الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها، وترك البيرة بعد أن قارب أخذها، وسار حتى دخل الموصل، وأخذ فرخانشاه ابن السلطال الذي قتل جقر، عزم على تملك الموصل، فقتله بدم جقر، وولى الموصل مكانه الأمير زين الدين علي كوجك.
ثتم شرع زنكي في الجمع والاحتشاد، والاستكثار من عمل المجانيق، وآلة الحرب، في أوائل سنة أربعين وخمسمائة، ويظهر للناس أن ذلك لقصد الجهاد. وبعض الناس يقول: أنه لقصد دمشق ومنازلتها. وكان ببعلبك مجانيق فحملت إلى حمص، في شعبان من هذه السنة.
وقيل: إن عزمه انثنى عن الجهاد في هذه السنة، وأن جماعة من الأرمن بالرها عاملوا عليها، وأرادوا الإيقاع بمن كان فيها من المسلمين واطلع على حالهم، وتوجه أتابك من الموصل نحوها، وقوبل من عزم على الفساد بالقتل والصلب.
نهاية عماد الدين
وسار ونزل على قلعة جعبر بالمرج الشرقي تحت القلعة، يوم الثلاثاء ثالث ذي الحجة، فأقام عليها إلى ليلة الأحد. سادس شهر ربيع الآخر نصف الليل من سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فقتله يرنقش الخادم، كان يهدده في النهار، فخاف منه فقتله في الليل في فراشه.
وقيل: إنه شرب ونام، فانتبه فوجد يرنقش الخادم وجماعة من غلمانه يشربون فضل شرابه، فتوعدهم. ونام فأجمعوا على قتله، وجاء يرثقش إلى تحت القلعه، فنادى أهل القلعه: شيلوني فقد قتلت أتابك. فقالوا له: اذهب إلى لعنة الله، فقد قتلت المسلمين كلهم بقتله.
وقد كان أتابك ضايق القلعة، فقل الماء فيها جداً، والرسل من صاحبها علي
ابن مالك تتردد بينه وبين أتابك، فبذل علي بن مالك له ثلاثين ألف دينار ليرحل عنها، فأجابه إلى ذلك.
ونزل الرسول، وقد جمع الذهب حتى قلع الحلق من آذان أخواته، وأحضر الرسول، وقال لبعض خواصه: امض بفرسه وقربه إلى قدر اليخني فإن شرب منه فأعلمني. ففعل ذلك، فشرب الفرس مرقة اليخني، فعلم أن الماء قد قل عندهم، فغالط الرسول ودافعه، ولم يجبه إلى ملتمسه، فأسقط في يد علي بن مالك.
وكان في القلعة عنده بقرة وحش، وقد أجهدها العطش، فصعدت في درجة المئذنة حتى علت عليها، ورفعت رأسها إلى السماء، وصاحت صيحة عظيمة، فأرسل الله سحابة ظللت القلعة، وأمطروا حتى رووا، فتقدم حسان البعلبكي صاحب منبج إلى تحت القلعة، ونادى علي بن مالك، وقال له: يا أمير علي، ايش بقى يخلصك من أتابك فقال له، يا عاقل، يخلصني الذي خلصك من حبس بلك له. يعني حين قتل بلك على منبج وخلص حسان، فصدق فأله وكان ما ذكرناه. وأخبرني والدي رحمه الله أن حارس أتابك كان يحرسه في الليلة التي قتل فيها بهذين البيتين:
يا راقد الليل مسروراً بأوله،
…
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا!
لا تأمنن بليل طاب أوله
…
فرب آخر ليل أجج النارا!
وكان أتابك جباراً عظيماً ذا هيبة وسطوة. وقيل: إن الشاووش كان يصيح خارج باب العراق، وهو نازل من القلعة. وكان إذا ركب مشى العسكر خلفه كأنهم بين خيطين مخافة أن يدوس العسكر شيئاً من الزرع، ولا يجسر أحد من هيبته أن يدوس عرقاً منه، ولا يمشي فرسه فيه، ولا يجسر أحد من أجناده أن يأخذ لفلاح علاقة تبن إلا بثمنها أو بخط من الديوان إلى رئيس القرية، وإن تعدى أحد صلبه.
وكان يقول: ما يتفق أن يكون أكثز من ظالم واحد يعني نفسه فعمرت البلاد في أيامه بعد خرابها وأمنت بعد خوفها. وكان لا يبقي على مفسد، وأوصى ولاته وعماله بأهل حران، ونهى عن الكلف والسخر والتثقيل على الرعية. هذا ما حكاه أهل حران عنه.
وأما فلاحو حلب فإنهم يذكرون عنه ضد ذلك.
وكانت الأسعار في السنة التي توفي فيها رخية جدا. الحنطة ست مكايك بدينار، والشعير اثنا عشر مكوكاً بدينار والعدس أربع مكايك بدينار، والجلبان خمسة مكايك بدينار، والقطن ستون رطلاً بدينار، والدينار هو الذي جعله أتابك دينار الغلة، وقدره خمسون قرطيساً برساً وذلك لقلة العالم.
ولما قتل افترقت عساكره فأخذ عسكر حلب ولده نور الدين أبا القاسم محمود بن زنكي، وطلبوا حلب فملكوه إياها، وأخذ نور الدين خاتمه من إصبعه قبل إلى حلب. وسار أجناد الموصل بسيف الدين غازي إلى الموصل وملكها.
وبقي أتابك وحده، فخرج أهل الرافقة فغسلوه بقحف جرة، ودفنوه على باب مشهد علي رضي الله عنه في جوار الشهداء من الصحابة رضوان الله عليهم وبنى بنوه عليه قبة، فهي باقية إلى الآن.