الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الملك المنصور وعسكر حلب، فإنهم وصلوا إلى صفين، وساقوا سوقاً قوياً، ليسبقوا الخوارزمية إلى الماء، ويحولوا بينهم وبين العبور إلى الرقة.
فوصلوا بعد وصول الخوارزمية بساعة، فوجدوا الخوارزمية قد احتموا بستان البليل، وأخذوا منها الأبواب، وجعلوها ستائر عليهم، وحفروا خندقاً عليهم، فقاتلوهم إلى بعد العشاء، وأخذوا من الأغنام، التي لهم، شيئاً كثيراً، ولم يكن عندهم علوفة لدوابهم، ولا زاد لأنفسهم، فعادوا في الليل إلى منرلتهم بصفين.
ونام جماعة من الرجالة في البليل، فوقع عليهم الخوارزمية فقتلوهم. وعبر الخوارزمية إلى الرقة، وقد هلكت دوابهم إلا القليل، وأكثرهم رجالة، وسروا إلى حران، وأحضروا لهم دواب ركبوها، وتوجهوا إلى حران.
وأراد الملك المنصور العبور من جسر قلعة جعبر، فلم يمكنه لقلة العلوفة، فسار بالعساكر إلى البيرة، وعبر من عبرها بالعسكر والجموع. وسار حتى نزل ما بين سروج والرها.
ووصل الخوارزمية ليكبسوا اليزك، فعلموا بهم، وناموا في الليل، وركب العسكر، فعادوا والعسكر في آثارهم، إلى سروج، ولم ينالوا زبدة، ووصلوا إلى حران، وجمعوا جمعاً كثيراً، حتى أخذوا عوام حران، وألزموهم بالخروج معهم، ليكثروا بهم السواد.
ووصلوا إلى قرب الرها إلى جبل يقال له جلهمان واجتمعوا عليه ورتبوا عسكرهم، وكثروا سوادهم بالجمال، وعملوا رايات من القصب، على الجمال، ليلقوا الرعب في قلوب العسكر، بتكثير السواد.
خسارة الخوارزمية
وركب العسكر من منزلته، بعد أن وصل رسول، من عسكر الروم، يخبر بوصوله في النجدة، بعد حط الخيم للرحيل، فلم يتوقفوا. وساروا إلى أن وصلوا
إلى الخوارزمية، يوم الأربعاء الحادي والعشرين، من شهر رمضان، سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
والتقوا، وكسر الخوارزمية، واستبيح عسكرهم، وهربوا، والعساكر في آثارهم، إلى أن حال الليل بينهم وبينهم، فعاد العسكر، ووصل الخوارزمية إلى حران، وأخذوا نساءهم، وهربوا، ورتبوا في قلعة حران والياً من جهة بركة خان وساروا، ووصل الملك المنصور والعساكر إليها، فوكل بالقلعة من يحصرها.
وساروا خلف الخوارزمية إلى الخابور، والخوارزمية منهزمون، وألقوا أثقالهم، وبعض أولادهم، ونزلوا في طريقهم على الفرات، فجاءهم السيل في الليل، فأغرق منهم جمعاً كثيراً، ودخلوا إلى بلد عانة واحتموا فيه لأنه بلد الخليفة.
وزينت مدينة حلب أياماً لهذه البشرى. وضربت البشائر، ووصلت أعلامهم وأسراؤهم، إلى حلب. واعتصمت القلعة بحران أياماً، ثم سلمت إلى الحلبيين، وأخرج من كان بها من الأمراء، من أمراء حلب وأقارب السلطان.
وبادر بدر الدين لؤلؤ إلى نصيبين، وإلى دارا فاستولى عليهما، واستخلص من دارا عم السلطان الملك المعظم تورانشاه، واستدعاه إلى الموصل، وقدم له مراكب، وثياباً، وتحفاً، كثيرة، وسيره إلى العسكر.
واستولى العكسر الحلبي، على حران، وسروج، والرها، ورأس عين، وجملين والموزر، والرقة، وأعمال ذلك، واستولى الملك المنصور على بلد الخابور وقرقيسيا.
واستولى نواب صاحب الروم على السويداء، بعد استيلاء عسكر حلب عليها، لكونها من أعمال آمد. ووصل نجدة ملك الروم، بعد الكسرة، فسيرت إليهم الخلع، والنفقات.
وساروا إلى آمد، والتقوا بعساكر الروم، وحاصروها إلى أن اتفقوا مع صاحبها ولد الملك الصالح على أن أبقوا بيده حصن كيفا وأعماله، وسلم إليهم آمد. وأقام الخوارزمية. ببلاد الخليفة، إلى أن دخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة.
وخرجوا إلى ناحية الموصل، واتفقوا مع صاحبها، إلى أن أظهر إليهم المسالمة، وسلم إليهم نصيبين.
واتفقوا مع الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل صاحب ميافارقين وسير إلى حلب، وأعلمهم بذلك، وطلب موافقته، واليمين له، على أنه إن قصده سلطان الروم، دافعوا عنه.
وكان قد استشعر من جهته، فلم يوافقه الحلبيون على ذلك. ووصل إليه الخوارزمية، واتفقوا على قصد آمد، فبرزت العساكر من حلب، ومقدمها الملك المعظم تورانشاه، وخرجت إلى حران، في صفر، من سنة تسع وثلاثين.
وساروا بأجمعهم إلى آمد، ودفعوا الخوارزمية عنها، ورحلوا عنها إلى ميافارقين، فأغاروا على رستاقها، ونهبوا بلدها، واعتصم الخوارزمية بحاضرها، خارج البلد.
ووصلت العساكر وأقامت قريباً من ميافارقين، وجرت لهم معهم وقعات، إلى أن تهادنوا، على أن يقطع ملك الروم الخوارزمية، ما كان أقطاعاً لهم في
بلاده، وأنهم يكونون مقيمين في أطراف بلاده، وعلى أن الملكة الخاتون بحلب، تعطي أخاها الملك المظفر، ما تختاره، من غير اشتراط عليها، وعلى أن يكونوا وشهاب الدين غازي سلماً، لمن هو داخل في هدنتهم وكان صاحب ماردين قد حلف للملك الناصر.
ورجع العسكر الحلبي، فلم ينتظم من الأمر الذي قرروه شيء، ووصل رسل الملك المظفر، ورسل الخوارزمية. وعادوا عن غير اتفاق. وأطلق أسرى الخوارزمية من حلب.
وخرج الملك المظفر والخوارزمية، ووصلوا إلى بلد الموصل. وعاد صاحب ماردين إلى موافقتهم، ونزلوا على الموصل، ونهبوا رستاقها، واستاقوا مواشيها، ثم توجهوا إلى ناحية االخابور، واتفق الأمر على أن ورد الملك المنصور صاحب حمص إلى حلب. وخرج السلطان الملك الناصر، وأكابر المدينة، والتقوه إلى الوضيحي. ووصل إلى ظاهر حلب، ونزل بدار علم الدين قيصر، وجمع العساكر، وتوجه إلى بلاد الجزيرة.
ووصل الملك المظفر والخوارزمية بعد أن عبر الملك المنصور الفرات إلى رأس عين، واعتصم أهلها، مع العسكر الذي كان بها، وكان معهم جماعة، من الرماة، والجرخية، من الفرنج، فأفنوا أهلها، ودخلوها، وأخذوا من كان بها من العسكر.
ورحل الملك المنصور والعسكر من الفرات إلى حران، فعاد الملك المظفر والخوارزمية إلى ميافارقين، وأطلقوا من كان بها، في صحبتهم، من العسكر الدين أخذوهم من رأس عين.