الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك، وكان نظام الملك يميل إلى شرف الدولة، ويشير بالإحسان إليه والصفح عنه وكاتب الوزير نظام الملك شرف الدولة يشير عليه بالوفود على السلطان، ووعده بما طابت به نفسه، فسار من الرحبة إليه، ولقيه نظام الملك على مراحل من الموصل.
فترجل شرف الدولة وقبل يده، وكان في محفة لمرض منعه من الركوب، فأمره بالركوب، وقال له: ذهب خوفك وشرح صدرك، وحقق أملك وكان قد استصحب معه كل ما قدر عليه من بقايا ذخائره وأمواله وخيله عقيب هذه النكبة العظيمة.
ودخل على السلطان فأكرمه وأحسن إليه، وأجابه إلى كل ما طلبه، وسامحه بما كان بقي عليه من مقاطعة الشام، وجدد له التوقيع بالبلاد الشامية والجزرية وكل ما كان في يده، وقرر معه مسير ولده محمد وأن يكون في عسكره، وكاتب أخاه تاج الدولة أن لا يعرض لبلاده، وكان قد توجه إليها، وسار أبو العز بن صدقة إلى حلب لإنجادها عليه، وبلغه خروج عسكر من مصر فرجع من لطمين.
سليمان وأنطاكية
وفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة، شرع سليمان بن قطلمش في العمل على أنطاكية والاجتهاد في أخذها إلى أن تم له ما أراد فأسرى من نيقيه في عسكره، وعبر الدروب وأوهم أن الفلاردوس.
استدعاه، وأسرع السير إلى أن وصل أنطاكية ليلاً، فقتل أهل ضيعة تعرف بالعمرانية جميعهم لئلا ينذروا به، وعلقوا حبالاً في شرفات السور بالرماح، وطلعوا مما يلي باب فارس، وحين صار منهم على السور جماعة نزلوا إلى باب فارس وفتحوه ودخل هو وعسكره من الباب وأغلقوه، وكانوا مائتين وثمانين رجلاً، وذلك يوم الأحد العاشر من شعبان، وقيل يوم الجمعة الثامن، ولم يشعر بهم أهل البلد إلى الصباح.
وصاح الأتراك صيحة واحدة فتوهم أهل أنطاكية أنه عسكر الفلاردوس حتى قاتلوهم فانهزموا وعلموا أن البلد قد هجم فبعضهم هرب إلى القلعة وبعضهم رمى بنفسه من السور فنجا.
واستقل سليمان عسكره فوصل إليه ابن منجاك في ثلاثمائة فارس، ولم يزل عسكره يتواصل حتى قوي، فأمن الناس وردهم إلى دورهم، ورد أكثر السبي وصلى المسلمون يوم الجمعة خامس عشر شعبان في القسيان، وأذن فيه ذلك اليوم مائة وعشرة من المؤذنين وخلق كثير من أهل الشام.
وكان يوم فتحها أول يوم من كانون الأول، وكان فتح الروم لها أول ليلة من كانون الثاني لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
ووجد خط بعض المنجمين وهو ابن أخت الصابي على ظهر كتاب عند القاضي أبي الفضل بن أبي جرادة يقول: " ذكر المخبر عن أخذ مدينة أنطاكية أن دخول العدو يعني الروم إليها في وقت كذا وكذا من الليل، فإن صح قول المخبر فإنها تثبت في أيدي الروم مائة وتسع عشرة سنة ".
وكان قد وقف على هذا الخط محمود بن نصر بن صالح، وقد ذكر في مجلسه، وأظن ذلك حين نزل الأفشين التركي على أنطاكية، وخاف محمود من أن يملك أنطاكية فلم يتفق فتحها حينئذ، وكان الأمر كما ذكر المنجم، ففتحها سليمان ابن قطلمش عند تمام المدة.
وأقام سليمان بن قطلمش يحاصر قلعة أنطاكية إلى الثاني عشر من شهر رمضان
من السنة وفتحها بالأمان ليقيها من القتل والسبي ونهب الترك من أنطاكية ما يفوت الإحصاء ويزيد عن الوصف وسكنها سليمان بعسكره وفتح الحصون المجاورة لها، بعضها عن طوع وبعضها عن استدراج.
وصار لسليمان من نيقية إلى طرابلس، وملك الثغور الشامية، وكان حسن السيرة في جنده وعسكره جواداً بماله، فمال إليه الناس لذلك ولما فتح أنطاكية أهدى إلى شرف الدولة من الغنيمة هدية حسنة ولما استقر حال شرف الدولة مع ملك شاه واطمأن عاد إلى القادسية، وناصف الجند في أرزاقهم، ونقصها عليهم، فصار أكثرهم إلى سليمان، وتركوه، فأقطعهم، وأحسن إليهم وسبب لهم أرزاقاً تكفيهم.
وكان جماعة من أصحاب بني مرداس يخافون شرف الدولة وهم متفرقون في الشام فصاروا إليه.
وكان من ضياع أنطاكية وأعمالها مواضع عدة تغلب محمود والأتراك عليها، وقبضوها من الروم لضعفهم، وصارت في أعمال حلب، فقبضها سليمان وأقطعها وغيرها مما يجاور أعمال أنطاكية.
وكان الشريف حسن الحتيتي رئيس حلب وغيره من أصحاب شرف الدولة خافوا منه لما استقر حاله مع السلطان أن يتم له الصلح مع ابن
قطلمش فيتفرغ لهم ويقبضهم، ويستأصل أموالهم، فتوصلوا إلى المفاسدة بينهما بمن صار في حلته من أهل الشام ليشتغل عنهم شرف الدولة وكان لأبي المكارم على أنطاكية يحملها الروم إليه فطمع بها من سليمان فلم يجبه إلى ذلك وقال: تلك جزية كانت على الروم لتمسك عن جهادهم، وقد قمت أنا بفريضة الجهاد، وصارت أنطاكية للمسلمين فكيف أؤدي عنها إليك جزية؟ ففسد ما بينهما لذلك.
وسار شبيب بن محمود ومنصور بن الدوح وجماعة من بني كلاب إلى أنطاكية، وحضروا عند سليمان، ووعدهم ووعدوه بما لم يقبح من بعضهم لبعض،