المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية - زبدة الحلب في تاريخ حلب

[كمال الدين ابن العديم]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأولحلب قبل الإسلام

- ‌اسمها زمن إبراهيم الخليل

- ‌عند اليونانيين

- ‌بناؤها في قديم الزمان

- ‌حكامهامن اليونان

- ‌قنسرين

- ‌من الرومان

- ‌القسم الثانيحلب في صدر الإسلام

- ‌حلب

- ‌خالد بن الوليد

- ‌إمارة خالد

- ‌عمر وخالد بن الوليد

- ‌ولاية حبيب بن مسلمة

- ‌موقعة صفين

- ‌القسم الثالثحلب في العصر الأموي

- ‌خلافة معاوية بن أبي سفيان

- ‌خلافة يزيد بن معاوية

- ‌خلافة مروان بن الحكم

- ‌خلافة عبد الملك في مروان

- ‌خلافة الوليد بن عبد الملك

- ‌خلافة سليمان

- ‌خلافة عمر بن عبد العزيز

- ‌خلافة يزيد بن عبد الملك

- ‌خلافة هشام

- ‌خلافة الوليد بن يزيد

- ‌خلافة يزيد بن الوليد

- ‌خلافة إبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد

- ‌القسم الرابعحلب في العصر العباسي

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة أبي جعفر المنصور

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافه هارون الرشيد

- ‌خلافة الأمين

- ‌خلافة المأمون

- ‌خلافة المعتصم

- ‌خلافة الواثق

- ‌خلافة المتوكل

- ‌خلافة المنتصر

- ‌خلافة المستعين

- ‌خلافة المعتز

- ‌خلافة المعتمد

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي

- ‌خلافة المقتدر

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي

- ‌خلافة المتقي

- ‌خلافة المستكفي

- ‌القسم الخامسحلب والحمدانيون

- ‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية

- ‌القسم السادسحلب في أيام سعد الدولة الحمداني 356 - 381 هجرية

- ‌القسم السابعسعيد الدولة الحمداني 381 - 392 هجرية

- ‌موت سعيد الدولة

- ‌القسم الثامنولدا سعيد الدولة علي وشريف

- ‌لؤلؤ الكبير

- ‌منصور بن لؤلؤ

- ‌أبو الهيجاء بن سعد الدولة

- ‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس

- ‌القسم التاسعحلب والفاطميون

- ‌فتح القلعي مبارك الدولة

- ‌فاتك الحاكمي عزيز الدولة

- ‌محمد الكتامي صفي الدولة

- ‌ابن ثعبان سند الدولة

- ‌ثعبان سديد الملك

- ‌صالح بن مرداس

- ‌القسم العاشرحلب والمرداسيون

- ‌نهاية صالح بن مرداس

- ‌في الوزير تاذرس

- ‌القسم الحادي عشرثانياً نصر بن صالح بن مرداس

- ‌حرب الأخوين

- ‌نصر والروم

- ‌نهاية نصر بن صالح بن مرداس

- ‌القسم الثاني عشرثمال بن صالح بن مرداس

- ‌نهاية الدزبري

- ‌ثمال حاكماً في حلب

- ‌قدوم رفق الخادم ونهايته

- ‌السيدة والمستنصر

- ‌المرداسيون والروم

- ‌في الوزارة

- ‌خلع الفاطميين

- ‌البساسيري وثمال

- ‌خصائل ثمال

- ‌تسليمه حلب وخروجه إلى مصر

- ‌حكم ابن ملهم

- ‌حلب بين محمود بن نصر وناصر الدولة

- ‌حلب بين عطية بن صالح ومحمود بن نصر

- ‌ثمال في حلب

- ‌وساطة ومصالحة

- ‌حرب الروم

- ‌القسم الثالث عشرعطية بن صالح بن مرداس

- ‌عطية وابن أخيه

- ‌استنجاد المرداسيين بالترك

- ‌حلب من عطية إلى محمود

- ‌القسم الرابع عشرمحمود بن نصر بن صالح

- ‌هزيمة الروم

- ‌بين المرداسيين والروم

- ‌السلطان العادل ومحمود

- ‌وقعة منازكرد

- ‌خبر عطية بن صالح

- ‌الوزير أبو بشر

- ‌ابن منقذ

- ‌خبر الخفاجي

- ‌الشاعر ابن حيوس

- ‌وفاة محمود بن نصر

- ‌القسم الخامس عشرنصر بن محمود بن نصر بن صالح

- ‌مقتل نصر

- ‌القسم السادس عشرسابق بن محمود بن نصر

- ‌هزيمة وثاب

- ‌إعانة ملكشاه لوثاب بن محمود

- ‌قصيدة ابن النحاس

- ‌عودة تاج الدولة

- ‌أعمال تاج الدولة

- ‌شرف الدولة في حلب ونهاية المرداسيين

- ‌لقسم السادس عشرحلب ومسلم بن قريش

- ‌مسلم في حلب

- ‌عودة مسلم بن قريش

- ‌من دمشق إلى حران

- ‌سلطان ومسلم بن قريش

- ‌سليمان وأنطاكية

- ‌غارات سليمان ومقتل مسلم

- ‌القسم السابع عشرحلب وملكشاه السلجوقي التركي

- ‌سليمان حولى حلب

- ‌مقتل سليمان بن قطلمش

- ‌تتش في حلب

- ‌ملكشاه في حلب

- ‌آق سنقر وال على حلب

- ‌وفاة السلطان ملكشاه

- ‌انتصار تتش

- ‌السلطان بركيارق في حلب

- ‌موقعة سبعين ومقتل أق سنقر

- ‌القسم الثامن عشرحلب ورضوان بن تتش

- ‌487 - 507 هجرية

- ‌تتش في حلب

- ‌مقتل بوزان ثم تتش

- ‌رضوان في حلب

- ‌دقاق في دمشق

- ‌خلف بن ملاعب

- ‌المؤامرة على جناح الدولة

- ‌من سروج إلى بيت المقدس

- ‌المجن ويوسف بن أبق

- ‌الحرب بين دقاق ورضوان

- ‌الخطبة للفاطميين

- ‌الفرنج في الشام

- ‌الخيانة ودخول أنطاكية

- ‌المجن الفوعي

- ‌صنجيل في عزاز والبارة والمعرة وشيزر

- ‌حلب والفرنج

- ‌تحرك جناح الدولة ومقتله

- ‌الفرنج حول حلب

- ‌انتصارات رضوان وموت دقاق

- ‌نكبة المسلمين

- ‌الباطنية

- ‌الفرنج بين مد وجذر

- ‌الخجندي والباطنية

- ‌نهاية رضوان

- ‌القسم التاسع عشرحلب وابنا رضوان

- ‌ألب أرسلان وسلطان شاهألب أرسلان من أخويه إلى الباطنية

- ‌ألب أرسلان وطغتكين

- ‌رئاسة حلب وأمرها ومقتل ألب أرسلان

- ‌سلطان شاه

- ‌حلب بين لؤلؤ والزلازل

- ‌خسارة المسلمين أمام الفرنج

- ‌نهاية لؤلؤ الخادم

- ‌ياروقتاش أتابك في حلب

- ‌إيلغازي من حلب إلى ماردين

- ‌بلد حلب بين الغلاء والفرنج

- ‌القسم العشرونحلب وإيلغازي

- ‌استدعاء إيلغازي إلى حلب

- ‌وقعة تل عفرين

- ‌فتح الأثارب وزردنا وانتصار دانيث

- ‌غارات بغدوين وجوسلين

- ‌نائب حلب سليمان بن إيلغازي وعصيانه

- ‌مناورات إيلغازي والفرنج

- ‌مرض إيلغازي وموته

- ‌القسم الحادي والعشرونحلب وبقية الأرتقيين

- ‌أولاً سليمان بن عبد الجبار بن أرتق

- ‌ثانيا بلك بن بهرام بن أرتق

- ‌ثالثاً تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق

- ‌اطلاق سراح بغدوين

- ‌أعمال الفرنج حول حلب وحصارها

- ‌رابعاً أق سنقر البرسقي

- ‌مقتل البرسقي

- ‌خامساً عز الدين مسعود ووفاته

- ‌القسم الثاني والعشرونحلب وعماد الدين

- ‌عماد الدين زنكي في حلب

- ‌التوقيع له بجميع البلاد الشامية

- ‌زواج وطلاق

- ‌سيف الدين سوار

- ‌من حماة إلى حمص

- ‌أنطاكية

- ‌خبر دبيس ومقتله

- ‌بين المسلمين والفرنج

- ‌حروب داخلية وخارجية

- ‌مقتل شمس الملوك وتسلم شهاب الدين

- ‌زنكي في حماه وحلب وحمص وبغداد

- ‌توسع عماد الدين وتحرك الروم

- ‌الروم حول حلب وشيزر

- ‌زلازل عام 533 هجرية

- ‌زنكي يفتح بعلبك ويحاصر دمشق

- ‌غارات الفرنج والمسلمين

- ‌فتح الرها وسروج

- ‌نهاية عماد الدين

- ‌القسم الثالث والعشرونحلب ونور الدين زنكي

- ‌نور الدين زنكي في حلب والرها

- ‌نصر المسلمين في العريمة ويغري

- ‌بناء المدارس

- ‌اقتسام مناطق النفوذ

- ‌انتصارات نور الدين وضم دمشق

- ‌الزلازل في بلاد الشام

- ‌مرض وعافية

- ‌تحرك الفرنج وانتصارهم في البقيعة

- ‌نور الدين وشيركوه

- ‌من أمهات المعارك

- ‌موقعة البابين

- ‌توسع نور الدين

- ‌قتل شاور وموت أسد الدين

- ‌وزارة صلاح الدين

- ‌من الزلازل إلى وفاة قطب الدين

- ‌انتقال الخطبة من الفاطميين إلى العباسيين

- ‌تراجع صلاح الدين الأيوبي

- ‌التراجع الثاني

- ‌موت والد صلاح الدين ثم موت نور الدين

- ‌القسم الرابع والعشرونالخطبة والحداد

- ‌استقلال سيف الدين غازي ببلاد الجزيرة

- ‌حصار بانياس الداخل

- ‌المراسلات في شأن الملك الصالح

- ‌الفتنة الطائفية

- ‌استدعاء صلاح الدين الأيوبي إلى دمشق

- ‌مسيره إلى حمص وحماه وحلب

- ‌من بعلبك إلى قرون حماة

- ‌بعد صلح تحرك صاحب الموصل

- ‌صلاح الدين وسيف الدين في تل السلطان

- ‌بزاعا ومنبج وعزاز ومحاولة قتل صلاح الدين

- ‌حصار حلب والصلح

- ‌أخبار الإسماعيلية

- ‌تحرك الفرنج بغياب صلاح الدين

- ‌وفاة إسماعيل بن نور الدين زنكي

- ‌القسم الخامس والعشروندخول عز الدين حلب

- ‌دخول عماد الدين حلب بعد المقايضة

- ‌صلاح الدين الأيوبي في بلاد الشام

- ‌صلاح الدين في أرض الجزيرة

- ‌القسم السادس والعشرونصلاح الدين يحاصر حلب

- ‌التهيئة للتسليم والاستلام

- ‌دخول صلاح الدين قلعة حلب

- ‌حارم وتل خالد وعزاز

- ‌صلاح الدين والفرنج

- ‌حلب وأبو بكر بن أيوب

- ‌خبر شيخ الشيوخ

- ‌غزو الكرك ونابلس وسبسطية وجنين

- ‌نحو حران والموصل وميافارقين

- ‌الشفاء وإعادة التوزيع

- ‌القسم السابع والعشرونغازي في حلب

- ‌العساكر الإسلامية والفرنج

- ‌حطين وأنهزام الفرنج ونهاية أرناط

- ‌فتح طبرية وعكا وبيروت وغيرها

- ‌تسلم القدس من الفرنج

- ‌هونين وطرطوس وجبلة واللاذقية وصهيون

- ‌بكاس والشغر وسرمانية وبرزية

- ‌درب ساك وبغراس وصفد والكرك

- ‌فتح كوكب وشقيف أرنون

- ‌القتال حول عكا

- ‌تحرك الصليبيين الألمان

- ‌الأساطيل البحرية

- ‌عودة الفرنج إلى عكا وهدم عسقلان

- ‌الصلح مع الفرنج

- ‌القسم الثامن والعشرونالتنافر والاتفاق

- ‌التنافر الثاني وخروج الأفضل عن دمشق

- ‌تحرك الظاهر غازي حول حلب

- ‌الخوف من الفرنج

- ‌من نتائج موت العزيز بمصر

- ‌حصار دمشق وفشل الحصار

- ‌الملك العادل في مصر

- ‌الملكان الأفضل والظاهر يحاصران دمشق

- ‌الأفضل والظاهر يختلفان

- ‌من حوادث سنة 600 هجرية

- ‌غارات ابن ليون الأرمني

- ‌الرد على الفرنج وظهور كيخسرو

- ‌العادل في الجزيرة

- ‌زواج الظاهر وعنايته بالعمران

- ‌ولاية العهد وموت الظاهر

- ‌القسم التاسع والعشروناتفاق الأمراء

- ‌تحرك الفرنج وملك الروم

- ‌موت العادل وملك الكامل

- ‌إنجاد دمياط وتحرك ابن المشطوب

- ‌تحرك الأشرف إلى الموصل ومصر

- ‌خبر الملك المعظم

- ‌عودة الأشرف من مصر وعصيان المظفر

- ‌من الحرب إلى الاتفاق فالموت

- ‌القسم الثلاثونالتنازل عن القدس

- ‌الأشرف والكامل يقتسمان

- ‌خبر خلاط وتحرك الفرنج

- ‌ممارسة العزيز صلاحياته

- ‌الحرب ضد كيقباذ

- ‌موت العزيز محمد بن غازي

- ‌خلافة الأخوين

- ‌تحرك الفرنج

- ‌وفاة كيقباذ والأشرف

- ‌الملك الكامل في دمشق ووفاته فيها

- ‌زواج الملك الناصر وفتح معرة النعمان

- ‌ابن العديم رسول السلطان

- ‌قوة الخوارزمية

- ‌الدعوة للسلطان كيخسرو

- ‌دمشق بين الملوك الجواد والصالح والصالح إسماعيل

- ‌تحرك الخوارزمية

- ‌النجدات ضد الخوارزمية

- ‌خسارة الخوارزمية

- ‌موقعة المجدل

- ‌حوادث متفرقة

الفصل: ‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية

‌القسم الخامس

حلب والحمدانيون

‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية

وعاد الإخشيذ من الرقة إلى حلب وسار إلى مصر. وولى بحلب من قبله أبا الفتح عثمان بن سعيد بن العباس بن الوليد الكلابي وولى أخاه أنطاكية. فحسد أبا الفتح إخوته الكلابيون، وراسلوا سيف الدولة بن حمدان ليسلموا إليه حلب، وقد كان طلب سيف الدولة من أخيه ناصر الدولة ولاية، فقال له ناصر الدولة: الشام أمامك، وما فيه أحد يمنعك منه.

وعرف سيف الدولة اختلاف الكلابيين، وضعف أبي الفتح عن مقاومته، فسار إلى حلب، فلما وصل إلى الفرات خرج إخوة أبي الفتح عثمان بن سعيد بأجمعهم للقاء سيف الدولة، فرأى أبو الفتح أنه مغلوب إن جلس عنهم، وعلم حسدهم له، فخرج معهم.

فلما قطع سيف الدولة الفرات، أكرم أبا الفتح دون إخوته، وأركبه معه في العمارية، وجعل سيف الدولة يسأله عن كل قرية يجتاز بها: ما اسمها. فيقول أبو الفتح: هذه الفلانية! حتى عبروا بقرية يقال لها إبرم وهي قرية قريبة من الفايا. فقال له سيف الدولة: ما اسم هذه القرية. قال أبو الفتح: إبرم. فظن سيف الدولة أنه قد أكرهه بالسؤال. فقال له إبرم من الإبرام. فسكت سيف الدولة عن سؤاله. فلما عبروا بقرى كثيرة، ولم يسأله عنها علم أبو الفتح بسكوت سيف الدولة. فقال له أبو الفتح: يا سيدي يا سيف الدولة، وحق رأسك، إن القرية التي

ص: 67

عليها اسمها إبرم، واسأل عنها غيري. فعجب سيف الدولة من ذكائه. فلما وصل حلب أجلسه معه على السرير.

ودخل سيف الدولة حلب، يوم الإثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول، من سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.

وكان القاضي بها أحمد بن محمد بن ماثل، فعزله وولى أبا حصين علي بن عبد الملك بن بدر بن الهيثم الرقي، وكان ظالماً، فكان إذا مات إنسان أخذ تركته لسيف الدولة. وقال: كل من هلك فلسيف الدولة ما ترك، وعلى أبي حصين الدرك.

ثم إن الإخشيذ سير عسكراً إلى حلب مع كافور ويأنس المؤنسي، وكان الأمير سيف الدولة غازياً بأرض الروم قد هتك بلد الصفصاف وعربسوس فغنم، ورجع فسار لطيته إلى الإخشيذية، فلقيهم بالرستن. فحمل سيف الدولة على كافور، فانهزم، وازدحم أصحابه في جسر الرستن، فوقع في النهر منهم جماعة. ورفع سيف الدولة السيف، فأمر غلمانه أن لا يقتلوا أحداً منهم. وقال: الدم لي والمال لكم فأسر منهم نحو أربعة آلاف من الأمراء وغيرهم، واحتوى على جميع سواده.

ومضى كافور هارباً إلى حمص، وسار منها إلى دمشق، وكتب إلى الإخشيذ يعلمه بهزيمته، وأطلق سيف الدولة الأسارى جيمعهم، فمضوا وشكروا فعله.

ورحل سيف الدولة بعد هزيمتهم إلى دمشق، ودخلها في شهر رمضان

سنة ثلاث وثلاثين، وأقام بها. وكاتبه الإخشيذ يلتمس منه الموادعة، والإقتصار على مافي يده، فلم يفعل.

وخرج سيف الدولة إلى الأغراب، فلما عاد منعه أهل دمشق من دخولها.

ص: 68

فبلغ الإخشيذ ذلك فسار من الرملة، وتوجه يطلب سيف الدولة، فلما وصل طبرية عاد سيف الدولة إلى حلب بغير حرب، لأن أكثر أصحابه وعسكره استأمنوا إلى الإخشيذ. فاتبعه الإخشيذ إلى أن نزل معرة النعمان في جيش عظيم، فجمع سيف الدولة، ولقيه بأرض قنسرين، في شوال من سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وكان الإخشيذ قد جعل مطارده وبوقاته في المقدمة، وانتقى من عسكره نحو عشرة آلاف، وسماهم الصابرية فوقف بهم في الساقة.

فحمل سيف الدولة على مقدمة الإخشيذ فهزمها، وقصد قبته وخيمه، وهو يظنه في المقدمة، فحمل الإخشيذ ومعه الصابرية فاستخلص سواده. ولم يقتل من العسكرين غير معاذ بن سعيد والي معرة النعمان، من قبل الإخشيذة فإنه حمل على سيف الدولة ليأسره، فضربه سيف الدولة بمستوفى كان معه فقتله.

وهرب سيف الدولة فلم يتبعه أحد من عسكر الإخشيذ وسار على حاله إلى الجزيرة فدخل الرقة. ونيل: إنه أراد دخول حلب فمنعه أهلها.

ودخل الإخشيذ حلب، وأفسد أصحابه في جميع النواحي، وقطعت الأشجار التي كانت في ظاهر حلب وكانت عظيمة جداً. وقيل. إنها كانت من أكثر المدن شجراً. وأشعار الصنوبري تدل على ذلك.

ونزل عسكر الإخشيذ على الناس بحلب، وبالغوا في أذى الناس لميلهم إلى سيف الدولة.

وعاد الإخشيذ إلى دمشق بعد أن ترددت الرسل بينه وبين سيف الدولة. واستقر الأمر على أن أفرج الإخشيذ له عن حلب وحمص وأنطاكية. وقرر عن دمشق مالاً يحمله إليه في كل سنة.

وتزوج سيف الدولة بابنة أخي الإخشيذ عبيد الله بن طغج، وانتظم هذا الأمر على يد الحسن بن طاهر العلوي وسفارته، في شهر ربيع الأول، سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.

ص: 69

فسار الإخشيذ إلى دمشق وعاد سيف الدولة إلى حلب، وتوفي الإخشيذ بدمشق في ذي الحجة، من سنة أربع وثلاثين، وقيل: في المحرم من سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.

وملك بعده ابنه أبو القاسم أنوجور، واستولى على التدبير أبو المسك كافور الخادم.

وكان سيف الدولة، فيما ذكر، قد عمل على تخلية الشام. فلما مات الإخشيذ سار كافور بعساكر مولاه إلى مصر من دمشق، وكان قد استولى على مصر رجل مغربي، فحاربه كافور، وظفر به.

وخلت دمشق من العساكر، فطمع فيها سيف الدولة، وسار إليها فملكها واستأمن إليه يأنس المؤنسي في قطعة من الجيش.

وأقام سيف الدولة، وجبى خراجها، ثم أتته والدته نعم أم سيف الدولة إلى دمشق، وسار سيف الدولة إلى طبرية.

وكان سيف الدولة في بعض الأيام يساير الشريف العقيقي بدمشق، في الغوطة بظاهر البلد، فقال سيف الدولة للعقيقي: ما تصلح هذه الغوطة تكون إلا لرجل واحد. فقال له الشريف العقيقي: هي لأقوام كثير. فقال له سيف الدولة: لئن أخذتها القوانين ليتبرأن أهلها منها. فأسرها الشريف في نفسه، وأعلم أهل دمشق بذلك.

وجعل سيف الدولة يطالب أهل دمشق بودائع الإخشيذ وأسبابه، فكاتبوا كافوراً فخرج في العساكر المصرية، ومعه أنوجور بن الإخشيذ.

فخرج سيف الدولة إلى اللجون، وأقام أياماً قريباً من عسكر الإخشيذ ب أكسال، فتفرق عسكر سيف الدولة في الضياع لطلب العلوفة، فعلم به

ص: 70

الإخشيذية، فزحفوا إليه. وركب سيف الدولة يتشرف، فرآهم زاحفين في تعبئة، فعاد إلى عسكره فأخرجهم، ونشبت الحرب فقتل من أصحابه خلق وأسر كذلك. وانهزم سيف الدولة إلى دمشق فأخذ والدته، ومن كان بها من أهله وأسبابه، وسار من حيث لم يعلم أهل دمشق بالوقعة، وكان ذلك في جمادى الآخرة من سنة خمس وثلاثين.

وجاء سيف الدولة إلى حمص، وجمع جمعاً لم يجتمع له قط مثله، من بني

عقيل، وبني نمير، وبني كلب، وبني كلاب، وخرج من حمص. وخرجت عساكر ابن طغج من دمشق، فالتقوا بمرج عذراء وكانت الوقعة أولاً لسيف الدولة ثم آخرها عليه، فانهزم، وملكوا سواده، وتقطع أصحابه في ذلك البلد، فهلكوا وتبعوه إلى حلب، فعبر إلى الرقة. وانحاز يأنس المؤنسي من عساكر سيف الدولة إلى أنطاكية.

ووصل ابن الإخشيذ حلب، في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.

فأقام بها وسيف الدولة في الرقة فراسل أنوجور يأنس المؤنسي وهو بأنطاكية، وضمن هو وكافور ليأنس أن يجعلاه بحلب في مقابلة سيف الدولة. وضمن لهما يأنس بأن يقوم في وجه سيف الدولة بحلب، وأن يعطيهم ولده رهينة على ذلك فأجابوه. وانصرف كافور وأنوجور بالعسكر عن حلب إلى القبلة، وأتاها يأنس فتسلمها. وقيل: إن الإخشيذية عادوا.

وأقام سيف الدولة بحلب، فحالف عليه يأنس والساجية، وأردوا القبض عليه، فهرب وكتابه، وأصحابه، إلى الرقة وملك يأنس حلب.

ولم يقم يأنس بحلب إلا شهراً، حتى أسرى إليه سيف الدولة إلى حلب، في شهر ربيع الآخر، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فكبسه، فانهزم يأنس إلى سرمين يريد الإخشيذ. فأنفذ سيف الدولة في طلبه سرية مع

إبراهيم بن البارد العقيلي، فأدركته عند ذاذيخ، فاتهزم، وخلى عياله، وسواده، وأولاده. وانهزم إلى أخيه بميافارقين.

ص: 71

وكان ابن البارد قد وصل إلى سيف الدولة، في سنة خمس وثلاثين، وكان في خدمة أخيه ناصر الدولة، ففارقه، وقدم على سيف الدولة.

ثم إن الرسل ترددت بين سيف الدولة وابن الإخشيذ وتجدد الصلح بينهما على القاعدة التي كانت بينه وبين أبيه، دون المال المحمول عن دمشق.

وعمر سيف الدرلة داره بالحلبة، وقلد أبا فراس ابن عمه منبج، وما حولها من القلاع. واستقرت ولاية سيف الدولة لحلب من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. وهذه هي الولاية الثالثة.

وجرى بينه وبين الروم وقائع أكثرها له وبضعها عليه.

فمنها: أنه فتح حصن برزويه في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة من ابن اخت أبي الحجر الكردي. ووقع بينه وبين الروم وقعة فكانت الغلبة للروم

وملكوا مرعش ونهبوا طرسوس. وسار إلى ميافارقين، واستخلف على حلب ابن أخيه محمد ابن ناصر الدولة، وخرج لاون الدمستق إلى بوقا من عمل أنطاكية. وخرج إليه محمد فكسره الدمستق، وقتل من عسكره خلقاً، في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.

ومنها: أنه غزا، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ومعه خلق عظيم، فظفر فيها، وغنم غنيمة كثيرة. فلما رجع إلى درب الجوزات، وفارقه أهل الثغور، فاجتمع الروم في الدرب على سيف الدولة، فقتل خلق عظيم من المسلمين، وأسر كذلك.

ص: 72

وما سلم إلا سيف الدولة على ظهر فرسه، وعرفوه فطلبوه، ولزوه إلى جبل عظيم، وتحته واد، فخاف أن يأسروه إن وقف أو رجع، فضرب فرسه بالمهماز، وقبله الوادي، لكي يقتل نفسه، ولا يأسروه فوقع الفرس قائماً.

وخرج سيف الدولة سالماً. وسميت هذه الغزاة غزاة المصيبة، وأخذ

له من الآلات، والأموال، ما لا يحصى حتى أنه ذكر أنه هلك منه من عرض ما كان معه في صحبته خمسة آلاف ورقة بخط أبي عبد الله بن مقلة رحمه الله وكان منقطعاً إلى بني حمدان، وكان قد بلغ سيف الدولة إلى سمندو وأحرق صارخة وخرشنة.

ومنها: أن سيف الدولة بنى مرعش في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وأتاه الدمستق بعساكر الروم ليمنعه منها فأوقع به سيف الدولة الوقعة العظيمة المشهورة.

ومنها: أن سيف الدولة دخل بلد الروم، في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وأغار على زبطرة، والتقاه قسطنطين بن بردس الدمستق على درب موزار وقتل من الفريقين خلق. ثم تم سيف الدولة إلى الفرات، وعبره، وقصد بطن هنزيط، ودخل سيف الدولة سميساط، فخرج الدمستق إلى

ناحية الشام، فرجع سيف الدولة، فلحقه وراء مرعش، فأوقع به، وهزم جيشه، وقتل لاون البطريق في الحرب، وأسر قسطنطين ولد الدمستق، وحمله الإبريق إلى بيت الماء، وكان أمرد، فخرج فوجده قائماً يبكي، ولم يزل عنده حتى مات من علة اعتلها.

ص: 73

وكان الدمستق استتر في تلك الوقعة في القناة ودخل فترهب، ولبس المسوح، ففي ذلك يقول المتنبي:

فلو كان ينجي من علي ترهب

ترهبت الأملاك مثنى وموحدا

وقال أبو العباس أحمد بن محمد النامي:

لكنه طلب الترهب خيفة

ممن له تتقاصر الأعمار

فمكان قائم سيفه عكازه

ومكان ما يتمنطق الزنار

وبنى سيف الدولة الحدث، وقصده الدمستق بردس، فاقتتلا سحابة يومهما.

وكان النصر للمسلمين، وذلك في سنة ثلاث وأربعين، وأسر صهر الدمستق، على ابنته أعورجرم، بعد أن سلمها القلعة أهلها إلى الدمستق.

ومنها: أن سيف الدولة غزا سنة خمس وأربعين بطن هنزيط ونزل شاطىء أرسناس، وكبس يانس بن شمشقيق على تل بطريق فهزمه وفتحها.

وقتل في هذه الوقعة رومانوس بن البلنطس صهر ابن شمشقيق، وأسر ابن قلموط، وانثنى سيف الدولة قافلاً إلى درب الخياطين، فوجد عليه

كذو بن الدمستق فأوقع به وهزمه.

وخلف ابن عمه أبا العشائر الحسين بن علي على عمارة عرنداس فقصده

ص: 74

ليون بن الدمستق فهزمه، وأسره، وحمله إلى قسطنطينية، فمات بها. وغزا في هذه السنة في جمادى الآخرة مع أهل الثغور وخرب مواضع من بلاد الروم مثل خرشنة وصارخة. وأسر الرست بن البلنطس، وأسر لاون بن الأسطراطيغوس، وابن غذال بطريق مقدونية، وهرب الدمستق وبركيل بطريق الخالديات، فلما قفل سيف الدولة فك قيود الأسارى، وخلع عليهم، وأحسن إليهم.

وفي جمادى الأولى من سنة ست وأربعين كاتب الروم جماعة من غلمان سيف الدولة بالقبض عليه، وحمله إلى الدمستق عند شخوصه لمحاربته، وبذل لهم مالاً عظيماً على ذلك. فخرج سيف الدولة عن حلب وقد عزموا على ذلك، فصار بعض الفراشين إلى ابن كيغلغ فأخبره بما عزموا عليه، فأعلم سيف الدولة، فجمع الأعراب والديلم، وأمرهم بالإيقاع بهم عند إعلامه إياهم بذلك، فأوقعوا بهم، وقتل منهم مائة وثمانون غلاماً وقبض على زهاء مائتي غلام، فقطع أيديهم وأرجلهم وألسنتهم، وهرب بعضهم.

وعاد إلى حلب وقتل من بها من الأسرى، وكانوا زهاء أربعمائة أسير

وضيق على ابن الدمستق، وزاد في قيده، وصيره في حجرة معه في داره، وأحسن إلى ذلك الفراش، وقلد ابن كيغلغ أعمالاً، وتنكر على سائر غلمانه.

ومنها: أن يانس بن شمشقيق خرج إلى ديار بكر، ونزل على حصن اليماني. وعرف سيف الدولة خبره، فسير إليه نجا الكاسكي في عشرة آلاف فارس، فالتقاه فانهزم نجا، وقتل من أصحابه خمسة آلاف فارس، وأسر مقدار ثلاثة آلاف راجل، واستولى على سواد نجا كله.

وسار ابن شمشقيق والبراكموس إلى حصن سميساط، وفتحاه، ثم سارا إلى رعبان، وحصراها، وسار سيف الدولة إليهما، ولقيهما، فاستظهر الروم عليه استظهاراً كثيراً.

ص: 75

وعاد سيف الدولة منهزماً وتبعه الروم وقتلوا، وسبوا من عشيرته وقواده ما يكثر عدده، وذلك في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة.

وفي هذه السنة قدم ناصر الدولة الحسين بن عبد الله بن حمدان أخو

سيف الدولة مستنجداً بأخيه سيف الدولة إلى حلب ومعه جميع أولاده عندما قصد معز الدولة الموصل. وتلقاه سيف الدولة على أربع فراسخ من حلب، ولما رآه ترجل له. وأنفق سيف الدولة عليه وعلى حاشيته، وقدم لهم من الثياب الفاخرة والجوهر ما قيمته ثلاثمائة آلف دينار.

وكان يجلس ناصر الدولة على السرير ويجلس سيف الدولة دونه. ولما دخل دار سيف الدولة وجلس على السرير، جاء سيف الدولة لينزع خفه من رجله، فمدهما إليه، فنزعهما بيده. وصعب على سيف الدولة لأنه قدر أنه إذا خفض له نفسه إلى ذلك رفعه عنه، فلم يفعل ذلك إظهاراً لمن حضر أنه وإن ارتفعت حاله، فهو كالولد والتبع. وكان يعامله بأشياء نحو ذلك قبيحة كثيرة فيحتملها على دخن. وتحمل عنه سيف الدولة لمعز الدولة مائتي ألفاً من الدراهم حتى انصرف عنه.

وفي هذه السنة 348 هـ مات قسطنطيني بن لاون ملك الروم، وصير نقفور ابن الفقاس دمستقاً على حرب المغرب، وأخاه ليون بن الفقاس دمستقاً، على حرب المشرق، فتجهز ليون إلى نواحي طرسوس، وسبى، وقتل، وفتح

الهارونية، وسار إلى ديار بكر.

وتوجه إليه سيف الدولة فرحل الدمستق راجعاً إلى الشام، وقتل من أهله عدداً

ص: 76

متوافراً، وأخرب حصوناً كثيرة من حصون المسلمين، وأسر محمد ين ناصر الدولة.

ومنها: غزوة مغارة الكحل: غزا سيف الدولة في سنة ثمان وقيل تسع وأربعين وثلاثمائة بلاد الروم، فقتل، وسبى. وعاد غانماً يريد درب مغارة الكحل، فوجد ليون بن الفقاس الدمستق قد سبقه إلية، فتحاربوا فغلب سيف الدولة. وارتجع الروم ما كان أخذه المسلمون، وأخذوا خزانة سيف الدولة وكراعه وقتل فيها خلق كثير.

وأسر أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان وترك بخرشنة. وأسر علي بن منقذ بن نصر الكناني فلم يؤخذ له خبر. وأسر مطر بن البلدي، وقاضي حلب أبو حصين الرقي، وقتلا. وقيل: إن أبا حصين قتل في المعركة فداسه سيف الدولة بحصانه، وقال: لا رضي الله عنك، فإئك كنت تفتح لي أبواب الظلم. وقيل إنهم لما أخذوا الطرق على سيف الدولة وثب به حصانه عشرين ذراعاً. وقيل أربعين، فنجا في نفر قليل.

وولى سيف الدولة، بعد قتل أبي حصين، أحمد بن محمد بن ماثل

قضاء حلب، وكان قد عزله بأبي حصين حين ملك. وذلك أنه لما قدم حلب خرج للقائه أبو طاهر بن ماثل فترجل له أهل حلب، ولم يترجل القاضي لأحد، فاغتاظ سيف، الدولة وعزله.

ثم قدم سيف الدولة من بعض غزواته فترجل له ابن ماثل مع التاس. فقال له: ما الذي منعك أولاً، وحملك ثانياً؟. فقال له: تلك المرة لقيتك وأنا قاضي المسلمين، وهذه الدفعة لقيتك، أنا أحد رعاياك فاستحسن منه ذلك.

فلما قتل أبو حصين أعاده إلى القضاء. وولى سيف الدولة أيضاً قضاء حلب أبا

ص: 77

جعفر أحمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد الحلبي المعروف بالحرد، وكان حنفى المذهب.

وفي سنة 350 هـ نقل الملك رومانوس إلى حرب المشرق نقفور بن الفقاس الدمستق، فسار إليه رشيق النسيمي أمير طرسوس في حمية من المسلمين، فبرز إليه نقفور فقاتله، وانهزم رشيق وقتل من المسلمين زهاء تسعة آلاف رجل.

وعاد نقفور فضايق عين زربه وفتحها بالأمان في ذي القعدة سنة خمسين وثلاثمائة، وهدم سورها فانهزم أهلها إلى طرسوس. وفتح حصن دلوك، ومرعش، ورغبان، في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.

ثم إن نقفور بن الفقاس الدمستق ويانس بن شمشقيق قصدا مدينة حلب في هذه السنة، وسيف الدولة بها، وكانت موافاتهما كالكبسة. وقيل: إن عدة رجاله مائتا آلف فارس، وثلاثون آلف راجل بالجواشن، وثلاثون آلف صانع للهدم وتطريق الثلج، وأربعة آلاف بغل عليها حسك حديد، يطرحه حول عسكره ليلاً. ولم يشعر سيف الدولة بخبرهم، حتى قربوا منه. فأنفذ إليهم سيف الدولة غلامه نجا في جمهور عسكره، بعد أن أشار عليه ثقاته ونصحاؤه بأن لا يفارق عساكره. فأبى عليهم ومضى نجا بالعسكر إلى الأثارب. ثم توجه منها داخلاً إلى أنطاكية فخالفه عسكر الروم، ووصل إلى دلوك، ورحل منها إلى تل حامد، ثم إلى تبل.

ص: 78

واتصل خبره بسيف الدولة فعلم أنه لا يطيقه مع بعد جمهور العسكر عنه، فخرج إلى ظاهر حلب وجمع الحلبيين وقال لهم: عساكر الروم تصل اليوم، وعسكري قد خالفها، والصواب أن تغلقوا أبواب المدينة، وتحفظوها، وأمضي أنا ألتقي عسكري، وأعود إليكم وأكون من ظاهر البلد، وأنتم من باطنه، فلا يكون دون الظفر بالروم شيء.

فأبى عامة الحلبيين وغوغاؤهم، وقالوا: لا تحرمنا أيها الأمير، الجهاد، وقد كلن فينا من يعجز عن المسير إلى بلد الروم للغزو، وقد قربت علينا المسافة. فلما رأى امتناعهم عليه، قال لهم: اثبتوا فإني معكم.

وكان سيف الدولة على بانقوسا، ووردت عساكر الروم إلى الهزازة، فالتقوا فانهزم الحلبيون، وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة، وقتل أبو داود بن حمدان، وأبو محمد الفياضي كاتب سيف الدولة، وبشرى الصغير غلام سيف الدولة، وكان أسند الحرب ذلك اليوم إليه، وجعله تحت لوائه.

ومات في باب المدينة المعروف بباب اليهود ناس كثير لفرط الزحمة. وكان سيف الدولة راكباً على فرس له يعرف بالفحى، فانهزم مشرقاً حتى بعد عن حلب. ثم انحرف إلى قنسرين فبات بها.

وأقام الروم على ظاهر البلدة أربعة أيام محاصرين لها فخرج شيوخ حلب إلى نقفور يسألونه أن يهب لهم البلد، فقال لهم: تسلمون إلي ابن

حمدان. فحلفوا أن ابن حمدان ما هو في البلد. فلما علم أن سيف الدولة غائب عنها طمع فيها وحاصرها. وقيل: إن نقفور خرج إليه شيوخ حلب باستدعاء منه لهم، يوم الأثنين الثاني والعشرين من ذي القعدة من السنة. وكان نزوله على المدينة، يوم السبت العشرين من ذي القعدة. وجرى بينه وبينهم خطاب آخره على أن يؤمنهم، ويحملوا إليه مالاً، ويمكنوا عسكره أن يدخل من باب ويخرج من آخر، وينصرف عنهم عن مقدرة. فقالوا له: تمهلنا الليلة حتى نتشاور، ونخرج غداً بالجواب ففعل، ومضوا، وتحدثوا، وخرجوا بكرة الثلاثاء إليه، فأجابوه إلى ما طلب. فقال لهم نقفور:

ص: 79

أظنكم قد رتبتم مقاتلتكم في أماكن مختفين بالسلاح حتى إذا دخل من أصحابي من يمكنكم أن تطبقوا عليه وتقتلوه فعلتم ذلك. فحلف له بعضهم من أهل الرأي الضعيف أنه ما بقي بالمدينة من يحمل سلاحاً، وفيه بطش، فكشفهم نقفور عند ذلك، فعند ذلك قال لهم: انصرفوا اليوم واخرجوا إلي غداً، فانصرفوا.

وقال نقفور لأصحابه: قد علمتم أنه ما بقي عندهم من يدفع، فطوفوا الليلة بالأسوار ومعكم الآلة، فأي موضع رأيتموه ممكناً فتسوررا إليه، فإنكم تملكون الموضع.

فطافوا، وكتموا أمرهم، وأبصروا أقصر سور فيها مما يلي الميدان بباب قنسرين، فركبوه، وتجمعوا عليه، وكان وقت السحر، وصاحوا، ودخلوا المدينة.

وقيل: إن أهل حلب قاتلوا، من وراء السور، فقتل جماعة من الروم بالحجارة والمقالع، وسقطت ثلمة من السور على قوم من أهل حلب فقتلتهم. وطمع الروم فيها فأكبوا عليها، ودفعهم الحلبيون عنها فلما جنهم الليل اجتمع عليها المسلمون، فبنوها، فأصبحوا وقد فرغت، فعلوا عليها وكبروا، فبعد الروم عن المدينة إلى جبل جوشن.

فمضى رجالة الشرط وعوام الناس إلى منازل الناس، وخانات التجار، لينهبوها. فاشتغل شيوخ البلد عن حفظ السور، ولحقوا منازلهم، فرأى الروم السور خالياً، فتجاسروا، ونصبوا السلالم على السور، وهدموا بعض الأبدان، ودخلوا المدينة من جهة برج الغنم، ليلة الثلاثاء لثمان بقين من ذي القعدة من سنة إحدى وخمسين. وقيل: يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة، في السحر.

وأخذ الدمستق منها خلقاً من النساء والأطفال، وقتل معظهم الرجال، ولم يسلم منه إلا من اعتصم بالقلعة من العلويين، والهاشميين والكتاب، وأرباب الأموال. ولم يكن على القلعة يومئذ سور عامر فإنها كانت قد تهدمت، وبقي رسومها. فجعل المسلمون الأكف والبراذع بين أيديهم.

ص: 80

وكانت بها جماعة من الديلم الذين ينصب إليهم درب الديلم

بحلب، فزحف إليها ابن أخت الملك، فرماه ديلمي فقتله فطلبه من الناس فرموه برأسه، فقتل عند ذلك من الأسرى اثني عشر آلف أسير. وقيل أكثر من ذلك، وقيل أقل، والله أعلم.

وأقام نقفور بحلب ثمانية أيام ينهب، ويقتل، ويسبي باطناً وظاهراً. وقيل: إنه أخرب القصر الذي أنشأه سيف الدولة بالحلبة، وتناهى في حسنه، وعمل له أسواراً، وأجرى نهر قويق فيه من تحت الخناقية، يمر من الموضع المعروف بالسقايات حتى يدخل في القصر من جانب، ويخرج من آخر، فيصب في المكان المعروف بالفيض، وبنى حوله اصطبلاً ومساكن لحاشيته.

وقيل: إن ملك الروم وجد فيه لسيف الدولة ثلاثمائة وتسعين بدرة دراهم، ووجد له ألفاً وأربعمائة بغل، فأخذها ووجد له من خزائن السلاح ما لا يحصى كثرة فقبض جميعها، وأحرق الدار، فلم تعمر بعد ذلك، وآثارها إلى اليوم ظاهرة. ويقال: إن سيف الدولة رأى في المنام أن حية قد تطوقت على داره فعظم عليه ذلك، فقال له بعض المفسرين: الحية في النوم ماء. فأمر بحفر يحفر بين داره وبين قويق، حتى أدار الماء حول الدار.

وكان في حمص رجل ضرير من أهل العلم يفسر المنامات، فدخل على

سيف الدولة فقال له كلاماً معناه: أن الروم تحتوي على دارك. فأمر به فدفع، وأخرج بعنف. وقضى الله سبحانه أن الروم خرجوا، ففتحوا حلب، واستولوا على دار سيف الدولة، فذكر معبر المنام أنه دخل على سيف الدولة بعد ما كان من أمر الروم، فقال له ما كان من أمر ذلك المنام الملعن.

وكان المعتصمون بالقلعة، والروم بالمدينة تحت السماء ليس لهم ما يظلهم من

ص: 81

الهواء والمطر، ويتسللون في الليل إلى منازلهم فإن وجدوا شيئاً من قوت أو غيره أخذوه وانصرفوا.

ثم إن نقفور أحرق المسجد الجامع وأكثر الأسواق، والدار التي لسيف الدولة، وأكثر دور المدينة. وخرج منها سائراً إلى القسطنطينية بعد أن ضرب أعناق الأسارى من الرجال، حين قتل ابن أخت الملك، وكانوا ألفاً ومائتي رجل.

وسار بما معه ولم يعرض لسواد حلب والقرى التي حولها. وقال: هذا البلد قد صار لنا، فلا تقضروا في عمارته، فإنا بعد قليل نعود إليكم.

وكان عدة من سبى من الصبيان والصبايا بضعة عشر آلف صبي وصبية، وأخذهم معه.

وقيل: إن جامع حلب كان يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء وهي الفص المذهب إلى أن أحرقه الدمستق لعنه الله وإن

سليمان ابن عبد الملك اعتنى به كما اعتنى أخوه الوليد بجامع دمشق.

وسار الدمستق عنها، يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة من سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.

واختلف في السبب الذي أوجب رحيل نقفور عن حلب، فقيل: إنه ورد إليه الخبر أن رومانوس الملك وقع من ظهر فرسه في الصيد بالقسطنطينية، وانهم يطلبونه ليملكوه عليهم.

وقيل: سبب رحيله أن نجا عاد بجمهور العسكر إلى الأمير سيف الدولة فاجتمع به. وجعل يواصل الغارات على عسكر الروم، وتبلغ غاراته إلى السعدي، وأنه أخذ جماعة من متعلفة الروم. واستنجد سيف الدولة بأهل الشام، فسار نحوه ظالم بن السلال العقيلي في أهل دمشق، وكان يليها من قبل الإخشيذية. فكان ذلك سبباً لرحيله عن حلب.

وكان هذا نقفور بن الفقاس الدمستق، قد دوخ بلاد الإسلام، وانتزع من أيدي

ص: 82

المسلمين جملة من المدن، والحصون، والمعاقل، فانتزع الهارونية،

وعين زربه كما ذكرناه وكذلك دلوك، وأذنة، وغير ذلك من الثغور.

ونزل على أذنه في ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين، ولقيه نفير طرسوس فهزمهم وقتل منهم مقدار أربعة آلاف، وانهزم الباقون إلى تل بالقرب من أذنة، فأحاط الروم بهم وقاتلوهم وقتلوهم بأسرهم.

وهرب أهل أذنة إلى المصيصة وحاصرها نقفور مدة فلم يقدر عليها بعد أن نقب في سورها نقوباً عدة. وقلت الميرة عندهم فانصرف، بعد أن أحرق ما حولها.

وورد في هذا الوقت إلى حلب انسان من أهل خراسان ومعه عسكر لغزو الروم،، فاتفق مع سيف الدولة على أن يقصدا نقفور وكان سيف الدولة عليلاً فحمل في قبة، فألفياه وقد رحل عن المصيصة.

وتفرقت جموع الخراساني لشدة الغلاء في هذه السنة بحلب والثغور وعظم الغلاء والوباء في المصيصة وطرسوس حتى أكلوا الميتة.

وعاد نقفور إلى المصيصة وفتحها بالسيف في رجب سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. وفتح أيضاً كفربيا في هذه السنة ومرعش. وفتح طرسوس من أيدي المسلمين في شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.

وكان المسلمون يخرجون في كل سنة ويزرعون الزرع فيأتي بعساكره فيفسده.

ص: 83

فضعفت، وتخلى ملوك الإسلام عن أهل الرباط بها وكان فيها فيما ذكر أربعون ألف فارس، وفي عتبة بابها أثر الأسنة إلى اليوم. فلما رأى أهلها ذلك راسلوا نقفور المذكور، فوصل إليهم، وأجابوه إلى التسليم. وقال لهم: إن كافوراً الخادم قد أرسل إليكم غلة عظيمة في المراكب، فإن اخترتم أن تأخذوها وأنصرف عنكم، في هذه السنة، فعلت. فقالوا: لا. واشترطوا عليه أن يأخذوا أموالهم. فأجابهم إلى ذلك إلا السلاح.

ونصب رمحين جعل على أحدهما مصحفاً، وعلى الآخر صليباً. ثم قال لهم: من اختار بلد الإسلام فليقف تحت المصحف، ومن اختار بلد النصرانية فليقف تحت الصليب. فخرج المسلمون فحزروا بمائة ألف ما بين رجل وامرأة وصبي، وانحازوا إلى أنطاكية.

ودخل نقفور إلى طرسوس، وصعد منبرها، وقال لمن حوله: أين أنا؟ فقالوا: على منبر طرسوس فقال: لا ولكني على منبر بيت المقدس، وهذه كانت تمنعكم من ذلك.

واستولى بعد موت سيف الدولة في سنة سبع وخمسين على كفر طاب، وشيزر، وحماة، وعرفة، وجبلة، ومعرة النعمان، ومعرة مصرين، وتيزين، ثم فتح أنطاكية في سنة ثمان وخمسين، على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.

وصارت وقعاته للروم والنصارى كالنزه والأعياد. وحكم في البلاد حكم ملوك الروم. ولما رجع عن حلب سار إلى القسطنطينية مغذاً فدخلها في صفر سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، فوجد رومانوس قد مات وجلس في الملك ولداه باسيل وقسطنطين وهما صبيان ووالدتهما تفانو تدبرهما.

فلما وصل نقفور سلموا الأمر إليه فدبرهما مدة. ثم رأى أن استيلاءه على الملك أصوب، وأبلغ في الهيبة فلبس الخف الأحمر، ودعا لنفسه بالملك، وتحدث مع البطرك في ذلك، فأشار عليه أن يتزوج تفانو أم الصبيين، وأن يكون مشاركاً لهما في الملك، فاتفقوا على ذلك وألبسوه التاج.

ثم خافت على ولديها منه، فأعملت الحيلة، ورتبت مع يانس بن شمشقيق أن

ص: 84

تتزوج به. وبات نقفور في البلاط في موضعه الذي جرت عادته به. فلما ثقل في نومه أدخلت يانس ومعه جماعة، وشكلت رجل نقفور فلما

دخل يانس قام نقفور من نومه ليأخذ السيف فلم يستطع فقتله. ولم يتزوج بها يانس خوفاً منها.

أما سيف الدولة فإنه لما رحل الروم عن حلب، عاد إليها ودخلها في ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. وعمر ما خرب منها وجدد عمارة المسجد الجامع، وأقام سيف الدولة إلى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.

وسار إلى ديار بكر بالبطارقة الذين كانوا في أسره ليفادي بهم، وأخذهم نجا وسار إلى ميافارقين فاستولى عليها.

فلما وصل سيف الدولة، قال: أروني نجا، فأروه إياه على برج، فوقف تحته، وقال: يا نجا فقال: لبيك يا مولانا فقال: انزل. فنزل في الوقت، وخدمه على رسمه، وخلع عليه، وسلم إليه البلد والبطارقة. وقتل نجا قتله غلام لسيف الدولة اسمه قبجاج بحضرته، وكان سيف الدولة عليلاً فأمر به فقتل قبجاج في الحال.

وسار سيف الدولة بالبطارقة إلى الفداء، ففدى بهم أبا فراس ابن عمه، وجماعة من أهله، وغلامه رقطاش، ومن كان بقي من شيوخ الحمصيين والحلبيين. ولما لم يبق معه من أسرى الروم أحد اشترى بقية المسلمين من العدو كل رجل باثنين وسبعين ديناراً حتى نفد ما كان معه من المال. فاشترى الباقين ورهن عليهم بدنته الجوهر المعدومة المثل وكاتبه أبا

القاسم الحسين بن علي المغربي جد الوزير، وبقي في أيدي الروم إلى أن مات سيف الدولة، فحمل بقية المال وخلص ابن المغربي.

ص: 85

ولما توجه سيف الدولة إلى الفداء. ولى في حلب غلامه وحاجبه قرغويه الحاجب في سنة أربع وخمسين، فخرج على أعمال سيف الدولة مروان العقيلي، وكان من مستأمنة القرامطة.

وكان مروان مع سيف الدولة حين توجه إلى آمد. وأقام سيف الدولة بكل ما يحتاج إليه عسكره، وأنفذ إليه ملك الروم هدية سنية، فقتل مروان القرمطي رجلاً من أصحاب الرسول، فتلافى سيف الدولة ذلك، وسير إلى ملك الروم هدية سنية، وأفرد دية المقتول، واعتذر أن مروان فعل ذلك على سكر، فرد الهدية والتمس إيفاد القاتل، ليقيده به أو يصفح عنه، فلم يفعل، وانتقضت الهدنة، وكان ذلك في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. وولى بعد ذلك مروان السواحل.

فلما توجه سيف الدولة إلى الفداء سار إلى ناحية حلب، فأنفذ إليه قرغويه غلاماً له اسمه بدر فالتقيا غربي كفر طاب، فأخذه مروان أسيراً وقتله صبراً، وكسر العسكر وملك حلب. وكتب إلى سيف الدولة بأنه من قبله، فسكن إلى ذلك، وأخذ مروان في ظلم الناس بحلب، ومصادرتهم. فلم تطل مدته، وتوفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، من ضربه ضربه بها بدر

حين التقيا بلت، في وجهه. وعاد الحاجب قرغويه إلى خلافة سيف الدولة.

وكان بأنطاكية رجل يقال له الحسن بن الأهوازي يضمن المستغلات لسيف الدولة، فاجتمع برجل من وجوه أهل الثغر يقال له رشيق النسيمي وكان من القواد المقيمين بطرسوس فاندفع إلى أنطاكية حين أخذ الروم طرسوس، وتولى تدبير

ص: 86

رشيق وأطمعه في أن سيف الدولة لا يعود إلى الشام. فطمع واتفق مع ملك الروم على أن يكون في حيزه، ويحمل إليه عن أنطاكية في كل سنة ستمائة ألف درهم. وكان بأنطاكية من قبل سيف الدولة تنج اليمكي أو الثملي، فسار رشيق نحوه فوثب أهل أنطاكية على تنج، فأخرجوه، وسلموا البلد إلى رشيق. فأطمع ابن الأهوازي رشيقاً بملك حلب، لعلمه بضعف سيف الدولة، واشتغاله بالفداء. وعمل له ابن الأهوازي كتاباً ذكر أنه من الخليفة ببغداد، بتقليده أعمال سيف الدولة، فقرئ على منبر أنطاكية.

واجتمع لابن الأهوازي جملة من مال المستغل، وطالب قوماً بودائع ذكر أنها عندهم، واستخدم بتلك الأموال فرساناً ورجالة، واستأمن إليه دزبر بن أوينم الديلمي وجماعة من الديلم الذين كانوا مع الحاجب قرغويه بحلب.

فحصل مع رشيق نحو خمسة آلاف رجل، فسير إليه الحاجب غلامه يمين في عسكر. فخرج إليه رشيق من أنطاكية، والتقوا بأرتاح، فاستأمن يمن إلى رشيق ومضى عسكره إلى حلب، وتوجه رشيق إلى حلب، ونازل حلب، وزحف على باب اليهود، فخرج إليه بشارة الخادم في جماعة، فقاتل إلى الظهر، وانهزم بشارة ودخل من باب اليهود ودخلت خيل رشيق خلفه.

واستولى رشيق على المدينة في اليوم الأول من ذي القعدة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. ونادوا بالأمان للرعية، وقرؤوا كتاباً مختلفاً عن الخليفة بتقليد رشيق أعمال سيف الدولة، وأقام رشيق يقاتل القلعة ثلاثة أشهر وعشرة أيام. وفتح باب الفرج، ونزل غلمان الحاجب من القلعة فحملوا على أصحاب رشيق، فهزموها وأخرجوهم من المدينة. فركب رشيق ودخل من باب أنطاكية، فبلغ إلى القلانسيين وخرج من باب قنسرين، ومضى إلى باب العراق. فنزل غلمان الحاجب، وخرجوا من باب الفرج وهو الباب الصغير.

ص: 87

ووقع القتال بينهم وبين أصحاب رشيق، فطعن ابن يزيد الشيباني

رشيقاً فرماه وكان ممن استأمن من عسكر سيف الدولة إلى رشيق، وأخذ رأسه، ومضى به إلى الحاجب قرغويه، وعاد الحاجب إلى حالته في خلافة الأمير سيف الدولة.

وعاد عسكر رشيق إلى أنطاكية فرأسوا عليهم دزبر بن اوينم الديلمي، وعقدوا له الإمارة، واستوزر أبا علي بن الأهوازي، وقبل كل من وصل إليه من العرب والعجم.

وسار إليه الحاجب قرغويه إلى أنطاكية، فأوقع به دزبر، ونهب سواده، وانهزم قرغويه وقد استأمن أكثر أصحابه إلى دزبر، فتحصن بقلعة حلب، وتبعه دزبر فملكها في جمادى الأولى من سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.

وأقام بها وابن الأهوازي بعسكره في حاضر قنسرين، وجمع إليه بني كلاب، وجبى الخراج من بلد حلب وحمص، وفوض إلى القضاة، والولاة، والشيوخ، والعمال الأعمال والولايات.

وجاء سيف الدولة فدخل حلب وعسكره ضعيف فبات بها وخرج إلى دزبر وابن الأهوازي. وكان سيف الدولة قد فلج وبطل شقه الأيسر فالتقوا شرقي حلب ب سبعين.

فغدرت بنو كلاب بدزبر وابن الأهوازي حين نظروا إلى سيف الدولة،

واستأمنوا إليه، فآمنهم، ووضع السيف في عسكر دزبر وضع محنق مغيظ فقتل جمعاً كثيراً، وأسر خلقاً، فقتلهم صبراً. وكان فيهم جماعة ممن اشتراه بماله من الروم، فسبقوه إلى الشام، وقبضوا الرزق من ابن الأهوازي، وجعلوا يقاتلونه، فما أبقى على أحد منهم. وحصل دزبر وابن الأهوازي في أسره. فأما دزبر فقتله ليومه، وأما ابن الأهوازي فاستبقاه أياماً ثم قتله.

ص: 88

ثم أن سيف الدولة قويت علته بالفالج، وكان بشيزر، فوصل إلى حلب فأقام بها يومين أو ثلاثة. وتوفي يوم الجمعة العاشر من صفر من سنة ست وخمسين وثلاثمائة. وقيل: توفي بعسر البول وحمل تابوته إلي ميافارقين فدفن بها في تربته.

وكان على قضاء حلب إذ ذاك في غالب ظني أبو جعفر أحمد بن إسحاق ابن محمد بن يزيد الحنفي، بعد أحمد بن محمد بن ماثل.

وينسب إلى سيف الدولة أشعار كثيرة، لا يصح منها له غير بيتين، ذكر أبو القاسم الحسين بن علي المغربي كاتبه وهو جد الوزير أبي القاسم المغربي أنهما لسيف الدولة. ولم يعرف له غيرهما. وكتب بهما إلى أخيه ناصر الدولة وقد مد يده إلى شيء من بلاده المجاورة له، من ديار بكر، وكانت في يد أخيه:

لست أجفو وإن جفيت ولا أت

رك حقاً علي في كل حال

إئما أنت والد والأب الجا

في يجازى بالصبر والإحتمال

ووزر لسيف الدولة أبو إسحاق القراريطي، ثم صرفه وولى وزارته أبا عبد الله محمد بن سليمان بن فهد ثم غلب على أمره أبو الحسين علي بن الحسين المغربي أبو الوزير أبي القاسم ووزر له.

ص: 89