الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقض الفرنج الهدنة التي كانت بينهم وبين زنكي على حلب، وأظهروا العناد، وقبضوا على التجار بأنطاكية والسفار من أهل حلب، في جمادى الأولى من السنة، بعد إحسانه إليهم واصطناعه لمقدميهم، حين أظفره الله بهم، وانضافوا إلى ملك الروم كالياني.
وظهر ملك الروم بغتة من طريق مدينة البلاط، يوم الخميس الكبير من صومهم، ونزل يوم الأحد يوم عيد النصارى، وهو الحادي والعشرون من شهر رجب، على حصن بزاعا.
وانتشرت الخيل بغتة فلطف الله بالمسلمين، فرأوا رجلاً من كافر ترك ومعه جماعة منهم، وقد تاهوا عن عسكر الروم، وأظهروا أنهم مستأمنة وأنذروا من بحلب با لروم.
فتحرز الناس وتحفظوا، وكاتبوا أتابك زنكي بذلك، فوصله الخبر وهو على حمص، فسير في الحال الأمير سيف الدين سوار والرجالة الحلبيين وخمسمائة فارس، في أربعة من الأمراء الأصفهسلارية منهم زين الدين علي كوجك، فقويت قلوب أهل حلب بهم، ووصلوا في سابع وعشرين من رجب.
وأما الروم فإنهم حصروا حصن بزاعا، وقاتلوها سبعة أيام، فضعفت قلوب المسلمين، وكان الحصن في يد امرأة فسلموه إلى البروم بالأمان، بعد أن توثقوا منهم بالعهود والأيمان، فغدروا بهم، وأسروا من بزاعا ستة آلاف مسلم أو يزيدون، وأقام الملك بالوادي يدخن على مغاير الباب عشرة أيام، فهلكوا بالدخان.
الروم حول حلب وشيزر
ثم رحل فنزل يوم الأربعاء الخامس من شعبان، بأرض الناعورة، ثم رحل يوم الخميس سادس شعبان، ومعه ريمند صاحب أنطاكية وابن جوسلين، فنزل على
حلب ونصب خيمته من قبليها على نهر قويق، وأرض السعدي، وقاتل حلب يوم الثلاثاء من ناحية برج الغنم، وخرج إليهم أحداث حلب، فقاتلوهم وظهروا عليهم، وقتل من الروم مقدم كبير ورجعوا إلى خيمهم خائبين.
ورحل يوم الأربعاء ثامن شعبان مقتبلاً إلى صلدي، فخاف من بقلعة الأثارب من الجند المسلمين، فهربوا منها يوم الخميس تاسع شعبان، وطرحوا النار في خزائنهم.
وعرف الروم ذلك فخفت منهم سرية وجماعة من الفرنج، ومعهم سبي بزاعا والوادي، فملكوا القلعة، وألجأوا السبي إلى خنادقها وأحواشها، فهرب جماعة منهم إلى حلب، وأعلموا الأمير سيف الدين سوار بن أيتكين بذلك، وأن الروم انعزلوا عنها.
فنهض إليهم سوار في لمة من العسكر، فصابحهم وقد انتشروا بعد طلوع الشمس، فوقع عليهم واستخلص السبي جميعه إلا اليسير منهم، وأركب الضعفاء منهم خلف الخيالة حتى أنه أخذ بنفسه جماعة من الصبيان، وأركبهم بين يديه ومن خلفه، ووصل بهم إلى حلب، ولم يبق من السبي إلا القليل، ووصل بهم إلى حلب في يوم السبت الحادي عشر من شعبان، فسر أهل حلب سروراً عظيماً. وكان أتابك قد رحل من حمص إلى حماة ثم رحل إلى سلمية، ورحل ملك الروم إلى بلد معرة النعمان، ورحل عنها يوم الإثنين ثالث عشر شعبان إلى جهة شيزر، ونزلوا كفر طاب ورموها بالمجانيق، فسلمها أهلها في نصف شعبان. وهرب أهل الجسر، وتركوه خالياً فوصله الروم، وجلسوا فيه ورحلوا عنه إلى شيزر، يوم الخميس سادس عشر شعبان، فوصلوها في مائة ألف راكب ومائة
ألف راجل، ومعهم من الكراع والسلاح ما لا يحصيه إلا الله، فنزلوا الرابية المشرفة على بلدة شيزر، وأقاموا يومهم ويوم الجمعة إلى آخر النهار.
وركبوا وهجموا البلد، فقاتلهم الناس وجرح أبو المرهف نصر بن منقذ، ومات في رمضان من جرحه ذلك.
ثم انهزم الروم، وخرجوا، ونزل صاحب أنطاكية في مسجد سمون، وجوسلين في المصلى، وركب الملك يوم السبت، وطلع إلى الجبل المقابل لقلعة شيزر المعروف بجريجس، ونصب على القلعة ثمانية عشر منجنيقاً وأربع لعب تمنع الناس من الماء.
ودام القتال عشرة أيام، ولقي أهل قلعة شيزر بلاء عظيماً، ثم اقتصروا في القتال على المجانيق، وأقاموا إلى يوم السبت تاسع شهر رمضان.
وبلغهم أن قرا أرسلان بن داود بن سكمان بن أرتق عبر الفرات في جموع عظيمة تزيد عن خمسين ألفاً من التركمان وغيرهم، فأحرقوا آلات الحصار، ورحلوا عن شيزر، وتركوا مجانيق عظاماً رفعها أتابك إلى قلعة حلب بعد رحيلهم، وساروا بعد أن هجموا ربض شيزر دفعات عدة، ويخرجهم المسلمون منها.
فوصل صلاح الدين من حماة يوم السبت تاسع الشهر، وبلغه أن الفرنج هربوا من كفر طاب فسار إليها، وملكها، ووصل أتابك يوم الأحد عاشر الشهر، وسار إلى الجسر يوم الإثنين، فوجد الفرنج قد هربوا منه نصف الليل ونزل أهله من أبي قبيس، فمنعوهم ودخل الروم مضيق أفامية إلى أنطاكية، وطلبها من الفرنج فلم يعطوه إياها، فرحل عنها إلى بلاده، وسير أتابك خلفهم سرية من العسكر تتخطفهم. هذا كله وأتابك لم يستحضر قرا أرسلان بن داود، ولم يجتمع به، بل بعث إليه يأمره بالعود إلى أبيه، وأنه مستغن عنه وانحاز عنهم فنزل أرض حمص، وكتب إلى شهاب الدين محمود بن بوري يطلبها.
وترددت الرسل بينهم على أن يسلم إلى أتابك حمص، ويعوض أنر واليها