الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرحل السلطان، يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر، وخلف طبرية وراء ظهره، وصعد جبلها، وتقدم إلى الفرنج، فلم يخرجوا من خيمهم، فنرل، وأمر العسكر بالنزول، فلما جنه اليل، جعل في مقابلة الفرنج من يمنعهم من القتال. ونزل إلى طبرية جريدة، وقاتلها، وأخذها في ساعة من نهار، ونهبوا المدينة وأحرقوها.
فلما سمع الفرنج بذلك، تقدموا إلى عساكر المسلمين، فعاد السلطان إلى عسكره، والتقى الفريقان، وجرى بينهما قتال، وفرق بينهما اليل. وطمع المسلمون فيهم، وباتوا يحرض بعضهم بعضاً.
فلما كان صباح السبت لخمس بقين من الشهر، طلب كل من الفريقين موضعه، وعلم المسلمون أن الأردن من ورائهم، وبلاد القوم بين أيديهم، فحملت العساكر الإسلامية من الجوانب، وحمل القلب، وصاحوا صيحة واحدة، فهرب القمص في أوائل الأمر نحو صور، وتبعه جماعة من المسلمين، فنجا وحده، فلم يزل سقيماً حتى مات في رجب.
حطين وأنهزام الفرنج ونهاية أرناط
وأحاط المسلمون بالباقين من كل جانب، فانهزمت منهم طائفة، فتبعها المسلمون فلم ينج منهم أحد. واعتصمت الطائفة الأخرى بتل حطين، وحطين: قرية عندها قبر شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون على التل، وأوقدوا النيران حولهم، فقتلهم العطش. وضاق الأمر بهم حتى استسلموا للأسر، فأسر مقدموهم وهم الملك جفري، والبرنس أرناط صاحب الكرك وأخو الملك، وابن الهنفري، وأولاد الست، وصاحب جبيل، ومقدم الداوية، ومقدم
الاسبتار، وأمم لا يقع عليها الإحصاء، حتى كان الرجل المسلم يقتاد منهم عشرين فرنجياً، في حلقهم حبل.
وأسروا من المصاف، ومن بلاد الفرنج أكثر من ثلاثين ألفاً من الفرنج، ما بين رجل، وامرأة، وصبي. وقتل من المقدمين وغيرهم خلق لا يحصى. ولم يجر على الفرنج منذ خرجوا إلى الساحل مثل هذه الوقعة.
وكان من جملة الغنيمة في يوم المصاف صليب الصلبوت، وهو قطعة خشب مغلفة بالذهب، مرصعة بالجوهر، يزعمون أن ربهم صلب عليها، وضربت في يديه المسامير، أحضروه معهم يوم المصاف تبركاً به، ورفعوه على رمح عال. فأما مقدم الدواية والأسبتار، فاختار السلطان قتلهم فقتلوا، وأما الملك جفري، فإنه أكرمه، وجلس له في دهليز الخيمة، واستحضره، وأحضر معه البرنس أرناط، وناول الملك جفري شربة من جلاب بثلج، فشرب منها، وكان على أشد حال من العطش. ثم ناول الملك بعضها برنس أرناط، فقال السطان للترجمان: قل للملك: أنت الذي سقيته، وإلاما سقيته أنا. وأراد بذلك عادة العرب أن الأسير إذ أكل أو أشرب ممن أسره أمن.
وكان السلطان قد نذر مرتين إن أظفره الله به أن يقتله. إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، وبعثرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
والمرة الأخرى أن السلطان كان قد هادنه، وتحالفا على أمن القوافل المترددة من الشام إلى مصر. فاجتاز به قافلة عظيمة، غزيرة الأموال، كثيرة الرجال، ومعها جماعة من الأجناد، فغدر بهم الملعون، وأخذهم وأموالهم وقال لهم: قولوا لمحمد يجيء ينصركم. فبلغ ذلك السلطان سير إليه، وهدده،