري ثلاثة أشهر وهو يغاديهم القتال ويروحهم، فلم يظفروا منه بطائل، مع أن سور بلبيس قصير، وهو من طين.