المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس - زبدة الحلب في تاريخ حلب

[كمال الدين ابن العديم]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأولحلب قبل الإسلام

- ‌اسمها زمن إبراهيم الخليل

- ‌عند اليونانيين

- ‌بناؤها في قديم الزمان

- ‌حكامهامن اليونان

- ‌قنسرين

- ‌من الرومان

- ‌القسم الثانيحلب في صدر الإسلام

- ‌حلب

- ‌خالد بن الوليد

- ‌إمارة خالد

- ‌عمر وخالد بن الوليد

- ‌ولاية حبيب بن مسلمة

- ‌موقعة صفين

- ‌القسم الثالثحلب في العصر الأموي

- ‌خلافة معاوية بن أبي سفيان

- ‌خلافة يزيد بن معاوية

- ‌خلافة مروان بن الحكم

- ‌خلافة عبد الملك في مروان

- ‌خلافة الوليد بن عبد الملك

- ‌خلافة سليمان

- ‌خلافة عمر بن عبد العزيز

- ‌خلافة يزيد بن عبد الملك

- ‌خلافة هشام

- ‌خلافة الوليد بن يزيد

- ‌خلافة يزيد بن الوليد

- ‌خلافة إبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد

- ‌القسم الرابعحلب في العصر العباسي

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة أبي جعفر المنصور

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافه هارون الرشيد

- ‌خلافة الأمين

- ‌خلافة المأمون

- ‌خلافة المعتصم

- ‌خلافة الواثق

- ‌خلافة المتوكل

- ‌خلافة المنتصر

- ‌خلافة المستعين

- ‌خلافة المعتز

- ‌خلافة المعتمد

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي

- ‌خلافة المقتدر

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي

- ‌خلافة المتقي

- ‌خلافة المستكفي

- ‌القسم الخامسحلب والحمدانيون

- ‌سيف الدولة الحمداني 333 - 356 هجرية

- ‌القسم السادسحلب في أيام سعد الدولة الحمداني 356 - 381 هجرية

- ‌القسم السابعسعيد الدولة الحمداني 381 - 392 هجرية

- ‌موت سعيد الدولة

- ‌القسم الثامنولدا سعيد الدولة علي وشريف

- ‌لؤلؤ الكبير

- ‌منصور بن لؤلؤ

- ‌أبو الهيجاء بن سعد الدولة

- ‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس

- ‌القسم التاسعحلب والفاطميون

- ‌فتح القلعي مبارك الدولة

- ‌فاتك الحاكمي عزيز الدولة

- ‌محمد الكتامي صفي الدولة

- ‌ابن ثعبان سند الدولة

- ‌ثعبان سديد الملك

- ‌صالح بن مرداس

- ‌القسم العاشرحلب والمرداسيون

- ‌نهاية صالح بن مرداس

- ‌في الوزير تاذرس

- ‌القسم الحادي عشرثانياً نصر بن صالح بن مرداس

- ‌حرب الأخوين

- ‌نصر والروم

- ‌نهاية نصر بن صالح بن مرداس

- ‌القسم الثاني عشرثمال بن صالح بن مرداس

- ‌نهاية الدزبري

- ‌ثمال حاكماً في حلب

- ‌قدوم رفق الخادم ونهايته

- ‌السيدة والمستنصر

- ‌المرداسيون والروم

- ‌في الوزارة

- ‌خلع الفاطميين

- ‌البساسيري وثمال

- ‌خصائل ثمال

- ‌تسليمه حلب وخروجه إلى مصر

- ‌حكم ابن ملهم

- ‌حلب بين محمود بن نصر وناصر الدولة

- ‌حلب بين عطية بن صالح ومحمود بن نصر

- ‌ثمال في حلب

- ‌وساطة ومصالحة

- ‌حرب الروم

- ‌القسم الثالث عشرعطية بن صالح بن مرداس

- ‌عطية وابن أخيه

- ‌استنجاد المرداسيين بالترك

- ‌حلب من عطية إلى محمود

- ‌القسم الرابع عشرمحمود بن نصر بن صالح

- ‌هزيمة الروم

- ‌بين المرداسيين والروم

- ‌السلطان العادل ومحمود

- ‌وقعة منازكرد

- ‌خبر عطية بن صالح

- ‌الوزير أبو بشر

- ‌ابن منقذ

- ‌خبر الخفاجي

- ‌الشاعر ابن حيوس

- ‌وفاة محمود بن نصر

- ‌القسم الخامس عشرنصر بن محمود بن نصر بن صالح

- ‌مقتل نصر

- ‌القسم السادس عشرسابق بن محمود بن نصر

- ‌هزيمة وثاب

- ‌إعانة ملكشاه لوثاب بن محمود

- ‌قصيدة ابن النحاس

- ‌عودة تاج الدولة

- ‌أعمال تاج الدولة

- ‌شرف الدولة في حلب ونهاية المرداسيين

- ‌لقسم السادس عشرحلب ومسلم بن قريش

- ‌مسلم في حلب

- ‌عودة مسلم بن قريش

- ‌من دمشق إلى حران

- ‌سلطان ومسلم بن قريش

- ‌سليمان وأنطاكية

- ‌غارات سليمان ومقتل مسلم

- ‌القسم السابع عشرحلب وملكشاه السلجوقي التركي

- ‌سليمان حولى حلب

- ‌مقتل سليمان بن قطلمش

- ‌تتش في حلب

- ‌ملكشاه في حلب

- ‌آق سنقر وال على حلب

- ‌وفاة السلطان ملكشاه

- ‌انتصار تتش

- ‌السلطان بركيارق في حلب

- ‌موقعة سبعين ومقتل أق سنقر

- ‌القسم الثامن عشرحلب ورضوان بن تتش

- ‌487 - 507 هجرية

- ‌تتش في حلب

- ‌مقتل بوزان ثم تتش

- ‌رضوان في حلب

- ‌دقاق في دمشق

- ‌خلف بن ملاعب

- ‌المؤامرة على جناح الدولة

- ‌من سروج إلى بيت المقدس

- ‌المجن ويوسف بن أبق

- ‌الحرب بين دقاق ورضوان

- ‌الخطبة للفاطميين

- ‌الفرنج في الشام

- ‌الخيانة ودخول أنطاكية

- ‌المجن الفوعي

- ‌صنجيل في عزاز والبارة والمعرة وشيزر

- ‌حلب والفرنج

- ‌تحرك جناح الدولة ومقتله

- ‌الفرنج حول حلب

- ‌انتصارات رضوان وموت دقاق

- ‌نكبة المسلمين

- ‌الباطنية

- ‌الفرنج بين مد وجذر

- ‌الخجندي والباطنية

- ‌نهاية رضوان

- ‌القسم التاسع عشرحلب وابنا رضوان

- ‌ألب أرسلان وسلطان شاهألب أرسلان من أخويه إلى الباطنية

- ‌ألب أرسلان وطغتكين

- ‌رئاسة حلب وأمرها ومقتل ألب أرسلان

- ‌سلطان شاه

- ‌حلب بين لؤلؤ والزلازل

- ‌خسارة المسلمين أمام الفرنج

- ‌نهاية لؤلؤ الخادم

- ‌ياروقتاش أتابك في حلب

- ‌إيلغازي من حلب إلى ماردين

- ‌بلد حلب بين الغلاء والفرنج

- ‌القسم العشرونحلب وإيلغازي

- ‌استدعاء إيلغازي إلى حلب

- ‌وقعة تل عفرين

- ‌فتح الأثارب وزردنا وانتصار دانيث

- ‌غارات بغدوين وجوسلين

- ‌نائب حلب سليمان بن إيلغازي وعصيانه

- ‌مناورات إيلغازي والفرنج

- ‌مرض إيلغازي وموته

- ‌القسم الحادي والعشرونحلب وبقية الأرتقيين

- ‌أولاً سليمان بن عبد الجبار بن أرتق

- ‌ثانيا بلك بن بهرام بن أرتق

- ‌ثالثاً تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق

- ‌اطلاق سراح بغدوين

- ‌أعمال الفرنج حول حلب وحصارها

- ‌رابعاً أق سنقر البرسقي

- ‌مقتل البرسقي

- ‌خامساً عز الدين مسعود ووفاته

- ‌القسم الثاني والعشرونحلب وعماد الدين

- ‌عماد الدين زنكي في حلب

- ‌التوقيع له بجميع البلاد الشامية

- ‌زواج وطلاق

- ‌سيف الدين سوار

- ‌من حماة إلى حمص

- ‌أنطاكية

- ‌خبر دبيس ومقتله

- ‌بين المسلمين والفرنج

- ‌حروب داخلية وخارجية

- ‌مقتل شمس الملوك وتسلم شهاب الدين

- ‌زنكي في حماه وحلب وحمص وبغداد

- ‌توسع عماد الدين وتحرك الروم

- ‌الروم حول حلب وشيزر

- ‌زلازل عام 533 هجرية

- ‌زنكي يفتح بعلبك ويحاصر دمشق

- ‌غارات الفرنج والمسلمين

- ‌فتح الرها وسروج

- ‌نهاية عماد الدين

- ‌القسم الثالث والعشرونحلب ونور الدين زنكي

- ‌نور الدين زنكي في حلب والرها

- ‌نصر المسلمين في العريمة ويغري

- ‌بناء المدارس

- ‌اقتسام مناطق النفوذ

- ‌انتصارات نور الدين وضم دمشق

- ‌الزلازل في بلاد الشام

- ‌مرض وعافية

- ‌تحرك الفرنج وانتصارهم في البقيعة

- ‌نور الدين وشيركوه

- ‌من أمهات المعارك

- ‌موقعة البابين

- ‌توسع نور الدين

- ‌قتل شاور وموت أسد الدين

- ‌وزارة صلاح الدين

- ‌من الزلازل إلى وفاة قطب الدين

- ‌انتقال الخطبة من الفاطميين إلى العباسيين

- ‌تراجع صلاح الدين الأيوبي

- ‌التراجع الثاني

- ‌موت والد صلاح الدين ثم موت نور الدين

- ‌القسم الرابع والعشرونالخطبة والحداد

- ‌استقلال سيف الدين غازي ببلاد الجزيرة

- ‌حصار بانياس الداخل

- ‌المراسلات في شأن الملك الصالح

- ‌الفتنة الطائفية

- ‌استدعاء صلاح الدين الأيوبي إلى دمشق

- ‌مسيره إلى حمص وحماه وحلب

- ‌من بعلبك إلى قرون حماة

- ‌بعد صلح تحرك صاحب الموصل

- ‌صلاح الدين وسيف الدين في تل السلطان

- ‌بزاعا ومنبج وعزاز ومحاولة قتل صلاح الدين

- ‌حصار حلب والصلح

- ‌أخبار الإسماعيلية

- ‌تحرك الفرنج بغياب صلاح الدين

- ‌وفاة إسماعيل بن نور الدين زنكي

- ‌القسم الخامس والعشروندخول عز الدين حلب

- ‌دخول عماد الدين حلب بعد المقايضة

- ‌صلاح الدين الأيوبي في بلاد الشام

- ‌صلاح الدين في أرض الجزيرة

- ‌القسم السادس والعشرونصلاح الدين يحاصر حلب

- ‌التهيئة للتسليم والاستلام

- ‌دخول صلاح الدين قلعة حلب

- ‌حارم وتل خالد وعزاز

- ‌صلاح الدين والفرنج

- ‌حلب وأبو بكر بن أيوب

- ‌خبر شيخ الشيوخ

- ‌غزو الكرك ونابلس وسبسطية وجنين

- ‌نحو حران والموصل وميافارقين

- ‌الشفاء وإعادة التوزيع

- ‌القسم السابع والعشرونغازي في حلب

- ‌العساكر الإسلامية والفرنج

- ‌حطين وأنهزام الفرنج ونهاية أرناط

- ‌فتح طبرية وعكا وبيروت وغيرها

- ‌تسلم القدس من الفرنج

- ‌هونين وطرطوس وجبلة واللاذقية وصهيون

- ‌بكاس والشغر وسرمانية وبرزية

- ‌درب ساك وبغراس وصفد والكرك

- ‌فتح كوكب وشقيف أرنون

- ‌القتال حول عكا

- ‌تحرك الصليبيين الألمان

- ‌الأساطيل البحرية

- ‌عودة الفرنج إلى عكا وهدم عسقلان

- ‌الصلح مع الفرنج

- ‌القسم الثامن والعشرونالتنافر والاتفاق

- ‌التنافر الثاني وخروج الأفضل عن دمشق

- ‌تحرك الظاهر غازي حول حلب

- ‌الخوف من الفرنج

- ‌من نتائج موت العزيز بمصر

- ‌حصار دمشق وفشل الحصار

- ‌الملك العادل في مصر

- ‌الملكان الأفضل والظاهر يحاصران دمشق

- ‌الأفضل والظاهر يختلفان

- ‌من حوادث سنة 600 هجرية

- ‌غارات ابن ليون الأرمني

- ‌الرد على الفرنج وظهور كيخسرو

- ‌العادل في الجزيرة

- ‌زواج الظاهر وعنايته بالعمران

- ‌ولاية العهد وموت الظاهر

- ‌القسم التاسع والعشروناتفاق الأمراء

- ‌تحرك الفرنج وملك الروم

- ‌موت العادل وملك الكامل

- ‌إنجاد دمياط وتحرك ابن المشطوب

- ‌تحرك الأشرف إلى الموصل ومصر

- ‌خبر الملك المعظم

- ‌عودة الأشرف من مصر وعصيان المظفر

- ‌من الحرب إلى الاتفاق فالموت

- ‌القسم الثلاثونالتنازل عن القدس

- ‌الأشرف والكامل يقتسمان

- ‌خبر خلاط وتحرك الفرنج

- ‌ممارسة العزيز صلاحياته

- ‌الحرب ضد كيقباذ

- ‌موت العزيز محمد بن غازي

- ‌خلافة الأخوين

- ‌تحرك الفرنج

- ‌وفاة كيقباذ والأشرف

- ‌الملك الكامل في دمشق ووفاته فيها

- ‌زواج الملك الناصر وفتح معرة النعمان

- ‌ابن العديم رسول السلطان

- ‌قوة الخوارزمية

- ‌الدعوة للسلطان كيخسرو

- ‌دمشق بين الملوك الجواد والصالح والصالح إسماعيل

- ‌تحرك الخوارزمية

- ‌النجدات ضد الخوارزمية

- ‌خسارة الخوارزمية

- ‌موقعة المجدل

- ‌حوادث متفرقة

الفصل: ‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس

سجلاً، وقرىء في القصر بالقاهرة، بتمليكه حلب وأعمالها ولقب فيه بمرتضى الدولة.

وكان في قلعة عزاز غلام من غلمان مرتضى الدولة فاتهمه في أمر أبي الهيجاء، فطلب مرتضى الدولة من النزول فلم يفعل، وخاف منه وقال: ما أسلمها إلا إلى القاضي ابن حيدرة فسلمها إليه.

وكتب القاضي فيها كتاباً إلى الحاكم، وسلمها إلى مرتضى الدولة، فنقم عليه، وقتله بعد ذلك.

وأما أبو الهيجاء فأقام بالروم إلى أن مات.

وعاد قاضي طرابلس إلى منصور يطلب منه ما كان وعده به، فدافعه، فرجع إلى طرابلس خائباً.

وكان أبو المعالي بن سعيد الدولة بمصر، فسيره الحاكم بعساكر المغاربة إلى حلب، فوصل معرة النعمان في سنة اثنتين وأربعمائة، وأرادت العرب الغدر به، وبيعه من مرتضى الدولة، لأنهم أغاروا. وركب يريدهم، فأخذه مضيء الدولة نصر الله بن نزال ورده إلى العسكر، ورجع فمات بمصر.

‌مرتضى الدولة وصالح بن مرداس

وأما بنو كلاب فانهم طلبوا من مرتضى الدولة ما شرطه لهم من الإقطاع، فدافعهم عنه، فتسلطوا على بلد حلب، وعاثوا فيه، وأفسدوا، ورعوا الأشجار وقطعوها، وضيقوا على مرتضى الدولة، فشرع في الاحتيال عليهم، وأظهر الرغبة في استقامة الحال بينهم وبينه وطلبهم أن يدخلوا إليه ليحالفهم ويقطعهم ويحضروا طعامه، واتخذ لهم طعاماً.

فلما حصلوا بحلب مد لهم السماط وأكلوا وغلقت أبواب المدينة، وقيد الأمراء: وفيهم صالح بن مرداس، وفيهم أبو حامد وجامع ابنا زائدة. وجعل كبار الأمراء بالقلعة، ومن دونهم بالهزي. وقتل منهم أكثر من ألف رجل، وذلك

ص: 114

لليلتين خلتا من ذي القعدة من سنة اثنتين وأربعمائة.

فجمع مقلد بن زائدة من كان من بني كلاب خارج حلب، وأجفل بالبيوت، ونزل بهم كفر طاب وقاتلها، فرماه ديلمي اسمه بندار فقتله، في

أوائل سنة ثلاث وأربعمائة. وكان مرتضى الدولة قد أخرج أخويه أبا حامد وجامعاً وغيرهما، وجعلهم في حجرة، وجعل فيها بسطاً، وأكرمهم لأجل مقلد. فلما جاءه خبر قتله أنفذ إليهم يعزيهم به فقال بعضهم لبعض: اليوم حبسنا.

وسير مرتضى الدولة إلى صالح بن مرداس، وهو في الحبس، وألزمه بطلاق زوجته طرود، وكانت من أجمل أهل عصرها، فطلقها، وتزوجها منصور، وهي أم عطية بن صالح، وإليها ينسب مشهد طرود، خارج باب الجنان، في طرف الحلبة. وبه دفن عطية ابنها ومات أكثر المحبسين بالقلعة في الضر، والهوان، والقلة، والجوع.

وكان مرتضى الدولة في بعض الأوقات إذا شرب يعزم على قتل صالح، لحنقه عليه من طول لسانه، وشجاعته. فبلغ ذلك صالحاً، فخاف على نفسه، وركب الصعب في تخليصها واحتال حتى وصل إليه في طعامه مبرد فبرد حلقة قيده الواحدة، وفكها وصعبت الأخرى عليه، فشد القيد في ساقه، ونقب حائط السجن، وخرج منه في الليل، وتدلى من القلعة إلى التل، وألقى نفسه فوقع سالماً ليلة الجمعة مستهل المحرم سنة خمس وأربعمائة.

واستتر في مغارة بجبل جوشن، وكثر الطلب له والبحث عنه، عند الصباح فلم يوقف له على خبر، ولحق بالحلة، واجتمعت إليه بنو كلاب، وقويت نفوسهم بخلاصه، وبعد ستة أيام ظفر صالح بغلام لمنصور كان قد

أعطاه سيف صالح، فاستعاده منه وأيقن بالظفر، وتفاءل بذلك.

ولما كان اليوم العاشر من صفر نزل صالح بتل حاصد من ضياع النقرة يريد

ص: 115

قسمتها، بعد أن جمع العرب واستصرخهم، وكان يعلم صالح محبة مرتضى الدولة لتل حاصد.

فحين علم منصور بنزول صالح على تل حاصد، رأى أن يعاجله قبل وصول المدد إليه، فجمع جنده، وحشد جميع من بحلب من الأوباش، والسوقة، والنصارى، واليهود وألزمهم بالسير معه إلى قتال صالح، فخرجوا ليلة الخميس ثاني عشر صفر من سنة خمس وأربعمائة.

وبلغني: أن مرتضى الدولة لما وصل إلى جبرين تطير وقال: جبرنا فلما وصل بوشلا قال: شللنا فلما وصل تل حاصد قال: حصدنا.

وأصبح عليهم يوم شديد الحر فماطلهم صالح باللقاء، إلى أن عطش العوام وجاعوا وسير جاسوساً إلى العسكر فجاء وأخبره أن معظم عسكره

من اليهود، والنصارى، وأنه سمع يهودياً يقول لأخر بلغتهم: والك حفيظه اطعزه واتأخر، وإياك يكون خلفه أخر يطعزك بمطعازه، ويخغب بيتك للدواغيث.

فقوي طمع صالح فيهم، وحمل عليهم فكسرهم، وأسر مرتضى الدولة، وسالم بن مستفاد أبا المرجا الحمداني وخلقاً غيرهما.

وقتل جمع كثير من العسكر ومقدار ألفي راجل من العوام، وآثار عظامهم إلى اليوم مدفونة في أرجام حجارة شبيهة بالتلال، فيما بين تل حاصد وبوشلا.

وانهزم أبو الجيش وأبو سالم أخو مرتضى الدولة، وقصد القلعة فضبطها أبو الجيش المفلول، وضبط البلد أخوه أبو الجيش وأمه.

وحدث بنو كلاب أنهم لم يروا ولم يسمعوا بأشجع من مرتضى الدولة، وأنه لو لم يقف به الحصان ما وصلوا إليه، وأنه لما وقف به الحصان لم يقدم عليه أحد

ص: 116

حتى جاءه صالح، فقال: إلي يا مولانا فرمى السيف من يده، فلما رماه تقربوا منه وأخذه صالح فقيده بالقيد الذي كان في رجله.

وكان بين هرب صالح وأسره مرتضى الدولة أحد وأربعون يوماً. ورأى صالح أنه لا قدرة له على أخذ البلد لضبطه بأبي الجيش، فرأى

أن يوقع الصلح، فتراسلوا في ذلك، وأشركوا أبا الجيش في تقرير ذلك، فخرج مشاريخ من أهل حلب من أبي الجيش في حديث الصلح وتقريره.

فلما وصلوا إلى صالح سلموا عليه غير هائبين له ولا مبخلين، لقرب عهدهم برؤيته أسيراً حقيراً، وكلموه بكلام جاف، وراددوه في شروط شرطها عليهم، فأحس منهم بذلك، فقال لهم: قبل أن نتفرق بيننا أمر، اجتمعوا بأميركم، وشاوروه فيما تتحدثون به معي من الشروط.

قال: فقاموا، ودخلوا على مرتضى الدولة، وفيهم الشاهدان الفذان شهدا على صالح بطلاق طرود، فوجدوا مرتضى الدولة على أقبح صورة مكشوف الرأس، على قطعة من كساء خلق، والقيد قد أثر في ساقيه فاحتقروه، وعظم صالح في أعينهم، فهنأوه بالسلامة، فقال: سلامة العطب أصلح منها، ثم قال: إن الأمير صالح يطلب مني طلاق طرود، فاشهدوا علي أنها طالق، ويطلب مني تسليم حلب، ولست الآن مالكها فدبروا الأمر على حسب ما ترونه ويستصوبه أخي أبو الجيش، الذي هو الآن المستولي على القلعة والمدينة.

فلم يزالوا يترددون بينهما ويدخلون إلى حلب، ويشاورون أبا الجيش إلى أن استقر الأمر مع صالح بعد التضرع إليه وسؤاله باللطف في كلام خلاف ما بدأوه به على أن يطلق منصور على أن يحمل إليه خمسين ألف دينار عيناً ومائة وعشرين رطلاً بالحلبي فضة، وخمسمائة قطعة ثياب أصنافاً مختلفة، ويطلق جميع من في الحبوس من بني كلاب وحرمهم، وأن يقاسمه

باطن حلب وظاهرها شطرين، ويجعل ارتفاع ذلك نصفين، وأن يزوجه مرتضى الدولة بابنته.

فأجاب إلى ذلك ووقعت اليمين عليه، وأخرج إلى صالح أمه بجيلا وزوجته أم

ص: 117

الكرم ابنة رباح السيفي، وأولاده منها: أبا الغنائم، وأبا علي، وأبا الحسن، وأبا البركات، رهائن على المال.

وأطلق مرتضى الدولة فدخل إلى حلب يوم السبت لسبع بقين من صفر سنة خمس وأربعمائة، فلما حمل المال إلى صالح، خلى سبيل الرهائن، وباع كل واحد من العرب ما حصل في يده من الغنيمة والأسارى من الجند وغيرهم من الرعية المسلمين وأهل الذمة لأهاليهم بما اتفق، واستغنى العرب وقويت شوكتهم.

ولما حصل منصور إلى حلب عاد إلى عادته الأولى في الغدر، ومنع صالحاً ما صالحه عليه من ارتفاع البلاد والتزوج بابنته، فضيق صالح عليه، وحاربه، ومنع الميرة أن تدخل إليه حتى ضاقت على الرعية فكرهوه.

وانضاف إلى ذلك أنه وقعت التهمة بين مرتضى الدولة وبين غلامه فتح القلعي وكان والي القلعة في العاشر من شهر رجب من سنة ست، فاتهمه بأنه هو الذي هرب صالحاً، وتتابع لومه له، وقال: لولا قلة تحفظه وتضجيعه

في الاحتياط على صالح لما هرب من السجن، وهذه المحن كلها بسببه. وتواعده.

وعزم على أن يولي قلعة حلب صاحباً له يعرف بسرور، فأسر ذلك إليه فنم الخبر من سرور إلى رجل يقال له ابن غانم صديق لفتح، فأطلعه على ذلك، فخاف فتح القلعي منه، فوافق المقيمين معه على العصيان، فأجابوه إلى ذلك.

وطلب نزوله فتعلل، وأخذ حذره منه، ثم كاشفه بالعصيان، فصعدت إليه بجيلا، والدة مرتضى الدولة وعنفته، فلم يصغ إلى قولها، فقالت له: كيف تفعل هذا مع ابن سيدك. لأنه كان مولى لؤلؤ السيفي فقال، كما فعل هو وأبوه بأولاد سيده يعني بولدي سعد الدولة: أبي الفضائل وأبي الهيجاء.

ثم أنفذ فتح إلية وقال له: إما أن تخرج من حلب، وإلا سلمت القلعة إلى

ص: 118

صالح. فبينا مرتضى الدولة في قصره العتيق بباب الجنان، في ليلة السبت لست بقين من شهر رجب سنة ست وأربعمائة، إذ ضربت البوقات والطبول على القلعة، وصاح من فيها: الحاكم يا منصور صالح يا منصور فظن منصور أن صالحاً قد حصل في القلعة، ففتح باب الجنان، وهرب هو وأخوه، وأولاده، ومن تبعه من غلمانه إلى أنطاكية، وأخذ معه ما قدر على حمله من المال.

فلما علم أهل حلب بخروجه قصدوا داره، فأخذوا منها من الذهب والفضة والمراكب والأثاث ثمانين ألفاً من الدنانير.

وأخذ في جملة ما نهب له ثمانية وعشرون ألفاً من الدفاتر المجلدة، وكانت مفهرسة بخطه في درج، ونهبوا دور إخوته ودور بعض النصارى واليهود.

ووصل مرتضى الدولة إلى أنطاكية لخمس بقين من شهر رجب، فطالع قطبان أنطاكية الملك باسيل بهرب منصور إليه، فأنفذ إليه يأمره بإكرامه، وأن يواصله براتب وإقامة، وكذلك برزق أجناده وأصحابه، ففعل ذلك، وكان جملتهم سبعمائة رجل من فارس وراجل، وأن لا ينقصه في المخاطبة والكرامة من الرسم الذي كان يخاطبه به في أيام إمارته، وأمر أن يلفب بالماخسطرس.

واستدعى الملك إخوته وابنيه أبا الغنائم وأبا البركات، فخلع عليهم، وأنفذ على أيديهم توقيعاً بإقطاع عدة ضياع له ولهم، وكان من جملتها شيح ليلون، فعمر مرتضى الدولة حصنها، وسكن فيه ليقرب عليه ما يحتاج إلى معرفته من أمور حلب.

وأما مرتضى الدولة فإنه عمر إلى أن قدم أرمانوس من القسطنطينية، ونزل على تبل في سنة إحد وعشرين وأربعمائة، وكان معه إذ ذاك. وتوفي بعد ذلك.

ص: 119