الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أمهات المعارك
فعند ذلك خرج نور الدين لقصد بلاد الفرنج، ونزل إلى حلب وجمع العساكر وأرسل إلى أخيه قطب الدين صاحب الموصل، وإلى فخر الدين قرا أرسلان صاحب حصن كيفا، والي نجم الدين ألبى صاحب ماردين وغيرهم من أصحاب الأطراف واستنجد بهم.
فسار قطب الدين ومقدم عسكره زين الدين علي كوجك، وسير صاحب ماردين عسكره، وأما صاحب الحصن فقال له خواصه وندماؤه: على أي شيء عزمت؟ فقال: على القعود، فإن نور الدين قد تحشف من كثرة الصوم والصلاة، فهو يلقي نفسه ومن معه في المهالك.
فلما جاء الغد أمر العسكر أن يتجهز للغزاة فسألوه عما صدفه عن رأيه، فقال: إن نور الدين إن لم أنجده خرجت بلادي عن يدي، فإنه قد كاتب زهادها والمنقطعين عن الدنيا يستمد منهم الدعاء، ويطلب منهم أن يحثوا المسلمين على الغزاة، وقد قعد كل واحد منهم ومعه أتباعه وأصحابه، وهم يقرؤون كتب نور الدين، ويبكون، فأخاف أن يجتمعوا على لعنتي والدعاء علي ثم تجهز وسار بنفسه.
ولما اجتمعت العساكر خرج نور الدين إلى حارم، وحصرها، ونصب المجانيق عليها، وزحف إليها، فخرج البرنس بيمند، والقمص صاحب طرابلس، وابن جوسلين والدوك مقدم كبير من الروم. وابن لاون ملك الأرمن، وجمعوا جميع من بقي من الفرنج بالساحل، وقصدوا نور الدين.
فرحل إلى أرتاح ليتمكن منهم إن طلبوه ويبتعدوا عن البلاد إن لقوه، وسير أثقاله إلى تيزين، فساروا فنزلوا على الصفيف، ثم عادوا إلى حارم، فتبعهم نور الدين على تعبئة الحرب، فلما تقاربوا اصطفوا للقتال فحمل الفرنج على ميمنة
المسلمين، وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن، فانهزم المسلمون حتى وصلوا إلى جدارهم، ونور الدين واقف بازائهم على تل هناك يتضرع إلى الله، وهو مكشوف الرأس.
وبقي راجل الفرنجك فوق عم، مما يلي حارم بالصفيف، فعطف عليهم زين الدين علي كوجك، في عسكر الموصل، وكان نور الدين قد جعله كميناً في طرف العمق، وآجام القصب، فقتلهم عن آخرهم.
ورجعت الخيالة من الفرنج خوفاً على الراجل أن يتبعوا المسلمين، فيقع المسلمون عليهم، فوجدوا الأمر على ما قدروه، فرأوا الرجالة منهم قتلى وأسرى، واتبعهم نور الدين مع من انهزم من المسلمين، فأحاطوا بهم من جميع الجهات، فاشتد الحرب، وكثر القتل في الفرنج، فوقعت عليهم الغلبة.
وعدل المسلمون إلى الأسر، فأسروا صاحب أنطاكية، وصاحب طرابلس، والدوك مقدم الروم، وابن جوسلين، ولم يسلم إلا مليح بن لاون، قيل إن الياروقية أفرجوا له حتى هرب، لأنه كان خالهم. وكان عدة القتلى تزيد على عشرة آلاف.
وسار إلى حارم فملكها في شهر رمضان من السنة، وبث سراياه في أعمال أنطاكية، فنهبوها وأسروا أهلها، وباع البرنس بمال عظيم وأسرى من المسلمين.
ثم ساروا في هذه السنة إلى دمشق، بعد أن أذن لعسكر الموصل وديار بكر بالعود إلى بلادهم، ثم خرج إلى بانياس، فحصرها وقاتلها. وكان معه أخوه نصرة الدين أمير أميران وكان قد رضي عنه وسامحه وهو على حارم، بعد أن دخل إلى الفرنج، فأصابه سهم أذهب إحدى عينيه، فقال له: لو كشف لك عن الأجر الذي أعد لك لتمنيت ذهاب الأخرى. وجد في حصارها وفتحها، وملأ